حالات الصدفية.. واضطرابات جهاز مناعة الجسم
عملية حقن مريض بالصدفية بعقار «أميفايف» في أميركا خدمة: (كي آر تي)
الرياض: «الشرق الأوسط»: ـ «صحتك»
الأمثال الشعبية كانت دقيقة جداً في استنكارها وتهكمها على البعض بالقول أنهم يُغيرون جلدهم من آن لأخر بـ "سرعة"، وهو ما يشبهونه بعملية تغيير الثعبان لجلده، وانسلاخه عنه بسرعة. وكأن المثل ذاك لا يستغرب، ضمنياً، وجود عملية لتغيير الجلد لدى الإنسان، لكنه يستنكر أن يقوم المرء بذلك بسرعة. ولأن الجلد يُعتبر طبياً أكبر عضو في الجسم، فإن للأطباء قراءتهم العلمية لهذا المثل وتفسيره. وهي قراءة لا تختلف عن قراءة الأدباء له، لأنهم يرون أن تغيير الجلد بسرعة، ليس فقط "فعل غير طبيعي"، بل هو فعل ضار بالجلد والجسم، وتترتب عليه مضاعفات صحية. ولأحدنا أن يسأل، ما علاقة هذا المثل بكلمة "الصدفية" في عنوان المقالة؟ والإجابة ببساطة، أن مرض الصدفية Psoriasis ، أحد الأمراض الجلدية الشائعة، منشؤه هو حصول اضطراب في سرعة دورة تغيير الجلد، ما يجعل هذا المرض أقرب نموذج طبي لهذا المثل، في ضرر هذه السرعة لتغيير الجلد، على الصحة. وبعيداً عن كيفية معالجته، دعونا، كما يُقال، نراجع القصة من أولها كي نفهم ما هي الصدفية وما هي أسبابها، واختلاف مظاهر أنواعها.
دورة طبيعية أو سريعة
* تقول مصادر علم الطب، أن جلد الإنسان الطبيعي يمر بمرحلة متواصلة ومستمرة من عمليات التغيير والتبديل. وخلال هذه العمليات يتم تحلل وسقوط، أو انسلاخ، الطبقات الخارجية القديمة. كما تنشأ طبقات جديدة للغلاف الخارجي لجلد الإنسان. وتشكل الطبقة العميقة في جلد الإنسان، المصنع الذي يعمل بصفة دائمة في إنتاج خلايا جلدية جديدة، لتكوين الطبقة التي ستحل محل ما تلف وتساقط من الطبقات الخارجية للجلد. وبكلام علمي أدق، تأخذ رحلة الحياة للخلية الجلدية حوالي الشهر. بدءا من إنتاجها وصناعتها في الطبقات الجلدية العميقة، ومروراً بعملية صعودها التدريجي للخارج. وقوة دفع، خلايا الجلد، إلى أعلى تتمثل في عاملين، الأول، ما يتكون تحتها مع الوقت من طبقات خلايا جلدية جديدة. والثاني، ما يزول من فوقها للخلايا الجلدية الميتة والمنسلخة. وبهذا الدفع، تصل الخلايا الجديدة إلى الطبقة الجلدية الخارجية، المباشرة لملامسة الهواء والعوامل البيئة الخارجية الأخرى التي تحتك بها. ولذا لا تستطيع تلك الخلايا العيش طويلاً، وتموت بالتالي، ليتم كحتها وانسلاخها، ومن ثم تحل محلها خلايا أخرى جديدة.
وما يحصل، في مدة دورة حياة خلايا الجلد، لدى مرضى الصدفية يختلف تماماً عما يحصل بصفة طبيعية لدى الإنسان السليم من هذا المرض. ذلك أن الخلل الأساس في مرض الصدفية هو أن دورة حياة خلايا الجلد تتم بسرعة عالية. ولذا لا تستغرق شهراً، بل أقل من ذلك بكثير. وتحديداً مجرد أيام.
وبالتالي، تتكون بسرعة هائلة طبقات جديدة من الخلايا الجلدية، ما يجعلها تتراكم بعضها فوق بعض دون أن يتم إزالتها وكحتها بشكل تدريجي طبيعي. ولذا تتكون طبقات من القشور الجلدية الفضية اللون، أشبه بلون باطن الأصداف، والشديدة التهيج والإثارة للحكة، مع بقع حمراء، غالباً ما تكون مؤلمة.
وبالرغم من عدم توفر ما يشفي المُصابين تماماً من الحالة برمتها، إلا أن ثمة علاجات حديثة، تمتاز بفاعلتها في تخفيف المعاناة منه وتقليل أضراره على الجسم.
اضطرابات جهاز المناعة
* السبب في الإصابة بالصدفية مرتبط باضطرابات في عمل جهاز مناعة الجسم. وتحديداً خلل أداء أحد أنواع خلايا الدم البيضاء من نوع خلايا تي T cell. والمعلوم أن خلايا تي تعمل في التحرّي أي كالمفتش في بحثها خلال أجزاء الجسم عن أي أجسام غريبة ودخيلة، يجب التخلص منها والقضاء عليها، مثل الفيروسات أو البكتيريا. وما يحصل لدى مرضى الصدفية أن هذه الخلايا تهاجم بالخطأ خلايا الجلد العادية، نتيجة لنظرتها إليها بأنها أجسام غريبة يجب التخلص منها! وهذا "الضلال" في المعلومات الخاطئة الصادرة عن خلايا تي، يثير بقية عناصر جهاز مناعة الجسم لمحاربة خلايا الجلد الطبيعية البريئة. وهنا لا تجد خلايا الجلد أمامها ما تفعله سوى محاولة الدفاع عن بقائها ووجودها. لأنها بالطبع لا تقوى على محاربة جهاز المناعة. ولذا تتكاثر خلايا الجلد بشكل سريع ومطرد في محاولة لإبقاء سلالة منها مهما كلف الأمر.
والمحصلة هي نشوء بؤر ومراكز من "تكاثر سريع وغير منضبط" لخلايا الجلد. وبالتالي، لا يعود ثمة دورة شهرية لحياة طبيعية لخلايا الجلد، بل دورة يومية سريعة. وتتراكم بالتالي طبقات وطبقات من خلايا الجلد وخلايا الدم البيضاء، وتنشأ طبقات قشرية فضية، مكونة من طبقات خلايا جلدية ميتة وخلايا دموية بيضاء ميتة، على تلك المناطق. وتستمر العملية السريعة غير المنضبطة، ما لم يُعطى دواء يُخفف من وتيرة تلك العمليات ويقطع دوران عجلة التكاثر الجلدي السريع.
وحتى اليوم، لا يعلم الأطباء ما الذي يُعمي بصر خلايا تي ويجعلها تعتقد أن خلايا الجلد الطبيعي هي أجسام دخيلة على الجسم. إلا أن عاملي الوراثة والمؤثرات البيئية، ربما يكونان السبب.
وفيما يبدو أن عامل الوراثة، هو الأقوى في رفع احتمالات إصابة البعض، دون غيرهم، بالصدفية. وتشير الإحصائيات إلى أن ثلث المصابين لديهم أقرباء مُصابون بالصدفية. إلا أن المثير للحيرة، والباعث على التفاؤل، أن ثُلث أقارب المُصابين بالصدفية لديهم جينات يُقال بأنها سبب في الإصابة بالصدفية، ومع ذلك لا يظهر المرض عليهم طوال حياتهم. ما قد يعني، في جملة ما يحمله ذلك الأمر من معاني، أن الوراثة صحيح لها دور إلا أن ظهور المرض قد يتطلب نشاط عوامل أخرى كي يظهر مرض الصدفية عليهم.
وتشير المصادر الطبي إلى عوامل أخرى في رفع احتمالات الإصابة بالصدفية. منها تكرار الإصابة بالالتهابات الحلق ببكتيريا ستربتوكوكس، والتوتر والإجهاد النفسي والبدني، والسمنة والتدخين. وهذه العوامل هي أيضاً ضمن مهيجات نوبات الصدفية لدى المرضى أنفسهم.
تهيجات جلدية
* وحالة مرض الصدفية من الأمراض المزمنة المستمرة في المُصاب لمدة طويلة. ويمر المريض خلالها بفترات متعاقبة من التهيج للحالة المرضية، التي تليها فترات من الخمود والسكون. وتتراوح مدة الفترات المتعاقبة تلك مابين بضعة أسابيع إلى بضعة أشهر. وبالرغم من زوال الأعراض الجلدية تماماً، في بعض الأوقات. إلا أنها عاجلاً أم أجلاً تعود للظهور. كما أن المرض لدى بعضهم قد لا يتجاوز في شدته حد التسبب بمجرد الإزعاج، بينما لدى البعض الآخر قد يتطور ويبدوا بصفة عنيفة تتسبب بإعاقات بدنية، خاصة حينما تكون الحالة لا تقتصر على الجلد فقط، بل تكون مصحوبة بتفاعلات تطال المفاصل.
والبقع الجلدية للصدفية هي العلامة الفارقة فيها. ويتراوح شكلها ومظهرها من بضعة نقاط صغيرة ذات قشور أشبه بقشرة الرأس، إلى تهيجات جلدية واسعة المساحة تُغطيها طبقات سميكة من القشور الفضية.
وعلى حسب نوع الصدفية، ومكان إصابتها، ومدى انتشارها، تختلف المضاعفات المحتملة لها. ولعل من أشدها إزعاجاً هو الحكة الشديدة، التي قد تُؤدي إلى زيادة سُمْك الجلد وزيادة احتمالات إصابته بالالتهابات البكتيرية. كما أن الحالات الشديدة لنوع الدمامل الصدفية قد يصطحبها خروج سوائل كثيفة من الجسم، عبر جلد تلك المناطق المُصابة. هذا بالإضافة إلى التأثيرات النفسية لتشوه جلد الجسم في الوجه وجلد فروة الرأس وغيرها من المناطق المؤثرة على جمال الشكل. ما يبعث على الاكتئاب والتوتر والقلق بدرجات عالية.وحينما تُصاب المفاصل بالصدفية، فإن التراكيب الداخلية للمفصل نفسه تتلف. ما يُؤثر عل عمل المفصل، بالإضافة إلى بنيته.* علامات وأعراض الصدفية
* يتفاوت في ما بين المرضى، ظهور أنواع من العلامات والأعراض المرضية للصدفية. ولذا قد تظهر كل أو بعض الأمور التالية:
* بقع جلدية حمراء اللون ومغلفة بطبقات قشرية فضية.
* بقع صغيرة من القشور، خاصة لدى الأطفال.
* مناطق جلدية جافة ومتشققة، وقد تنزف.
* حكة أو حرقة أو ألم في مناطق متفرقة من الجلد.
* أظافر سميكة، إما ذات حفر صغيرة أو قمم صغيرة.
* مفاصل متورمة وصلبة، غير مرنة في الحركة.
مُثيرات لنوبات تهيج الصدفية
* غالباً ما يكون ثمة عامل أو عدة عوامل لإثارة نوبات تهييج الصدفية. ولذا من المهم للمريض متابعته لمعرفة ما تسبب بتهييج الحالة الخامدة لديه، كي يتجنبها. ومن جملة استقراء حالات المرضى، تشير المراجع الطبية إلى العوامل المهيجة التالية:
* الالتهابات الميكروبية، كالتهابات الحلق ببكتيريا ستربتوكوكس أو بالفطريات.
* إصابات الجلد بالجروح أو الخدوش أو قرص الحشرات أو حروق التعرض لأشعة الشمس.
* التوتر والإجهاد النفسي والبدني.
* برودة الطقس.
* التدخين.
* الإفراط في تناول الكحول. * تناول بعض الأدوية، مثل الليثيوم في معالجة الحالات ثنائية القطب النفسية، أو أدوية «محاصرات البيتا» لخفض ضغط الدم، مثل تينورمين وإنديرال، أو بعض أدوية معالجة الملاريا.