أضـرار الـشـدة عـلـى الـمـتـعـلـمـيـن:
--------------------------------------------------------------------------------
يـعـقـد ابـن خـلـدون فـي مـقـدمـتـه، فـصـلا كـامـلا يـبـيـن فـيـه الأسُــسَ الـتـي يـنـبـغـي أن تـقـوم
عـلـيـهـا عـلاقـة الـمـعـلـم بـالـمـتـعـلـم،، فـهـي عـلاقـة تـشـتـمـل مـن جـهـة طـبـيـعـة الـطـفـل المرنة
اللـيـنـة ذات الـنـوازع الـطـيـبـة،، وتـشـمـل مـن جـهـة أخـرى الـشـدة والـعـنـف، ومـا قـد يـتـرتـب عـن
ذلـك مـن أضـرار عـلـى نـفـسـيـة الـطـفـل وجـسـمـه وشـخـصـيـتـه؛ بـحـث قـد تـتـسـع آثـاره لـتـمـتـدَّ
إلـى الـمـجـتـمـع كـكـل،، ذلـك [ أن إرهـاف الـحـد بـالـتـعـلـيـم مـضـر بـالـمـتـعـلـم، سـيـمـا فـــــــي
أصـاغـر الـوُ لْــد، لأنـه مـن سـوء الــمَـلـَـكَــة، ومـن كـان مُـرَ بَّــاهُ بـالـعـسـف والـقـهـر مـن المتعلمين
أو الـمـمـالـيـك أو الـخـدم، سَــطـَـا بـه الـقـهـر، وضـيَّـق عـن الـنـفـس فـي انـبـسـاطـهـا، وذهــــــــب
بـنـشـاطـهــا، ودعــا إلــى الـكــســل، وعـمــل عـلـى الـكـذب والـخـبـث،، وهـو الـتـظـاهـر بـغـيـــر
مــا فـي ضـمـيـره، خـوفـاً مـن انـبـسـاط الأيـدي عـلـيـه بـالـقـهـر، وعــلـمـه الـمـكـر والـخـديـعــــة
لـذلــك،، وصـارت لـه هـذه عـادة وخـلـقـاً ]،، وبـعـد تـحـلـيـلـه لـمـضـار الـشـدة والـقـسـوة عــلــــى
الـمـتـعـلـمـيـن،،، وآثـار ذلـك عـلـى الـمـسـتـوى الـفـردي... وبـعـد تـبـيـانـه لِـمَـا يـمـكـن أن يـنـشـأ
عـن ذلـك عـلـى الـمـسـتـوى الـسـلـوكـي أو الأخـلاقـي أو الاجـتـمـاعـي مـن نـشـاط الأفـراد، يـتـطرق
ابـن خـلـدون إلـى الـحـديـث عـن نـتـائـج هـذه الـتـربـيـة الـتـعـسـفـيـة الـمـبـنـيـة عـلـى الـقـسـوة فيرى
أنـهـا تـؤدي إلـى إفـسـاد الـمـعـانـي الانـسـانـيـة الـتـي لـلــصـبـي، [ مـن حـيـث الاجـتـمـاعُ والـتـمـرنُ
وهـي الـحَـمِـيَّـةُ والـمـدافـعـةُ عـن نـفـسـه ومـنـزلـه..] مـمـا يـجـعـل الـفـرد عـيـالاً عـلـى غـيـره،،،،،
لا يـسـتـطـيـع الاعـتـمـاد عـلـى نـفـسـه،، وبـذلـك يـنـتـفـي الـغـرض الـذي نـتـوخـاه مـن الـتـربـيــة،
ذلـك الـغـرض الـذي يـتـمـثـل فـي الاهـتـمـام بـتـوجـيـه سـلـوك الـفـرد لـمـواجـهـة الـحـيـاة،، حـتــى
يـكـون عـضـواً بَـنَّـاءً ومـنـتـجـاً فـي مـجـتـمـعـه.. إن هـذا الـغـرضَ يَـخْـبُـو بـفـعـل الـقـسـوة والـشـدة
فـي الـتـربـيـة، حـيـث تـشـل نـفـس الـطـفـل عـن اكـتـسـاب الـفـضـائـل والأخـلاق الـطـيـبـة،،، وبـذلــك
تـنـقـبـض عـن غـايـتـهـا ومـدى إنـسـانِـيَّـتِـهـا ،، ويُـصـيـبـهـا الارتـكـاس...
ويـمـضـي مُـتَّـبِـعـاً مـنـهـجَـه فـي الـبـحـث والـتـقـصِّـي، وهـوكـمـؤرخ، يـسـتـمـد حُـجَـجَـهُ مـمـا
تُـؤَ يِّـدُهُ أحـوالُ الاجـتـمـاعِ والـتـاريـخ، فـيـقـول: [ ..... وهـكـذا وَقَـعَ لـكـل أُمَّـةٍ حـصـلـت فـي قـبـضـة
الـقـهـر، ونـالَ مـنـهـا الـعـسـف، واعْـتَـبِـرْ هُ فـي كـل مَـن يَـمـلِـكُ أمـرَه عـلـيـه،، ولا تـكـون الـمَـلَـكَـةُ
كـافـيـة ً رفـيـقــة ً بـه،، ونـجـدُ ذلـك فـيـهـمُ اسـتـقـراءً،، وانـْظـُرْ هُ فـي الـيـهـود ومـا حـصـل فـيـهـم
مـن خُـلُـقِ الـسُّـــوء ].... ويـنـتـهـي بـعـد ذلـك إلـى إسـداء الـنُّـصْـحِ لـلـمـربـيـن، آبـاءٍ ومـعـلـمـيـن؛عليهم
أن يـتـجـنـبـوا الـقـسـوةَ والاسـتـبـدادَ فـي تـأديـب أطـفـالـهـم، عـلـى أن ذلـك لا يـعـنـي بـالـنـسـبـة لابـن
خـلـدون، تَـرْ كَ الـحـبـلِ عـلـى الـغـارب،، وفـي ذلـك يـدعـم رأيـه بـمـا ورد فـي كـتـاب { فـي حُـكْـم
الـمـعـلـمـيـن والـمـتـعـلـمـيـن/ لـصـاحـبـه مـحـمـد بـن أبـي زيـدٍ ] حـيـث يـقـول فـيـه: [ لا يـنـبـغـي
لـمـؤدب أن يـزيـد فـي ضـربـهـم، إذا احـتـاجـوا إلـيـه عـلـى ثـلاثِ أسْـواطٍ ].
اسـتـخـلاص:إن الـنَّـسَـقَ الـتـربـويَّ الـخـلـدونـيَّ بُـنِـيَ عـلـى أسـسٍ مُـعَـيَّـنٍ
للـطـفـل، وهـو تَـصَـوُّ رُ ُ يـعـنـي أن الـطـفـل ذا نـفـس سـاذجـةٍ ،فـطـريـةٍ، ولـذلـك فـهـي تـنـشـأ
حـسـب الـصـورة الـتـي نُـقِـشَـتْ عـلـيـهـا وقـبـلـتـهـا، بـحـيـث إذا كـانـت الـصـورة الأولـى صـورةً
ديـنـيـةً سـامـيـة الأخـلاق، شـبَّ الـطـفـل عـلـى ذلـك.. والـتـربـيـةُ الـحـديـثـةُ الـيـومَ، تـرى بـخـلافِ ذلـك
أن الـطـفـل لـيـس ذا طـبـيـعـةٍ خَـيِّـرَةٍ ولا شـريـرة،، وإنـمـا لـدَيْـهِ قـابـلـيـاتُ ُ واسـتـعـداداتُ ُ تـعـمـــل
الـتـربـيـةُ عـلـى تـنـمـيـتـهـا وتـعـهـدهـا بـالـعـنـايـة والـتـوجـه الـسـلـيـم حـتـى يـصـيـرَ عُـضـواً نـافـعـا
لـنـفـسـه ولـمـجـتـمـعـه،، وهـذا مـصـدرُ اتـفـاقـهـا مـع ابـن خـلـدون فـي مـسـألـة رَ فـْض الـشـدة عـلـى
الـمـتـعـلـمـيـن، لِـمَـا يـلـحـقـهـم بـذلـك مـن أضـرار تـنـعـكـسُ عـلـى مـسـتـوى نـمـوهـم الـنـفـســــي،،
وعـــــلـــــى مــــســـتـــــوى نـــمــــوهـــــم الـــمـــعـــرفـــــ ــي
مـنـقـول للإفـادة،،،،
مواقع النشر (المفضلة)