المٌقدمة
" من يفتقد السيطرة...لن يصل إلى الانجاز"

البطل هُنا...... هو "الآخر"




الأول:- أشعر أنني مسيطر على الأمر..................
الآخر يشيح بوجهه :- هذا جيد....نعم..إنه أمر جيد....




بدأت به الحياة في وقتٍ متأخر من الليل....وأيضاً بنهاية الأسبوع لآخر العام !

وما سبقه....مالم يُقدر عليه اللحاق به....أو ما كان قدره الهروب منه !

نذير لحياته.....بالتخلف وعدم الوصول كما ينبغي

يعمل كمحقق في الجرائم....ولم يفشل في كشف أي جريمة أو لغز مُحير...ولكنه الفاشل الوحيد في السيطرة على حياته

حتى هذا المركز الوظيفي لم يكن بحسبانه.....هو كان يرغب في ادارة شركة تجارية....

ولكن.....

تدابير حياته تحتوي على العديد من ( لكن ) وتبريراتها !

اكتشف مؤخراً أنه مُصاب بمرض نادر بنسبة ( أنت من العالم )

وأخبره طبيبه أن وجوده حياً لن يطول أكثر من أشهر معدودة.....

وطلب منه أن يستمتع بوقته المتبقي حتى يحظى بالسعادة ولو بعضها المتداول

وعليه أن يحقن نفسه بجرعة طبية يتم تحضيرها من عدة مواد...

وبينما يحقنه الطبيب قال له مداعباً ( تركيب هذه الحقنة أشبه بالحقنة المخدرة الغير شرعية...

ربما يكون ثمنها أقل من الشرعية هذه )

ضحك الطبيب.......وابتسم الآخر.....وفي عقله دوامة كُل الأفكار...

نعم....

كل الأمور التي تحيطه لايملكها.....

ولا خيار له فيها

بل هي التي تختاره !...

وتضع نفسها كاحتمالات أمامه بطريقة استفزازية لتدعه يُفكر في الاختيار زمناً ثم يجد نفسه أنه خيار لإحدى الخيارات !!

ومع مضي الزمن كان يستقطع من يومه ساعة ليلبس معطفه المهتريء والمُخبأ تحت مقعد سيارته

ويذهب إلى إلى زاوية المدينة حيث حي الجريمة وبائعي المُخدرات....لينال علاجه !!

نعم....قُضاة الجريمة....قد يتعاطوها شرعاً !

هل تداخلت دائرة الحياة لتعم الفوضى بهذا الشكل !!

أم أن هذا مصير من وُلد بنهاية الأسبوع....ليُصبح المُعَلق بين عامين من الأقدار !

لتتراكم سنينه بنهاية الأسبوع وبلا ترتيب.....وهذا جزاء الوصول المتأخر !

انتصف الليل وهو قابع بين أوراقه على مكتبه يُراجع قضية حديثة...
عن سفاح يخطف الأب وابنه...

يربط على عنق الابن حبل المشنقة ويدع الأب واقفاً تحت أقدام ابنه

فإذا ما تعب الأب وسقط....شُنق ولده !

فإذا ما انهار الأب أخذ المُسدس الملقى أمامه وأطلق على نفسه رصاصتها الوحيدة...

رُصاصة الرحمة !

فيعود السفاح ليضع ورقة مُتكررة مع كل جريمة كُتب بها

(( إذا ما قبضتم علي ...فاعلموا أنني لم أقتل أحداً....

الأب قتل ابنه.....والموقف قتل الأب....وهذه خيارات الأب....

أما أنا فجرمي الوحيد .....أنني وضعت رصاصة الرحمة أمام الأب...

وأيضاً....لم أقتله !

عجباً....أليس هذا هو مُلخص الحياة بطريقة آخرى !

الامضاء.....

ضوء القمر ))

بعدما قرأ الرسالة...قرأ الثانية ثم الثالثة....

ثم نظر إلى الهاتف....

النافذة...

الحائط الذي لم يُزين حتى الآن بساعة حائط !!

أشعل سجارته وأغلق عينيه....وأعاد رأسه للخلف ....

وانهالت عليه كُل الأسئلة......

ثم بدأت حالة من السعال الشديدة....انتهت بقطرات دم.....!

خرج من مكتبه فوراً وذهب إلى حي الجريمة......!

فقد اقترب الوقت أكثر....!

لم يعرف الحظ السعيد...فجميع القضايا التي عمل عليها لم يصل إلى
حلها بسهولة ، بل كانت تتعمد الزحف عنه

حياة كهذه لن تتذمر منها....لأنك لاتعرف غيرها !

فمن يفتقد السيطرة على أمور حياته...لن يعرف الانجاز...

كمن ينظر إلى صندوق مُظلم من ثقبٍ صغير... ولا يرى أي شيء !

الحياة تتراكم عليه.... وكأن الموت لن يأخذه إلا وقد انهكته الحياة ليكون رصاصة الرحمة !!

رصاصة الرحمة !!!
نعم.....

ضوء القمر !!

ورصاصته....

ذهب إلى رئيسه وقال له...

الآخر:- هل وقعت جريمة آخرى...لضوء القمر .؟!

الرئيس:- من ضوء القمر هذا ...؟

الآخر:- السفاح الذي يقتل الأب وابنه ....صاحب الجرائم الثلاثة !

الرئيس:- لا أعلم شيء عن هذه القضية.....ولا تصل إلينا أبداً !

الآخر:- كيف لم تصل....!! وأنا أعمل عليها منذ ثلاثة أشهر !

الرئيس:- ومن قدم لك ملف هذه القضية....؟

الآخر:- أنت !......

ثم تنبه لأمرٍ مهم.....وهو أن القضية لم تُوكل إليه....وإنما وجدها
على مكتبه !

الآخر:- عُذراً.....لم يكن أنت...وجدتها على مكتبي....

الرئيس:- أنت بحاجة لقسطٍ من الراحة...وأن تُكمل علاجك ولا تهتم لأي أمرٍ
آخر...

الآخر:- والقضية !

الرئيس (بابتسامة مُشفقة ) :- أنا سأعمل عليها لاتهتم....

الآخر :- حسناً...
ويخرج من المكتب

والرئيس يشيعه بنظراته ....ثم يتمتم

الرئيس:- مسكين.....

سكرتير الرئيس:- أما زال يعتقد أنه يعمل مُحقق جرائم في مكتبنا!

الرئيس:- نعم....إياكم أن تخبروه أنه لا يعمل هُنا.....فهذا الرجل
يحمل من دنياه مالم تَحملهُ هيَّ !

سكرتير:- ألا تريد منا أن نخبره أنه مُجرد عامل نظافة هُنا !

الرئيس:- قلت لك....لا....



اليوم التالي...

دخل الرئيس مكتبه....

فوجد ورقة تعلو مكتبه....

قرأها فوجد أنها استقالة عامل النظافة المجنون

وما أن انتهى من قراءتها حتى لاحظ ورقة آخرى وقد تناثرت فوقها قطرات دم !

كُتب فيها التالي:-

((أطراف الجريمة أربع.....الرغبة والمجرم والمحقق والعدالة

الرغبة تدفع المجرم لارتكاب جريمته.... والعدالة تدفع المحقق لحل
هذه الجريمة.

لم يكن المجرم غبياً لِيُكشفَ أمره ، ولم يكن المحقق ذكياً ليحل
الجريمة .

فلكي تحل الجريمة دون العدالة يتوجب على المحقق محاكاة تفكير
المجرم ، وهذا ما لايمكن تحقيقه

والسبب هو نفاذية العدالة وتمركزها بين فكري المُجرم والمُحقق...فلا
يعبر أحدهما للآخر دون المرور عليها .

فإن حاكى المحقق عقلية المجرم لنجح الآخر في محاكاة عقلية المحقق...
ولن تحل أي قضية قط !

فهروب السيطرة من الأشخاص لتصل إلى قِيم الحياة ، هو رحمة الله في
الحفاظ على مبدأ الثواب والعقاب

وفعاليته .

ما وَصلتُ إليه من عذابٍ وألم لم يُدرج في سلسلة حماقاتي ؛ هو إدانةٌ
لما حاولتُ تخطيه من حدودي تجاه حدود قِيم الحياة....

وهذا الظُلم الذي أراه.......زاوية ضيقة من ادراكي للعجز.....وكمال
الصورة هو العدالة الإلهية ))


بينما الرئيس في حالة من الذهول العميقة.....دخل مكتبه السكرتير وعلى وجهه حزن كبير

وقال له :- لقد وُجد العامل المجنون مضجر بدمائه ... ميتاً

الرئيس:- لم يكن مجنوناً....لم يكن مجنوناً...مات في آخر يومٍ من السنة....مات في يوم ميلاده !


انتهى

أرسطوالعرب ( السؤال المستحيل :- من هو الأول ؟! )