ترانزيت !!
أقبل نحوه و في عينيه لهفة للقاه ومكث صامتا.لم يعد يهتم بالأمر.الكثير من أصدقائه القدامى يؤكد كل منهم أنه رآها في بلد ما ترى أين هي.سنون طوال تمضى به.تمنى لو لقيها.تركته وفرت بعيدا بولده.لا تريد أن تراه عيون تبهر بنجاح حققه ولكنه صامت حزين لا يرى فيما جد على حياته أمرا جللا أو شيئا خارقا.تمنى لو أنسته أمواله وأعماله ولده الذي فرت به.
- رأيتها صدقني !!
صمت دون أن يجبه.استرسل في ذكرياته.الشيب خط فودية وبدأ يتوغل في رأسه.أشعل سيجاره وهو ينظر من الشرفة إلي العربات التي تعدو بصريرها المزعج.
- بل أعطتني رسالة لك .
التفت إليه ذاهلا.أحقا ما سمعه.رسالة منها.أين هي؟واندفع نحوه فأخرج الرسالة سريعا وفضها على عجلة من أمره وزادت دقات قلبه.سيأتي ولده ليمكث في المطار ساعة أو أكثر وعليه أن يراه.لينتظره.وانكب على مقعده وأمسك برأسه وقد شعر بدوار مباغت ولكنه نظر للرسالة وقرأها مرة وأخرى,ولده قادم ليراه.لكنها لم تعرفه بولده.لم تبعث له بصورته. كل ما أخبرته به أن ينتظر ولده بعد ثلاثة أيام على الطائرة القادمة من باريس وهو سيعرفه.
- لماذا لم تتزوج بعدها ؟!
- أتزوج ؟.
- أجل .
باغته السؤال.لم يسأله لنفسه من قبل.حقا لم لم يفعلها وقد عاد من سفره ليجدها تركت له الرسالة التي لا يزال يحتفظ بها بأنها أخذت ولده وفرت به بعدما ضجرت حياته وفقره ولن يراها أو يرى ولده.وحصلت على الطلاق.يحب ولده الذي لم يره إلا شهورا.كان يروق له صراخه بالليل الذي لا يزال يدوي في أذنيه.بحث عنها كثيرا ولم يجدها .
- وكيف حالها ؟
- لازالت كما هي .
- جميلة
- باهرة.
- ألم تراه ؟
- كلا .
مر الوقت.ذهب للمطار.رؤى كثيرة تؤرقه وهو يحاول تخيل ملامح ولده وماذا أصبح.يحاول أن يربط خيطا مقاربا لوجهه.دقات قلبه تعلو.أين هو يد تمتد نحو كتفه.يلتفت ويقوم.ينظر إليه وإليها .
- إنه أنا .
- أنت ؟
حاول أن يضمه لصدره لكنه أبى .
- أتأبى ؟؟
- لا أريد .
- لا تريد !!
- لم أرك إلا هذه المرة ولن أراك ثانية.يشغلني عملي وهي تشغلني أكثر من عملي.لا يربطني بك سوى اسمي الذي أصرت أمي أن أحتفظ به وكنت قادما لهنا لأرى وطن تدعي أمي أنه أجمل مكان في الدنيا ولكني لا أراه كذلك وسأعود في الطائرة القادمة.
- ولكنك ولدي.
- هذا ما لا أملك فيه أمرا ولكني أملك حريتي.
- أنت ابن أمك
- كلنا يولد وله أم وله أب لكن يجب أن يستقل كل منا بحياته .
- وأموالي لمن أتركها ؟
- لي بالطبع .
- رغم ما تقوله ؟
- رغم ما أقوله.لا أريد أن أراك قط.حياتي أحبها كما هي.كيف تطلب مني أن أحبك رغم أني لم أرك إلا تلك اللحظة وكيف تطلب مني أن أرتمي في صدرك و ليست هناك عاطفة تربطني بك وكيف تطلب مني البقاء إلي جوارك ولا شيء يجمعنا أنت لم تبحث عنى .
- لم أبحث عنك.بحثت عنك طويلا أنت وهي وكلما أمسكت بطرف خيط تبتعد بك إلي مكان آخر والآن تتهمني أني لم أبحث عنك ؟
- جئت لأرى أبي مرة وحيدة وأخيرة .
- وأخيرة !!
- لي حياتي التي أحبها ولن أتنازل عنها.
- لا تخل بحياتك ولا تخرج من حياتي .
- كلانا في طريق مواز للآخر .
- أهكذا إذن ؟
- موعد طائرتي .
ولى بعيدا عنه وهي تتأبط ذراعه وابتعد بناظريه عنه إلي الطائرة ومكث ينظر إليها وهي تبتعد به.عاد لبيته.ولده الوحيد لا يعرفه.السنون أضاعت حنانا ولهفة وشوقا أبى ولده الوحيد أن يعطيهم له !!
أمه مردته على الأسى.وأغلق عينيه واستسلم للأسى وهو يذكر اللحظات التي مكث فيها ولده لجواره.كان يستريح من مشقة سفر طويل.
فقط !!
حمادة البيلي
مواقع النشر (المفضلة)