+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تأديب المفطرين

  1. #1
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    50
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7060

    افتراضي تأديب المفطرين

    هناك أسبابٌ مُسوِّغة للإفطار، فصَّلها الفقهاءُ في مظانِّها[1]؛ لأنَّ الدِّين يُسرٌ لا عُسْر، وصحَّة الأبدان مُقدَّمة على صِحَّة الأديان، كما تقضي الأحكام الشرعية.

    ولكن مماَّ يملأُ النفس أسًى ولوعةً أن نرى بعضَ الشباب القوي المملوء صحَّةً وعافية، القادر على الصوم - يُفطِر جِهارًا نهارًا، بلا حياء ولا خجل في شهر رمضان، ويتحدَّى الصائمين المخبتين، يَنفثُ الدُّخَان في وجوههم بالأماكن الضيِّقة، وفي المجالس والسيَّارات الحافلة!

    فكأنَّه لا يَكفيهم أن يظهروا في صورةِ الخارج على الدِّين، الفاسق عن أمر ربِّه حتى يضمُّوا إلى ذلك التجرُّدَ من الحياء، والتخلُّق بأخلاق المجَّان، السادرين في الغَواية والضلال، وليتَهم إذا أفطروا تستَّروا على أنفسهم؛ تصوُّنًا من القِحَةِ والسَّفه؛ عملاً بالأثر: "رَحِمَ اللهُ امرأً ذَبَّ الغِيبةَ عن نفسه".

    ومثل هذا قُلْ في بعض الشوابِّ اللاتي يَزدنْ على ذلك التبرجَ المقيت في المعارض القصيرة المبتذلَة، الكاشفة عن الظُّهور والبطون، والسِّيقان، بل وبعض الأفخاذ!

    وقد كان أبناءُ الأديان الأخرى في الزَّمنِ السالف - وإلى وقت قريب - يُوقِّرون شعورَ إخوانهم المسلمين، فلا يَطعمون ولا يَشربون أمامَهم!

    ويروي بعضُ المؤرِّخين: أنَّ أحدَ المجوس رأى ابنَه يأكل في رمضانَ فضربَه، وقال له: هلاَّ حفظتَ حُرْمةَ المسلمين في رمضان!!

    وبعضُ هؤلاء كان يصومُ رمضانَ بالفِعْل - كالأديب العظيم أبي إسحاق الصابي - مجاملةً للمسلمين، كما كان يحفظ القرآنَ أحسنَ حِفْظ! ولم يتطرَّق الانحلالُ إلى هذه العادة النبيلة إلاَّ بعدَ أن رأى غيرُ المسلمين أنَّ المسلمين أنفسَهم لا يرعون حُرمةَ الصيام، فكيف يَرْجون لهم وقارًا؟! وصَدَق الشاعر حيث يقول:


    [poem=font="Times New Roman,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.mwadah.com/mwaextraedit2/backgrounds/25.gif" border="double,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها=هوانا بها كانت على الناس هوانا
    [/poem]



    ولم يكن أسلافُنا - رضوان الله عليهم - يسكتون عن مثلِ هذه الجُرأة الصارخة على انتهاك رمضان.

    يُحدِّث الكلبيُّ عن عوانة قال: خَرَج النجاشيُّ الشاعر في أوَّل يوم من شهر رمضان، فمرَّ بأبي سمال الأسدي - وهو قاعد بفناء داره - فقال له: أين تريد؟ قال: أردتُ الكُناسة[2].

    قال: هل لك في رؤوس وأَلَيات[3] قد وضعت في التنُّور من أوَّل الليل، فأصبحتْ قد أينعت وتهرأتْ.
    قال: وَيْحكَ! أفي أوَّل يوم من رمضان؟!
    قال: دَعْنا ممَّا لا نعرف!
    قال: مه!
    قال: أسقيك شرابًا كالوَرْس[4]، يُطيِّب النفس، ويَجري في العرق، ويَزيدُ في الطَرْق[5]، ويَهضِم الطعام، ويُسهِّل للفَدْم[6] الكلام.
    فنزل فتغديَا، ثم أتاه بنبيذٍ فشربَا!

    فلمَّا كان آخرُ النهار، فضحهما الله - تعالى - فعَلَتْ أصواتهما، وكان لهما جار فأتاه بخبرهما إلى الإمام علي رضي الله عنه.
    فأرسل الإمامُ إليهما قومًا أحاطوا بالدار، فأمَّا أبو سمال فوثبَ على دار من دُور بني أسد فأفلتْ، وأُخِذ النجاشيُّ.

    وفي الصباح أقامَه الإمام في سراويل، وضرَبَه ثمانين سوطًا، ثم زاده عشرين.

    ونقل ابن حزْم: أنَّه أحضرَه ثاني يوم، وجلَدَه عشرين سوطًا.

    فقال النجاشيُّ: يا أميرَ المؤمنين، أمَّا الحدُّ فقد عرفتُه، فما هذه العلاوة (يعني: العشرين)؟
    فقال الإمام: لِجُرأتِك على الله، وإفطارِك في شهر رمضان.

    ثم أقامَه في سراويل للناس، فجَعَل الصِّبيانُ يُصيحون به: خزى النجاشي! خزى النجاشي!

    وأُتيَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – برجل شَرِب الخمر في رمضان، فلمَّا رفع إليه عثر الرجل، فقال عمر: على وجْهِك، ويْحَك! وصبيانُنا صِيام! ثم أمر به فضُرِب ثمانين سوطًا، ثم سيَّره إلى الشام، وكان - رضي الله عنه – إذا غَضِب على إنسان سيَّره إلى الشام.

    وفي عهْد الملك الكامل الأيوبيِّ، كان يأمر في رمضانَ بإغلاق محلاَّت الخمور في القاهرة، وجميعِ أنحاء البلاد، وإغلاقِ المطاعِم والمقاهي نهارًا، وإمساكِ البغايا والقِيان! وكان يَذيع هذا النِّداء: يا أهلَ مصر، قد أظلَّكم شهرٌ مبارك، مَن لم يصمْه بغير عُذر شرعي، فقد باء بغضب الله عليه، واستحقَّ أشدَّ أنواع العِقاب، واستهدف لغضبنا عليه، وإنزال أشدِّ عقوبتنا به. وكان عندَ ثبوت الرؤية ينزلُ بنفسه في أوَّل يوم من رمضان؛ لمباشَرةِ الأسواق، وتفقُّد أحوال الرعية، فإذا صادف مُفطِرًا، وتبيَّن أنَّه أفطر تهاونًا بحُرْمة الشهر أَمَر بطرْحه، وضربه ضربًا مبرحًا.

    وقد نصَّ العلماء على: أنَّ المفطِر عمدًا من غير عُذْر، مع اعترافِه بأنَّ الصومَ فرضٌ – حُكمُه: أن يُحبس حتى يتوب، ويظهر من آثار التوبة ما يُعرفُ عنه أنَّ توبته توبةٌ نصوح، ونصُّوا كذلك: على أنَّ المصرَّ على ترْك الصَّوْم يُقتل، وإن كان مَنَعَتُه[7] لا يُسلِمونه للحبس يُقاتَلون، كما في ترْك الصلاة، ولو أَكَل عمدًا شهرةً بلا عذر يُقتل.

    قال الشرنباليُّ: " إنْ تَعمَّد مَن لا عُذرَ له الأكلَ جِهارًا يُقتل؛ لأنَّه مستهزئ بالدِّين، أو مُنكِر لِمَا ثبت منه بالضرورة، ولا خلافَ في حِلِّ قتْله والأمر به"؛ كما جاء في "شرْح الدر" على المذهب الحنفيِّ.

    ويقول الصفوريُّ من الشافعيَّة: لو امتنع إنسانٌ من الصَّوْم لغير حاجة حُبِس، ومُنِع من المفطرات.

    وكان سعيد بن المسيِّب يُوجِب في قضاء رمضانَ صومَ شَهْر عن كلِّ يوم، ونُقِل عن الأوزاعيِّ: أنَّه يجب في قضاء رمضان ثلاثةُ آلاف يوم.

    وهذا كلُّه من التغليظ على مُنتهِك حُرمةِ هذا الشهر الكريم بلا مقتضٍ، وإلاَّ فالكفَّارة الشرعيَّة على مَن له عذر معروفة.

    والحقُّ أنَّه مع ضعْف الوازع الدِّينيِّ في العصور المتأخِّرة، ومجاهرة بعضِ الناس بالإفطار صَفاقةً ووقاحة، وهم الذين قال فيهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ أمَّتي معافًى إلاَّ المجاهِرين))، الحقُّ أنَّه مع ذلك لا يزال كثيرٌ من العامة يعدُّ الصيامَ أهمَّ فرائض الدِّين، فتراه يترك الصلاة كلها أو بعضها، أو يؤدِّيَها في غير وقتها، ولكنَّه لا يفرِّط في صيام رمضان!

    بل منهم من يَترُك نفسَه ترعى حيث تُحب، وترتع كما تشاء، حتى إذا بَزَغ هلالُ رمضان، انقلب من شيطان رجيم، إلى مَلَك كريم! وأقبل على العِبادة بنفس لوَّامة.

    والله المرجو أن يُديمَه على طريق الهداية والرَّشاد، فلا يعود إلى مآل لذَّاته، ومعاهدِ شهواته.

    ولا نزال نسمع في القُرى،وفي رمضانَ بعضَ الأحياء مِن المدن - صِبيانًا يُصيحون هذه الصيحةَ المدوية الزاجرة، التي تقرعُ أسماعَ المفطرِين بغير حق:

    [poem=font="Times New Roman,7,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.mwadah.com/mwaextraedit2/backgrounds/25.gif" border="double,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    يا فاطر رمضان=ياخاسر دينك
    كليتنا السودة=تقطع مصارينك
    [/poem]


    والحقُّ أيضًا: أنَّ صيام رمضان المفروض على المسلمين لا يُعدُّ صيامًا قاسيًا ولا ضارًّا، بل ولا يُوصَف بأنَّه شاقٌّ؛ لأنَّ المنَّان الرحمن لا يُكلِّف عبادَه ما لا يُطيقون.

    وقد دلَّت النظريات الطبيَّة على أنَّ الجوع الذي يحسُّ الصائمُ به إذا كان وقت طعامه المعتاد، إنَّما هو جوعٌ كاذب أو محتمل، سببُه العادة؛ لأنَّ المعدة ألِفتْ أن يُلقَى إليها بالطعام في هذا الوقت؛ ولهذا لا نسمع صوتَ المعدة، ولا نحسُّ وجودَها إذا احتضرَنا الهمُّ، أو شغلتْنا الشواغل، واضطرابنا في خِضَمِّ الحياة.

    وهناك ما هو أدلُّ على أنَّ جوع الصائم مَردُّه أكثر ما يُردُّ إلى حُكم العادة: أنَّنا لا نشعر بلذع الجوع إلاَّ في الأيَّام الأولى من رمضان، حتى إذا مضتْ منه أيَّام، مُرِّنَّا على الصَّوْم، وألِفْناه وحمدنا، وسكنَّا إليه، وأصبح هو القاعدةَ، فإذا ما قضَيْنا رمضان، وعُدْنا إلى عاداتنا المعهودة من قَبلُ، وجدْنا في أنفسنا انقباضًا عن الطعام والشراب، وأحسسْنا أنَّ الفطر ثقيلٌ ومتعب، ومُضيِّع للوقت.

    وأذكر أنَّني التقيتُ مَرَّة بالصَّدِيق التقي الوَرِع خادمِ القرآن، المرحوم الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي، فعرفتُ أنَّه يصوم صيامَ داود – عليه السلام – فقلتُ له: وهل تستطيع أن تقومَ بهذه الأعمال الفِكريَّة الشاقَّة مع هذا الصوم المتواصل؟!

    فكان جوابُه:لولاَ هذا الصيامُ لم أستطعْ أن أقومَ بأيِّ عمل، وإنَّ هذه الأعمال مِن ثمرات هذا الصيام.

    هذا هو الحقُّ لا شكَّ فيه، فليس لهؤلاء الشُّبَّان الأقوياء العتاة عُذرٌ في الإفطار، وحتى لو كان لبعضِهم عذر، لكان من الحياء والتذمُّم، والبعد عن الشبهات أن يعملوا بالأثر الشريف: ((إذا بُليتُم فاسْتَتروا)).

    والله وليُّ التوفيق، والهادي إلى أقوم طريق.


    ـــــــــــــــــ
    [1] أي: في أماكنها التي يُظنُّ وجودها فيها.
    [2] قال الأستاذ: الكُناسة: بضم الكاف: موضع بالكوفة.
    [3] قال الأستاذ: الأَلَيات: بفتح الهمزة واللام والياء، جمع أَلْيه – بفتح فسكون – وهو العَجيزة، أو ما حَمل العَجُز من لحم وشَحْم، ولا تقل: إِلية – بكسر الهمزة – ولا لية.
    [4] قال الأستاذ: الوَرْس: كوَرْد، نبات كالسِّمسم لا يُزرع إلاَّ باليمن، تصبغ به الثياب، ومنه ثوبِ مُوَرَّس – بالتشديد.
    [5] قال الأستاذ: الطَرْق - كفرق -: الوِقاع.
    [6] قال الأستاذ: الفَدْم: العيي عن الكلام في ثِقل ورخاوة، وقلَّة فَهْم، والأحمق الغليظ المجافي.
    [7] قال الأستاذ: مَنَعة الرجل – بفتح الميم والنون والعين -: عشيرتُه.

    شكرا لناقل المقالة الأستاذ على الجندي وجعلها الله في ميزان حسناته

     
  2. #2
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    51
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26549

    افتراضي رد: تأديب المفطرين

    شكرا لك أخى الفاضل على طرحك الهادف
    جزاك الله كل الخير

     
  3. #3
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    50
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7060

    افتراضي رد: تأديب المفطرين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صناع الحياة مشاهدة المشاركة
    شكرا لك أخى الفاضل على طرحك الهادف
    جزاك الله كل الخير
    [glow1=ff0033]
    أخي صناع الحياة كل إحترامي ومودتي لك على تواصلك
    [/glow1]

     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك