إن أهمية التعليم لم تَعُد محلَّ نقاش أو جدل في أي بقعة من بقاع العالم، إن بداية التقدُّم الحقيقية - بل والوحيدة - تكمن في التعليم الجيد والبنَّاء، والذي يستطيع أن يبني أممًا قوية، تستطيع مجابهة الصعاب، والتطور السريع والرهيب الذي يجتاح العالم حاليًّا، إذا نظرنا إلى الدول التي تقدَّمتْ وأحدثت طفرة في مواردها - سواءٌ أكانت اقتصادية، أم علمية، أم سياسية - كان هذا التقدُّم من خلال التعليم.

إن الدول المتقدمة تضع نُصْب أعينها التعليمَ كخيار إستراتيجي تجني من ورائه الثمار الكثيرة، فالصراعات التي يشهدها العالم يعد العلم مكونًا أساسيًّا من مكوناتها.

إن التعليم يتحمل المسؤولية الكبرى في تحقيق التنمية، الدول التي أحدثت طفراتٍ هائلةً في النمو الاقتصادي والعسكري والسياسي، نجحتْ في هذا التقدم من خلال التعليم.

إذا نظرنا إلى اليابان، بعد ضربها بالقنبلة الذرية، وخسارتها في الحرب العالمية الثانية، قامت بتوجيه كل اهتمامها إلى التعليم، واستطاعت أن تحقق معجزة اقتصادية، بلغتْ ذروتها خلال الثمانينيات، إذا نظرنا إلى اليابان نجد أنها تتَّصف - وفقًا لكل المعدلات العالمية - بنظام تعليمي ممتاز.

وعلى النقيض من ذلك، إذا نظرنا إلى عالمنا العربي، وما يملكه من ثروات ضخمة، وإمكانات هائلة، ومقومات طبيعية، نجد أن استثمارات العالم العربي في مجال التعليم ضئيلة جدًّا؛ ولذلك نجد أن التطور العلمي والتكنولوجي بطيء جدًّا في الوطن العربي، ولا يكاد يقارن بالدول الأخرى.

إن الثورة التكنولوجية الرهيبة التي يشهدها العالم الآن، تحتِّم علينا ألاَّ نقف مكتوفي الأيدي والعالم مِن حولنا يسير بخُطى سريعةٍ ومتلاحقة؛ ولكي نلحق بالركب – أي: ركب الثورة التكنولوجية - يجب أن نقف وقفة كبيرة مع أنفسنا، ونحدد أهدافنا؛ لأن التقدم الآن لا ينتظر أحدًا، وإلا فسوف نقف موقف المتفرجين السلبيين، فيجب أن نتسلح بسلاح العلم، وبنظام تكنولوجي ومعلوماتي قوي؛ حتى نستطيع أن نكون في مصاف الدول المتقدمة.

إن تطوير التعليم يعمل على إكساب الفرد المهاراتِ، والقدرةَ على الإنتاج، ومواكبة العصر والجديد في أي مجال؛ مما يكون له الأثر البالغ في تحقيق التنمية، وزيادة الوعي والمعرفة.

إن الثورة التكنولوجية في كافة المجالات الآن، جعلت من العالم قريةً صغيرة، ولم يعد هناك حدود أو حواجز تفصل، ولم يعد بإمكان أي دولة أو أي شخص أن ينعزل عن العالم المحيط به؛ لأن كل ما يحدث له تأثير فينا، سواء بالسلب أو بالإيجاب، إن هذه التأثيرات يكون لها انعكاس مباشر أو غير مباشر على التعليم.

إذا أردنا أن نخطط للعملية التعليمية، فيجب أن يكون ذلك من خلال منظومة قوية، وبمفهوم عالمي ومتحضر، والإنسان جزء لا ينفصل من عملية التنمية؛ لأنه الأداة والمعول الأساس والرئيس فيها؛ فبدونه لن يكون هناك تنمية ولا تطور، فلا بد إذًا من تسليح هذا الجزء بالعلم والمعرفة.

يجدر بنا الإشارة هنا إلى أن التعليم أصبح محورًا أساسيًّا، وقضية من قضايا الأمن القومي لمعظم الدول، وهو يعني الاستقرار الداخلي، والأمن الخارجي في التنمية والرخاء.

إن التقدم الاقتصادي يتأثَّر بالتعليم وجودته، كما أن إنتاجية الفرد تتأثر بمقدار تعليمه، ونوعية هذا التعليم، ومقدار ما يتوافر من الخبرات والمهارات.
إن العلم الآن هو سلاح المستقبل، حتى الحروب أصبحت الآن تعتمد على التكنولوجيا والثورة المعلوماتية، فمَن يملك العلم، يملك الهيمنة والسيطرة وفرض الإرادة؛ فالحرب الحديثة هي حرب العلم.

إن الاستثمار في التعليم هو قضية شعوب وأمم، وإن الإنسان هو رأس المال؛ لذلك يجب استثماره وتنميته، وتهيئة الاستثمارات اللازمة لتطوير العقل البشري؛ ولذلك فإن المدارس والمعاهد وجميع المؤسسات التعليمية هي في حقيقتها مؤسسات إنتاجية.

لا بد من تحويل التعليم من تعليم كمِّي إلى تعليم كيفي، لا يهتم بالحشو والتلقين فقط، ولكن يجب أن يهتم بتنمية المهارات والقدرات، لا بد للتعليم أن يدعم ويرسخ الخبرات والمقومات لبناء إنسان المستقبل، الذي يملك القدرة على التطور والنمو، وأن يتسلح بالمقومات الأساسية لعصر جديد، عصر التطور والثورة التكنولوجية.

نصل الآن إلى دور المعلم في التحدي الجديد، إن دوره لا يقلُّ أهميةً عن أي دور آخر؛ بل هو الأساس في عملية التعليم، ولأجل بناء تعليم قوي؛ لا بد من معلم عصري متطور، ومساير للحديث والجديد في مجال تخصصه، فلا بد من الدورات التدريبية التي تدعم هذا المعلم، ولا بد أيضًا من اختبار قدرات هؤلاء المعلمين، ومدى قدرتهم في إضافة الجديد للعملية التعليمية.

من أجل بناء مستقبل أفضل، من أجل بناء أمة قوية قادرة على مواجهة تحديات عصر جديد، لا يؤمن إلا بالقوة، سواء اقتصادية أم عسكرية أم علمية، من أجل تنمية مقوماتنا، وتنمية مهاراتنا؛ لا بد أن نؤمن بأنه بدون تعليم جيد لن نصبح من هؤلاء الأقوياء.


ثريا سليمان