قالت وهي تتميز من الغيظ: إنَّها امرأة مغفلة، هذا رأيي فيها، بل أقلّ ما يُقال: مغفلة.
ابتسمتُ مصدومة، كيف تكون هذه المرأة بالذات مغفلة؟! إنَّها رمز الإخلاص والوفاء!
همست متسائلة وأنا أتحسس بصيص كلماتي في ظلمات الصدمة: كيف مغفلة؟
قالت في غضب: نعم مغفلة، لقد طلَّقها، وتزوج غيرها لَمَّا رأى من الأخرى ما أعجبه،لم يكلف نفسه حتى أن يَجمع بينها وبين الأخرى، خائن بغيض، وزوجها الثاني يُحسن إليها، ويُعطيها من "وسع"، وهي تؤكد أنَّه ما بلغ أصغرَ آنِيَةِ أبي زرع الخائن، تتغزَّل في محاسنه وقد ألقى بها عند أوَّل بادرة... مغفلة.
في الواقع أربكني منطقها جدًّا.
أم زرع مغفلة، أبو زرع خائن، لم نسمعها من قبل!
لكني قلت مرتجلة: لكنها حفظت جميلَ العيش معه، أعند أوَّل بادرة خطأ من الإنسان ننسى جميلَ فعله ونبغضه؟!
هتفتْ في غيظ لم أره منها من قبل: أيُّ جميل؟! والله أنا أتعجب من هذا أبي الزَّرع الذي يعطي زوجته هذا العطاء الواسع ثم يطلقها، ولماذا؟ لأنَّه رأى امرأةً غيرها فأعجبته، أيُّ خيانة أعظم من هذه؟! ثم كيف اجتمعَ عطاؤه مع خيانته، ألقى بها في الشارع؛ لأنه رأى من غيرها ما أعجبه، "طيب"، لماذا لم يتزوَّج الأخرى ويَحتفظ بها، ولو من باب المحبة، من باب الوفاء، من باب أي شيء؟! ثم تظل المغفلة تذكره هيامًا وتعدِّد محاسنه، ليتها سكتت.
قلت - وأنا أغرق في لجج العرق والحيرة -: لعلها أحبته.
قالت: أحبته! لو كنت مكانها لأبغضته.
ثم هدأت قليلاً، وقالت: قطعًا هي تحمد على الوفاء، وذكرها للجميل من فعال زوجها بعد قُبح فعله وخيانته، وفي الواقع ليس ما يَغيظني أنَّها عددت محاسنه فقط، بل ما يقتلني غيظًا وكمدًا أنَّها عددت محاسنه وهي زوجة رجل آخر، بل قارنت بينهما، ورجحت كِفَّته، رغم إعراضه عنها وخيانته لها.
قلت مفكرة: لعل هذا بسبب أنَّ الثاني كان من أهل الخيل والخيلاء، أو لعلنا...
قالت في ضجر: لا تبحثي عن العلة في تفضيلها الخائن على الثاني، فإنَّني أعرفها جيدًا.
قلت في فضول: وما هي؟
قالت وهي تبتسِم في سُخرية مريرة: "وبَجَّحَنِي فبَجِحَتْ إليَّ نفسي"، طبعًا، كان يحنو عليها حنانًا فائقًا، ويُدلِّلُها، ويتخير لها أحسنَ الكلمات بجانب إحسانه العملي، هذا هو السبب الوحيد الذي يَجعل المرأةَ لا تنسى الإحسان أبدًا، وتغفر كلَّ إساءة وكلَّ عيب، مهما بلغ، وتَهيمُ بزوجها حبًّا، وتظل تذكر كل محاسنه حتى الممات.
سكتت لحظة ثم اندفعت في غيظ: لكنَّها مُغفلة!
سارة محمد حسن
مواقع النشر (المفضلة)