يا قدس
للشاعر / عبد الرحمن العشماوى
[poem=font="Times New Roman,6,purple,bold,norma l" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.mwadah.com/mwaextraedit2/backgrounds/15.gif" border="groove,4,deeppink " type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
ما كلُّ مَنْ نطقوا الحروفَ أبانوا =فلقد يَذوبُ بما يقولُ لسانُ
لغة الوفاءِ شريفةٌ كلماتُها =فيها عن الحبِّ الأصيلِ بَيانُ
يسمو بها صدقُ الشعور إلى الذُّرا =ويزُفُّ عِطْرَ حروفها الوجدانُ
لغةٌ تَرَقْرَقَ في النفوس جمالُها =وتألَّقتْ بجلالها الأَذهانُ
يجري بها شعري إليكم مثلما =يجري إلى المتفضِّل العِرْفانُ
لغةُ الوفاء، ومَنْ يجيد حروفَها =إلا الخبير الحاذق الفنَّانُ؟
أرسلتُها شعراً يُحاط بموكبٍ =من لهفتي، وتزفُّه الألحانُ
ويزفُّه صدقُ الشعور وإِنَّما =بالصدق يرفع نفسَه الإِنسانُ
أرسلتُ شعري والسَّفينةُ لم تزلْ =في البحر ، حار بأمرها الرُّبَّانُ
والقدس أرملةٌ يلفِّعها الأسى =وتُميت بهجةَ قلبها الأحزانُ
شلاَّلُ أَدْمُعِها على دفَقاته =ثار البخار فغامت الأَجفانُ
حسناءُ صبَّحها العدوُّ بمدفعٍ =تَهوي على طلقاته الأركانُ
أَدْمَى مَحاجرها الرَّصاص ولم تزلْ =شمَّاءَ ضاق بصبرها العُدوانُ
ألْقَى إليها السَّامريُّ بعجله =وبذاتِ أَنواطٍ زَهَا الشَّيْطَانُ
نَسي المكابرُ أنَّ عِجْلَ ضلالِه =سيذوب حين َتَمسه النيرانُ
حسناءُ، داهمَها الشِّتاءُ، ودارُها =مهدومةٌ، ورضيعُها عُريانُ
وضَجيج غاراتِ العدوِّ يَزيدها =فَزَعاً تَضَاعف عنده الَخَفقانُ
بالأمسِ ودَّعها ابنُها وحَليلُها =وابنُ اْختها وصديقُه حسَّانُ
واليوم صبَّحتِ المدافعُ حَيَّها =بلهيبها، فتفرَّق الجيرانُ
باتت بلا زوجٍ ولا ابن ولا =جارٍ يَصون جوارَها ويُصَانُ
يا ويحَها مَلَكتْ كنوزاً جَمَّة =وتَبيت يعصر قلبَها الِحرْمانُ
تَستطعم الجارَ الفقيرَ عشاءَها =ومتى سيُطعم غيرَه الُجوْعَانُ
صارتْ محطَّمةَ الرَّجاء، وإنَّما =برجائه يتقوَّت الإِنسانُ
يا قدسُ يا حسناءُ طال فراقُنا =وتلاعبتْ بقلوبنا الأَشجانُ
من أين نأتي، والحواجزُ بيننا =ضَعْفٌ وفُرْقَةُ أُمَّةٍ وهَوانُ؟
من أين نأتي، والعدوُّ بخيله =وبرَجْلهِ، متحفِّزٌ يَقْظَانُ؟
ويَدُ العُروبةِ رَجْفَةٌ ممدودةٌ =للمعتدي وإشارةٌ وبَنانُ؟
ودُعاةُ كلِّ تقُّدمٍ قد أصبحوا =متأخرين، ثيابُهم أَدْرَانُ
متحدِّثون يُثَرْثِرُون أشدُّهم =وعياً صريعٌ للهوى حَيْرانُ
رفعوا شعارَ تقدُّمٍ، ودليلُهم =لِينينُ أو مِيشيلُ أو كاهانُ
ومن التقدُّم ما يكون تخلُّفاً =لمَّا يكون شعارَه العصيانُ
أين الذين تلثَّموا بوعودهم =أين الذين تودَّدوا وأَلانوا؟
لما تزاحمت الحوائجُ أصبحوا =كرؤى السَّراب تضمّها القيعانُ
كرؤى السَّرابِ، فما يؤمِّل تائهٌ =منها، وماذا يطلب الظمآنُ؟
يا قدس، وانتفض الخليلُ وغَزَّةٌ =والضّفتان وتاقت الجولانُ
وتلفَّت الأقصى، وفي نظراته =أَلَمٌ وفي ساحاته غَلَيانُ
يا قُدس، وانبهر النِّداءُ ولم يزلْ =للجرح فيها جَذْوةٌ ودُخانُ
يا قدس، وانكسرتْ على أهدابها =نَظَراتُها وتراخت الأَجفانُ
يا قُُدْسُ، وانحسر اللِّثام فلاحَ لي =قمرٌ يدنِّس وجهَه استيطانُ
ورأيتُ طوفانَ الأسى يجتاحُها =ولقد يكون من الأسى الطوفانُ
كادت تفارق مَنْ تحبُّ ويختفي =عن ناظريها العطف والتَّحنانُ
لولا نَسائمُ من عطاءِ أحبَّةٍ =رسموا الوفاءَ ببذلهم وأعانوا
سَعِدَتْ بما بذلوا، وفوقَ لسانها =نَبَتَ الدُّعاءُ وأَوْرَقَ الشُّكرانُ
لكأنني بالقدس تسأل نفسَها =من أين هذا الهاطلُ الَهتَّانُ؟
من أين هذا البذلُ، ما هذا النَّدى =يَهمي عليَّ، ومَنْ هُم الأَعوانُ؟
هذا سؤال القدس وهي جريحةٌ =تشكو، فكيف نُجيب يا سَلْمانُ؟
ستقول، أو سأقول، ما هذا الندى =إلاَّ عطاءٌ ساقه المَنَّانُ
هذا النَّدى، بَذْلُ الذين قلوبُهم =بوفائها وحنانها تَزْدَانُ
أبناءُ هذي الأرض فيها أَشرقتْ =حِقَبُ الزمان، وأُنزِل القرآنُ
صنعوا وشاح المجد من إِيمانهم =نعم الوشاحُ ونِعْمَتِ الأَلوانُ
وتشرَّف التاريخ حين سَمَتْ به =أخبارُهم، وتوالت الأَزمانُ
في أرضنا للناس أكبرُ شاهدٍ =دينٌ ودنيا، نعمةٌ وأَمانُ
هي دوحةُ ضَمَّ الحجازُ جذورَها =ومن الرياض امتدَّت الأَغصانُ
الأصل مكةُ، والمهاجَرُ طَيْبةٌ =والقدسُ رَوْضُ عَراقةٍ فَيْنَانُ
شيمُ العروبة تلتقي بعقيدةٍ =فيفيض منها البَذْلُ والإحسانُ
للقدس عُمْقٌ في مشاعر أرضنا =شهدتْ به الآكامُ والكُثْبانُ
شهدت به آثارُ هاجرَ حينما =أصغتْ لصوت رضيعها الوُديانُ
شهدت به البطحاء وهي ترى الثرى =يهتزُّ حتى سالت الخُلجانُ
ودعاءُ إبراهيمَ ينشر عطره =في الخافقين، وقلبُه اطمئنان
هذي الوشائج بين مهبط وحينا =والمسجد الأقصى هي العنوانُ
هو قِبلةٌ أُولى لأمتنا التي =خُتمت بدين نبيِّها الأديانُ
أوَ لَمْ يقل عبدالعزيز وقد رأى =كيف الْتقى الأحبار والرُّهبانُ
وأقام بلْفُورُ الهياكلَ كلَّها =للغاصبين وزمجر البُركان
وتنمَّر الباغي وفي أعماقه =حقدٌ، له في صدره هَيجَانُ
وتقاطرتْ من كلِّ صَوْبٍ أنْفُسٌ =منها يفوح البَغْيُ والطغيانُ
وفدوا إلى القدس الشريف، شعارهم =طَرْدُ الأصيل لتخلوَ الأوطانُ
وفد اليهود أمامهم أحقادهم =ووراءهم تتحفَّرُ الصُّلبان
أوَ لم يقل عبدالعزيز ، وذهنُه =متوقدٌ، ولرأيه رُجْحَانُ
وحُسام توحيد الجزيرة لم يزلْ =رَطْباً، يفوح بمسكه الميدانُ
في حينها نَفضَ الغُبارَ وسجَّلَتْ =عَزَماتِه الدَّهناءُ والصُّمَّانُ
أوَ لم يَقُلْ، وهو الخبيرُ وإِنما =بالخبرةِ العُظْمى يقوم كيانُُ
مُدُّوا يدَ البَذْلِ الصحيحةَ وادعموا =شعبَ الإِباءَ فإنهم فُرْسَانُ
شَعْبٌ، فلسطينُ العزيزةُ أَنبتتْ =فيه الإباءَ فلم يُصبْه هَوانُ
شَعْبٌ إذا ذُكر الفداءُ بَدا له =عَزْمٌ ورأيٌ ثاقبٌ وسنانُ
شعبٌ إذا اشتدَّتْ عليه مُصيبةٌ =فالخاسرانِ اليأسُ والُخذلاُن
لا تُخرجوهم من مَكامنِ أرضهم =فخروجُهم من أرضهم خُسران
هي حكمةٌ بدويَّة ما أدركتْ =أَبعادَها في حينها الأَذهانُ
يا قُدْسُ لا تَأْسَي ففي أجفاننا =ظلُّ الحبيبِ، وفي القلوبِ جِنانُ
مَنْ يخدم الحرمين يأَنَفُ أنْ يرى =أقصاكِ في صَلَفِ اليَهودِ يُهانُ
يا قُدسُ صبراً فانتصاركِ قادمٌ =واللِّصُّ يا بَلَدَ الفداءِ جَبَانُ
حَجَرُ الصغير رسالةٌ نُقِلَتْ على =ثغر الشُّموخ فأصغت الأكوانُ
ياقدسُ، وانبثق الضياء وغرَّدتْ =أَطيارُها وتأنَّقَ البستانُ
يا قدس، والتفتتْ إِليَّ وأقسمتْ =وبربنا لا تحنَثُ الأَيمانُ
واللّهِ لن يجتازَ بي بحرَ الأسى =إلاَّ قلوبٌ زادُها القرآنُ
[/poem]
مواقع النشر (المفضلة)