قال الله تعالى :
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (سـورة البقـرة:110)
مكانة الزكاة في الإسلام
تعاريف: الزكاة لغةً النمو والزيادة، يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد، وتطلق أيضاً على المدح وعلى الصلاح، كما فيقوله تعالى:
{ فلا تزكوا أنفسكم } [ سورة النجم: الآية 32 ].
يقال زكى القاضي الشهود، إذا بين زيادتهم في الخير، وتتمثل هذه المعاني فيقوله تعالى:
{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [ سورة التوبة: الآية 103 ].
فهي تطهر مؤديها من الإثم وتنمي أجره ….
الزكاة شرعاً :
حقٌ يجب في المال ،و قد أطلقها الفقهاء على نفس فعل الإيتاء _أي أداء الحق الواجب في المال. كما أطلقت على الجزء المقدر من المال الذي فرضه الله حقاً للفقراء. وتسمى الزكاة " صدقة " لدلالتها على صدق العبد في العبودية وطاعة الله تعالى
أهمية الزكاة في التشريع الإسلامي:
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة. فرضت في المدينة في السنة الثانية من الهجرة. ولأهميتها فقد قرنها المولى سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مع الصلاة في اثنين وثمانين موضعاً، مما يدل على كمال الاتصال بينهما.
قال تعالى: { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } [سورة الحج: الآية 41 ].
و قال تعالى: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } [ سورة النور: الآية 56 ].
و تؤكد السنة النبوية فريضة الزكاة وكونها من الأسس التي لا يقوم الإسلام بدونها. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بني الإسلام على خمس …….. وعدَّ منها: وإيتاء الزكاة " [ متفق عليه ]. وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن أوصاه قائلاً: " أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " [رواه الجماعة عن ابن عباس ]. ومن أهمية أداء هذه الفريضة إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على قتال مانعيها، فمن أنكر فريضتها كفر وارتدّ والعياذ بالله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق قال حين استخلف: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها _ وفي رواية " عقالاً " _ [ رواه البخاري ومسلم والموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي، والعناق والعقال الأنثى من الماعز ].
و لا يظنن أحد أن الفرد _ في دولة الإسلام _ حُرً في دفع الزكاة أو عدم دفعها، فالشارع يجبر ولي الأمر أخذها من مانعيها مع التغريم المالي قهراً عنهم.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أعطى زكاة ماله مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنّا آخذوها وشطر ماله عَزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد منها شيء " [رواه أبو داود والنسائي عن معاذ، ورواه أحمد في مستنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وإسناده حسن ]. هذا عدا العقاب الأخروي الذي توعد به الشارع مانع الزكاة.
قال تعالى: { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } [ سورة التوبة: الآيات 33 – 34 ].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقاً إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كل ما ردت إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " [ رواه البخاري ومسلم ].
و عن أبي هريرة أياً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مُثِل له _ ماله _ شجعاً أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بهلمزتيه _ يعني شدقيه _ ثم يقول أنا مالك أنا كنزك. ثم تلا: " ولا تحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيراً لهم، بل هو شرً لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير " [رواه الشيخان ].
آثار الزكاة على الفرد والمجتمع
الزكاة وسيلة لتحقيق التكامل الاجتماعي. فقد أوجب الله سبحانه وتعالى أن يعطي الغنيُّ الفقير حقاً مفروضاً لا تطوعاً ولا منةً:
قال تعالى: { وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم } [ سورة الذاريات: الآية 19 ].
و المسلم يؤديها طوعاً، طاعة لله والتزاماً بعبوديته، لكن هذا لا يمنع من أن يجد أثرها ومنفعتها في دنياه وآخرته، لنفسه وفي مجتمعه، كما بشرت بذلك الآثار الصحيحة. فالزكاة تطهر النفس من داء البخل والشح وتزكيها وصدقة التطوع تعود المؤمن البذل والسخاء والكرم والجود …. قال تعالى:
{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [سورة التوبة: الآية 103 ].
و الإنفاق من صفة الأبرار الذين عناهم الله سبحانه وتعالى بقوله:
{الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار، الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} [ سورة آل عمران: الآيات 16 – 17 ].
و الزكاة تحصن المال وتصونه لصاحبه من تطلع الأعين وامتداد أيدي المجرمين. عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة وأعدّوا للبلاء الدعاء" [ رواه الطبراني مرفوعاً، ورواه أبو داود عن الحسن مرسلاً وفي سنده ضعف].
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله عز وجل " [ رواه مسلم ]. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السِّر والعلانية، ترزقوا وتنصروا وتجبروا " [ رواه ابن ماجة ].
يقول مصطفى عمارة : يبين لنا عليه الصلاة والسلام أن الإنفاق لله يجلب سعة الرزق ويقضي الحاجات ويكون سبب الفوز والنجاح والشفاء ونيل المأمول ومعنى تجبروا: تُجب دعواتكم وتغتنوا. فالصدقة سبب لزيادة الرزق وعناية الله بالمتصدق وهي تصون المال الباقي وتحفظه وتبعد عنه الكوارث وتزيده نماءً.
و الصدقة تحفظ صاحبها من أهوالِ يوم القيامة فهي ظله حتى يتم حسابه، كما أنها وقاية له من نار جهنم إن أدّاها محتسباً بها وجه الله تعالى دون منة ولا مراء: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس [ رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما وقال السيوطي صحيح ].
و عن عدي بن حاتم قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من استطاع أن يستتر منكم من النار ولو بشق تمرة فليفعل " [ رواه البخاري ومسلم والنسائي ( جامع الأصول ) ]
[glow1=33CCFF]دور الزكاة في علاج الركود الاقتصادي [i]
[/glow1]
الركود الاقتصادي من أخطر المشكلات التي عانى منها الاقتصاد العالمي، ونظراً لأن البلاد الإسلامية عضو في المجتمع الدولي، لم تفلت هي الأخرى من الركود الاقتصادي، وقد كثرت الكتابات حول طبيعة وأبعاد المشكلة وطرق الوقاية والعلاج منها. فبعضهم يرى أن السبب الرئيس للركود الاقتصادي هو نقص الطلب الفعَّال، ويرى آخرون أن من مظاهر الركود زيادة المخزون من السلع والبضائع وعدم وفاء التجار بالتزاماتهم المالية، إضافة إلى إحجام المؤسسات المالية عن منح التمويل المطلوب للأنشطة الاقتصادية، ويضيف آخرون بأن السبب الرئيس للركود الاقتصادي هو ما نشاهده من الأحداث العالمية الحالية. وفي محاولة للخروج من مأزق الركود الاقتصادي، يعكف بعض الاقتصاديين على دراسة ما وضعه الاقتصادي الشهير <كينز> بضرورة التدخل للعمل على التأثير في حجم الطلب الكلي الفعلي، فدعا إلى ضرورة خفض الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي الاستهلاكي والاستثماري، وتخفيض الضرائب في فترة الأزمة حتى يرتفع الحجم الكلي للطلب الفعَّال والاستثماري، وتخفيض الضرائب في فترة الأزمة حتى يرتفع الحجم الكلي للطلب الفعَّال ونادى بعكس ذلك حينما يصل النظام إلى مرحلة التوظيف الكامل، وتلوح في الأفق مخاطر التضخم، وعلى الرغم من كثرة الحلول والمقترحات لعلاج الركود الاقتصادي، إلا أن الركود يعم أنحاء المعمورة، من هنا اتجهت بعض الدراسات إلى البحث عن وسائل في الاقتصاد الإسلامي في معالجة الركود الاقتصادي(1)، وتبين من هذه الدراسة الموجزة أن إحدى الوسائل التي وضعها الإسلام لعلاج هذه الأزمة هي فريضة الزكاة وإمكانياتها نحو التأثير في علاج الركود الاقتصادي.
الركود الاقتصادي: هو انخفاض في الطلب الكلي الفعلي يؤدي إلى بطء في تصريف السلع والبضائع في الأسواق، ومن ثمَّ تخفيض تدريجي في عدد العمالة في الوحدات الإنتاجية، وتكديس في المعروض والمخزون من السلع والبضائع وتفشي ظاهرة عدم انتظام التجار في سداد التزاماتهم المالية وشيوع الإفلاس والبطالة.
0 [/color]
مواقع النشر (المفضلة)