بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ الولدَ أمانة قلَّ مَن يُقَدِّر قِيمَتَها ويحفظها، وتربيته مسؤوليَّة قلَّ مَن يُحْسِن التعاملَ معها.
وفي نظرِ بعضِ الآباء، فإنَّ تربيةَ الولدِ لا تختلف عن تربية الدجاجِ أو الغَنَم؛ حيث إنَّ تقديمَ الطعام والشراب والكِساء والدواء هو كلُّ شيءٍ، بانتظار أنْ يكبرَ الولدُ ويعملَ ويصبحَ مصَدرًا للدَّخْل والمال، ويتجاهل هؤلاء كلَّ ما له علاقة بالتربية الدينيَّة والسلوكيَّة والأخلاقيَّة للولدِ باعتباره مصْدرًا للأجْر والثواب والسمعة الحَسَنة كما يؤْمِنُ العُقَلاء.
ولا أزالُ أتعجَّبُ من هذه النظرة البهيميَّة لتربية الأبناء وشُبَهها بتربية الحيوانات، لكنَّ عجبي يزيدُ عندما أرى وأسمعُ عن أساليبَ (تربويَّة) في قِمَّة الغباء والتخلُّف، لكنَّها ما زالتْ سائدة إلى يومِنا هذا، ومن يعشْ يرَ ويسمعْ عجَبًا!
ولعلِّي أسردُ - في مقالي المتواضِع هذا - بعضًا من هذه الأساليب من باب النصيحة لأولياء الأمور، آملاً أن يبتعدوا عنها، ويعتمدوا على البديل التربوي الآمِن والصحيح.
ومن هذه الأساليب:
• أسلوب الدَّلال الزائد، وإهمال التربية في الصِّغَر، قد يُرْزَقُ شخصٌ ما الولدَ بعد طول انتظار، أو يُرْزقُ بذَكَرٍ بعد مجيء عددٍ من الإناث.
في هذه الحالة قد ينبهرُ الوالدُ ويصابُ بالجنون والهستيريا من الفرحِ في البداية، ويصابُ تفكيره بالشلل ويعطِّلُ كافَّة أعماله وأشْغاله من أجْلِ الاهتمام بهذا الولد.
غير أنَّ هذه العاصفة من الفرحِ قد تدفعُ الأبَ إلى إهمال التربية الأخلاقيَّة والتعليميَّة للطفل بحجَّة الحرْص على راحته؛ كما يبتعدُ أحيانًا عن الضرْب غيرِ المؤْذي أو نُصْحِ الطفل؛ بحجَّة الحرْص على مشاعر الطفل الرقيقة.
هذا الخطأُ شائعٌ جدًّا ومُكَرَّرٌ جدًّا، لكنَّ نتيجتَه وخِيمة جدًّا؛ حيث يكبرُ الولدُ ويدخلُ في مرحلة المراهقة دون أن يقيمَ وزنًا لاحترام أَبَوَيه؛ فيصعب توجيهُه وتقويمُه مُسْتقبلاً، ويستحيل نَهْيُه عن عادة قبيحة اعتادَ عليها، أو أَمْرُه بفِعْل حميدٍ لم يكنْ قد تعوَّد عليه في صِغَرِه.
ولا ندعو إلى ضرْبِ الولد والصراخ في وجهِه ليلاً ونهارًا، لكنَّ الإمْعان في تدليل الولد وتلبية طلباته سيجعلُ منه مراهقًا عنيدًا، صعبَ التقويم والتوجيه، وغيرَ قابلٍ للنصيحة.
أسلوب المحاضرات، وهو أسلوبٌ قديم جدًّا ومُكرَّر ومُمِلٌّ، يقوم على إلقاء محاضرة كاملة أمامَ الطفلِ عن موضوعٍ مُعَيَّن أو فِكرة قد تكونُ صحيحة غالبًا، لكنَّ أسلوبَ إلقائها الفاشلَ يجعلُ الطفلَ يَمَلُّ من تَكرارِها وقد لا يفهمُ منها شيئًا.
أمَّا الأسلوب البديلُ والصحيح فهو النصيحة الهادئة، والموعظة المختصِرة بما يتناسب مع عُمر الطفلِ وتفكيره وشخصيَّته، بدلاً من إضاعة الوقْت في كلام كثيرٍ قد يكونُ ضررُه أكبرَ من فائدته.
أسلوب الأوركسترا، هذا الأسْلوب القبيح يُسْتخدمُ عند ارتكابِ الطفلِ لخطأٍ ما؛ كسر صحن، تأخُّر دراسي ... إلخ، ويقوم على الصراخ والعويل، وإلقاء سيْلٍ من الشتائم والألفاظ على الطفل بطريقة تُشْبِه الأوركسترا التي تعزفُ خليطًا من النشاز المزْعِج غير القابل للإيقاف.
والبديل الصحيح لهذا الأسلوب هو كظْمُ الغيظ، ومحاولة التفاهُم مع الطفل بهدوءٍ، وتصحيح خطئه إنْ كان قابلاً للتصحيح، وغضِّ النظر عن الخطأ إنْ كانَ غيرَ مقصود من الطفل.
أسلوب الدعاء بالإثْم وقطيعة الرَّحِم:
وهو أسلوبٌ شائعٌ لدَى بعض الأمَّهات للأسف الشديد، ويقومُ على الدعاء على الطفل المخْطِئ بالشلل والعَمى والبَرَص والجُذام وإنفلونزا القرود وسائر الأمراض، ناهِيكَ عن كَسْر الأيدي، وتقطيع الأَرْجُل، وتحطيم الرؤوس، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله.
وعجبًا لِمَن يدعو على ولدِه لسببٍ تافهٍ، مثل: سَكْب الماء أو تلويث الملابس وغيره، وطالَمَا حذَّرَ العلماءُ من الدعاء على الولد مَهْمَا فَعَلَ، والبديل هو الدعاء له بالهداية والصلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، ويحتاج هذا إلى تعقُّلٍ وصبرٍ لا يتوفَّر عند كثيرٍ من الآباء والأُمَّهات.
أسلوب اللطم وشق الجيوب:
لدى ارتكابِ الطفل لخطأٍ ما يبادر بعضُ الآباء والأُمَّهات باللَّطم وشقِّ الجيوب، وندبِ الحظِّ؛ لأنَّ اللهَ رَزَقَهم هذا الولد، وغالبًا ما يصلُ الأمرُ إلى درجة الكفر - عياذًا بالله - والاعْتراضِ على أحْكَامه وقضائه وقَدَره، ومن الألفاظ التي يتفوَّه بها بعضُ الآباء والأُمَّهات:
• ماذا فعلتْ لله حتى يبعثَ لي بهؤلاء الأولاد؟!
• إنَّ الله ظَلَمَنِي حين رَزَقَني بأولادي الأشْقِياء.
• إنَّ الله ابتلاني بهؤلاء الأولاد ظلمًا، وإنني أستحقُّ أفضلَ منهم.
إلى غير ذلك من الألفاظ القبيحة التي أستحيي من ذِكْرها عَلنًا.
وكمْ نتمنَّى أن يتمتَّعَ الآباءُ بقدرٍ من الإيمان والرزَانة والحِكْمة قبلَ التفكير بإنْجاب الأطْفال وتكوين الأُسَر؛ لأنها أمانة ومسؤوليَّة، وليست تجربة سهلة أبدًا.
أسلوب المقارنة:
وهو أسلوب شاذٌّ لا يَمُتُّ إلى التربية والتوجيه بأيّة صلةٍ، ويقوم على مَبْدأ مقارنة الولد بإخوته مثلاً أو بأبْناء الجِيران، أو بأحد الأقارب بطريقة فيها الكثيرُ من الاستفزاز للطفل:
• انظرْ إلى ابن عمِّك، هو مُتفوِّق أكثر منك.
• انظرْ إلى ابن الجيران، هو مُرتَّب أكثر منك.
• ليْتَكَ تكونُ مثلَ ابن خالة جدة عمِّك؛ إنَّه نشيطٌ ومهذَّبٌ.
هذا الأسلوب لا علاقةَ له بالتربية والتوجيه والإرشاد، بل سيكونُ له نتائجُ عكسيَّة تدفعُ الولدُ إلى سلوك اتِّجاه سلبي مُعاكِس لما يريده الآباءُ كنوعٍ من ردِّ الفعْلِ ضدَّ السلوك الإيجابي الذي يقومُ به ابنُ العمِّ أو ابن الجيران.
وعمومًا فإن لكلِّ طفل قدراتٍ ومميزاتٍ مختلفة عن غيره، ويجبُ على الآباء تقديرُ ومعرفة إمكانيَّات أولادِهم بشكلٍ صحيحٍ، ولا يقارنوهم بغيرهم.
إسماعيل حيدر
مواقع النشر (المفضلة)