+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    50
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7060

    افتراضي الحـياء وجهاتُه

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحـياء وجهاتُه
    د. علي محمود عكام


    الحياء حُلَّة جمال، وحِلْية كمال، يُحْتَرم في عيون الناس صاحبُه، ويزداد قَدْره، ويَعْظُم جانبه، فإذا رأى ما يكره غضَّ عنه بصره، ما رأى خيرًا إلاَّ قَبِله وابتدَره، أو أبصَر شرًّا إلاَّ تحَاماه وهجَره، يتحاشى البغي والعدوان، ويحذر الفسوق والعِصيان، يخاطب الناس كأنَّه منهم في خجلٍ، ويتجنَّب محارم الله - عزَّ وجلَّ.

    فمَن لبِسَ ثوب الحياء، استوجَب من الخلق الثناء، ومالَتْ إليه القلوب، ونالَ كلَّ مرغوب، ومَن قلَّ حياؤه، قلَّ أحباؤه.

    ذاك هو أصل الحياء، وأخلق به أصلاً جامعًا مانعًا، ولا سيَّما وقد عدَّه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خُلق الإسلام الأنبل[1]، وعدَّه كذلك شُعبة من شُعَب الإيمان، بل خصَّه دون سائر الشُّعَب بجملة بيانيَّة مفردة؛ إعلاءً لشأنه، وتنويهًا بأصالته وخُطورته، فقال في الحديث الشهير: ((والحياء شُعْبة من الإيمان))[2]، وما زال يُشير إليه ويُشيد به، حتى قال ذات مرة وقد سُئِل: يا رسول الله، الحياء من الدين؟ فقال: ((بل هو الدين كله))[3]، ((فإذا رُفِع الحياء، رُفِع الدين))[4]، ومِنْ ثَمَّ كان الحياء كما الدين؛ ((لا يأتي إلا بخير))[5]، و((ما كان في شيءٍ قطُّ إلاَّ زانَه))[6]، ومن هنا سُمِّي المطر المغيث، وللخصب حياءً أو حَيا، فبه تَحيا الأرض اليباب، كما تحيا القلوب بخُلق الحياء:

    سَقَى الرَّحْمَنُ قَبْرَكَ غَيْثَ رُحْمٍ
    وَجَادَ أَدِيمَ مَثْوَاكَ الْحَيَاءُ
    سَقَى اللهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَرَاكَ
    حَيَاءَ السَّمَاءِ وَأَمْطَارَهَا


    والحياء المنشود في سياق التعايش الإنساني هو: انقباض النَّفْس عن القبائح، أو كفُّ الإنسان عن القبائح كافَّة؛ إن صونًا لمعنى إنسانيَّته، أو تحقُّقًا لمعنى عبوديَّته، وله ثلاثة حوافز، أو ثلاث شُعَب باعتبار الجهة المستحْيَى منها:

    1 - الشُّعبة الأولى: الحياء من الله:
    وحافزه مراقبة الله - جل شأنه - وتذاكُر قُدرته الغالبة، واستحضار آلائه السابغة، واستشعار التقصير والتفريط في جَنب تلك الآلاء العُظمى، مَهْمَا تعاظَم اجتهاد الإنسان، وسَمَا مقامُه، وكَثُر عطاؤه.

    وفي ذلك مَدْرأة لمسلك الكبر المهلِك، أو الصَّلف المقِيت، وخلْعٌ لإزار التعالي الذي لا ينبغي إلا لربِّ الناس، المتفرِّد بالإفضال والإمداد، فحَرِيٌّ بِمَن عداه إذًا أن ((يستحيي منه حقَّ الحياء))[7].

    2 - الشعبة الثانية: الحياء من الناس جماعة وأفرادًا:
    وحافزه قوَّة معنى الإنسانيَّة في الإنسان، إذ يستشعر استواءَه وسائر الناس في حقِّ الوجود، وتُشاركه وإيَّاهم في تعاطي أسباب الحياة، وأنَّ التفاضل بينهم ما هو إلا تفاضُل وظيفي لا قِيمي، قائم على سُنَّة التسخير واحتياج الناس بعضهم بعضًا؛ ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ [الزخرف: 32][8].

    وفي ذلك مَدْرَأة لمسلك البخس المطغي؛ لكيلا يكون الفضل والتحضُّر دُولَة بين مجتمعات بعينها من الإنسانيَّة العامة، ولئلا ينقص إنسان حقًّا؛ معنويًّا كان أو ماديًّا؛ ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ [الأعراف: 85].

    3 - الشعبة الثالثة: الحياء من النفس:
    وحافزه لحظُ جانب القصور والمحدوديَّة في كلِّ ما يأتيه الإنسان أو يُؤْتَيَه[9]، مثل:
    استذكار الجزئية اليسيرة التي يَشغلها الإنسان ضمن كليَّة الوجود؛ ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37].

    أو إدْراك موقوتيَّة المدة التي يَحياها الإنسان من عُمر التاريخ؛ ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26].

    أو وعْي النسبيَّة[10] التي طُبِعتْ بها علومه ومعارفه، واستصغار ذلك كلِّه واستقلاله بجانب جلال كلمة "الحقيقة المطلقة"؛ ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].

    وفي ذلك مَدْرَأة لمسلك العجب المعمِي والمصم[11]؛ إذ ليس يغني الرأي أو الجهد الغرور - مَهْمَا بلغا - عن الإنسان المعجب بهما شيئًا، بل يغدو كالمسابق ظله، لا يَلبث أن يَضيق بذات نفسه، حائرًا ضَجِرًا؛ ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25]، ثم لا ينتهي العجب بصاحبه؛ حتى يَسُدَّ دونه منافذَ الحياة[12]، ويَحجب عنه آفاق التعارُف بكلِّ ما يُمكن أن تعود به على حضارة الإنسان من تآلُف ورُقِي، إلى أن يَرميه بوباء التحزُّب والتنافُر؛ ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 53].

    [1] وفي الحديث: ((إنَّ لكل دين خُلقًا، وخُلق الإسلام الحياء))؛ أخرجه مالك في الموطَّأ (1610)، وابن ماجه (4181)، وغيرهما.
    [2] أخرجه البخاري (9)، ومسلم (35)، والحياء كما قيل: خُلق يحمل على تجنُّب القبيح، وترْك التقصير في أداء الحقوق، يُقال: حيي، فهو حيي وحي، واستحيا، فهو مستحيٍ، واستحى فهو مستحٍ، ومنه قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا ﴾ [البقرة: 26]، وقُرِئ في الشاذ: ﴿ لا يستحي ﴾، ويستحيي وزنه "يستفعل"، ولَم يُستعمل منه فعل بغير السين، وليس معناه الاستدعاء، وعينه ولامه ياءان، وأصله الحياء، وهمزة الحياء بدل من الياء؛ انظر: البيان؛ للعكبري، (1/42)، وشرْح النووي على مسلم، (2/6)، وللتوسُّع انظر: مدارج السالكين؛ لابن القَيِّم، (1/137) فما بعدها، والحق الإسلامي؛ د. طه عبدالرحمن، ص (155) فما بعدها .
    [3] أخرجه البيهقي في الكبرى (20597)، وفي الشُّعَب (7711)، والطبراني في الكبير (63)، وأبو نُعَيم في الحِلية، (3/125).
    [4] في حديث الحاكم (58)، وابن أبي شيبة (25350)، وغيرهما: ((الحياء والإيمان قُرِنا جميعًا، فإذا رُفِع أحدهما، رُفِع الآخر))، وفي حديث البيهقي في الشُّعَب (5276): ((أوَّل ما يُرْفَع من هذه الأمة الحياء والأمانة، فسلوهما الله - تعالى)).
    [5] أخرجه البخاري (5766)، ومسلم (37)، وفي رواية لمسلم: ((الحياء خيرٌ كله)).
    [6] أخرجه الترمذي (1974)، وابن ماجه (4185)، وفي الحديث الشهير: ((إنَّ مما أدرَك الناس من كلام النبوَّة الأولى إذا لَم تستحِ، فاصنعْ ما شئتَ))؛ أخرجه البخاري (5769).
    [7] جاء في الحديث: ((استحيوا من الله حقَّ الحياء))؛ أخرجه الترمذي (2458)، وأحمد (3671)، وابن أبي شيبة في المصنف (24320)، وغيرهم.
    [8] هذا التسخُّر الذي قضاه الله بين البشر لا يتعاطَى إلاَّ بلسان الاحترام والتقدير، ومن أمارات ذلك أنَّ لفظ: "سخريًّا" في هذه الآية دون موضِعَيه الآخرَيْن من القرآن "المؤمنون:110، وص:63"، هو الوحيد الذي لَم يُقْرَأ إلاَّ على الضمِّ دون الكسر، خلا قراءة شاذة لابن مُحَيْصن لا يُعْتَدُّ بها؛ تحذيرًا من معاني الهُزْء والامتهان، ورفعًا لها من علائق البشر؛ انظر: "إتحاف فضلاء البشر"، ص (495).
    [9] - يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "مسكين ابن آدم؛ مكتوم الأجل، مكنون العِلل، محفوظ العمل، تؤلِمه البقة، وتَقتله الشرقة، وتُنتنه العرقة"؛ نهج البلاغة، باب الحِكم (419).
    [10] - (Relativity of Knowledge)، وهل ثمة ما يدلُّ على هذه النسبية أبلغ من مثل حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة))؛ أخرجه البخاري (2742)، ومسلم (112)؟
    [11] - العجب كالكِبر في استعظام الإنسان ذاته أو جُهده، بيد أنَّ الثاني فيه استحقار لذات الآخر وجهده، وليس في العجب مثل ذلك، أمَّا نعته بالمعمي والمصم، فلحديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حبُّك الشيء يعمي ويصم))؛ أخرجه أبو داود ( 5130)، وأحمد (21740)، وغيرهما.
    [12] - يقول ابن القَيِّم في مدارج السالكين (2/259): "وعلى حسب حياة القلب، يكون فيه قوَّة خُلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والرُّوح، فكلما كان القلب أحيا، كان الحياء أتمَّ".

     
  2. #2
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    51
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26549

    افتراضي رد: الحـياء وجهاتُه


     
  3. #3
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    50
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7060

    افتراضي رد: الحـياء وجهاتُه

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صناع الحياة مشاهدة المشاركة
    شكرا لمرورك العطر على مشاركتي أخي الفاضل صناع الحياة

     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك