حين أذكُر تلك الصباحات الممزوجة بشقاوتنا، حين تطلُّ الأيام تُنسينا عبقَ طفولتنا، تبقى بعض من ذكرياتنا تراقص ألعابَنا القديمة، كانتْ ألعابُنا من نسج خيالاتنا، كنا وما أجملَ ما كنا عليه.

كانتْ حدود غرفتنا عالمًا يجمعنا، يحفِر في ذاكرتنا ساعات نقضيها بالمرح، نلعب معًا، نتشاجر نتصالح، نبكي نضحك، تعبر بنا غرفتنا مساحات الدنيا، تجعلنا نحلِّق في سماء الفرح، وكأن أكبر همومنا ألعابنا المكسورة.

آه! كم تكسرتْ بعدها ألعاب! أتذكر؟ كم تكسرتْ لعبتي، وكم انهمكتَ لساعات تُصلحها؛ لنعاود اللعب فيها من جديد.

كم تعثرتْ قدمي وأوجعتْني عثرتي! كم مسحتَ لي دمعتي! وكم نفضتَ الغبار عن فستاني! كم ضمدتَ جراحي وضحكتَ لتنسيني وجعي! كم بذلتَ الكثير يا أخي!

أشتاق لرائحة طفولتنا الشقيَّة، أشتاق لألعابنا القديمة، أشتاق لساعات نقضيها نكتب رسائل لأبينا المسافر، كم أشتاق لأمي تنادينا لنتناول عشاءنا!

أتذكر كم درسنا سويًّا، وكم هربتَ من المدرسة ولم أفشِ سِرَّك لأحد.

أتذكر "مقالبك" تزلزل أركانَ بيتنا ضحكًا، أتذكر حين كنتَ توقظني لصلاة الفجر بالماء، أتذكر كم ضغطت على يدي وأنت تسلمني ليد زوجي.

يا أخي، يا من رفعتَ برايتك رأسي، يا أخي، يا من عبرت بي تاريخ الدنيا، يا من شاركتَني تاريخي، يا من رسمتَ عمرًا لعمري، يا من ناديتُك كلما توجعت: أخ!

كم أشتاق لحبِّك يا أخي! كم أنا محتاجة لعطفك القديم؛ فحنانُك يذيب الخوفَ في قلبي!

يا أخي، أقبِل، لا تنسَ عمرًا قضيناه معًا، أقبِل فأنا أحتاج لبعض حنانك، لبعضٍ من تلك الألعاب القديمة، أقبِل فما بقي من العمر ما يوجعنا أكثر، أقبل فحضنُك ينسيني وجعي، يذكرني بأمي وأبي.

كم ضحكنا وكم بكينا معًا! كم أوجعني بُعدُك! وكم أثلج صدري قربُك يا أخي!

يا أخي، كنتَ وما زلتَ نورًا يضيء سماءَ العتمة في عمري؛ إذ كيف لقلبي أن ينسى عهد الأخوة؟!

كيف لسنين العمر أن تُنسيني بلالَ ريقي عند العطش؟! وكيف لها أن تنسيني سامرَ ليلي الطويل؟! وكيف لي ألا أحمد ربي على ما أعطاني؟! بل كيف لي أن أنسى فاتح طريقي ومنير دربي؟!

أنا أهواك يا أخي، فهل تتقي الله فى رحمي؟


إسراء أبو رمان