بسم الله الرحمن الرحيم

من أخبار الحمقى والمغفلين
محمود علي التلواني



الحمد لله نحمده حمدَ من لا ربَّ لَه سواه، وأشكره على جزيل فضلِه وعطاياه، وأشهد أنَّ الحلال ما أحله وأنَّ الحرام ما حرَّمَه، وأن الدِّين ما شرعه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

وبعدُ:
فاعلم أنَّ ذِكر أخبار الأذكياء يعلم الذَّكاء، وذكر أخبار الشجعان يعلم الشجاعة، أما أخبار الحمقى والمغفلين فَتُذْكَرُ أيضًا لأسبابٍ، منها:

أولاً: أن الإنسان العاقل إذا عرف عيوبَهم، عرف ما أُعطِيَ هو من النِّعَم التي حرموا منها، فيحمد الله ويشكره.

"رُوِيَ أنَّ رجلاً تكلم في مجلس ابن عبَّاس فأكثر الخطأ، فالتفت عبدالله بن عباس إلى عبدٍ له فأعتقه، فقال له الرجلُ: ما سببُ هذا الشكرِ؟ قال: إذْ لَم يجعلنِي اللهُ مثْلَكَ"[1].

ثانيًا: أنَّ ذكرَ المغفلين يحثُّ المتيقظَ على اتِّقَاءِ أسباب الغفلة إذا كان ذلك مكتسبًا، لا جِبِلَّةً في الطبع في الأشخاص، وأمَّا إذا كانت الغفلة مجبولةً في الطباع، فإنَّها لا تكاد تقبل التغيير.

ثالثًا: هو ترويحٌ للقلوب في المباح، في النظر في أخبار هؤلاء الحمقى؛ فإن القلوب تَملُّ من الدَّؤوب في الجدِّ، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو.

فعن حنظلة الأُسَيدي - وكان من كُتَّاب رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: لقيني أبو بكرٍ فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلتُ: نافق حنظلةُ، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلتُ: نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأْيَ عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافَسْنا[2] الأزواجَ والأولاد والضَّيعات[3]، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكرٍ: فوالله إنَّا لنلقى مثل هذا.

فانطلقتُ أنا وأبو بكرٍ حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نَفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحَتْكم الملائكة على فرُشِكم، وفي طرقِكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً))، ثلاث مراتٍ[4].

ترويحُ القلوبِ مطلوبٌ:
"فعن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "روِّحوا القلوب، واطلبوا لها طُرَف الحِكمة؛ فإنَّها تملُّ كما تمل الأبدان"، وقال أيضًا: "إنَّ هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان؛ فالتمسوا لها من الحكمة طرفًا".

وعن الزهري قال: كان رجلٌ يُجالس أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويحدِّثهم، فإذا كثروا وثقل عليهم الحديث، قال: "إن الأذن مجاجة، وإن القلوب حمضة، فهاتوا من أشعاركم وأحاديثكم"، وقال أبو الدرداء: "إني لأستجمُّ نفسي ببعض الباطل؛ كراهيةَ أن أحمل عليها من الحقِّ ما يكلُّها، وعن محمد بن إسحاق قال: كان ابن عباس إذا جلس مع أصحابه حدثهم ساعة ثم قال: "حمضونا"، فيأخذ في أحاديث العرب، ثم يعود يفعل ذلك مرارًا[5].

معنى الحماقة:
قال ابن منظور: (حمق) الحُمْقُ ضدّ العَقْل، الجوهري: الحُمْقُ والحُمُقُ: قلة العقل، حَمُقَ يَحْمُق حُمْقًا وحُمُقًا وحَماقةٌ، وحمِقَ وانْحَمَقَ واسْتَحمَقَ الرجل إِذا فَعَلَ فِعْلَ الحَمْقَى، ورجل أَحمقُ وحَمِقٌ بمعنًى واحد[6].

وقال ابن الأعرابي: الحماقة مأخوذة من حمقت السُّوق إذا كسدَتْ، فكأنه كاسد العقل والرأيِ، فلا يُشاوَر، ولا يلتفَت إليه في أمر حرب.

الحمقُ داءٌ دواؤهُ الموتُ:
وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى، أتدري لِم رَزَقْتُ الأحمق؟ قال: لا يا رب، قال: ليعلم العاقل أن طلب الرِّزق ليس بالاجتهاد.

وقال الشعبِيُّ: إذا أراد الله أن يزيل عن عبد نعمةً، كان أول ما يعدمه عقله.

وقالوا: "الحمق داءٌ دواؤه الموت"، وقد بيَّن الله تعالى لحبيبه من لم يعقل بقوله: ﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ﴾ [يس: 70]؛ قيل: عاقلاً، وبقوله: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10].

ومن كلام لقمان لابنه: أن تكون أخرس عاقلاً، خيرٌ من أن تكون نطوقًا جاهلاً، ولكلِّ شيء دليل، ودليل العقل النَّقل، ودليل النقل الصَّمت، وكفى بك جهلاً أن تنهى الناس عن شيء وتَركبَه.

وقال عيسى - عليه السَّلام -: عالجت الأكْمَه والأبرص، فأبرأتُهما، وعالجتُ الأحمق فأعياني، قال الشاعر:

لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ
إِلاَّ الْحَمَاقَةَ أَعْيَتْ مَنْ يُدَاوِيهَ
ا

وقال آخر:

وَعِلاَجُ الأَبْدَانِ أَيْسَرُ خَطْبًا
حِينَ تَعْتَلُّ مِنْ عِلاَجِ العُقُولِ


وقال آخر:

الْحُمْقُ دَاءٌ مَا لَهُ حِيلَةٌ
تُرْجَى كَبُعْدِ النَّجْمِ مِنْ مَسِّهِ


وقيل: إذا قيل لك: إن فقيرًا استغنى، وغنيًّا افتقر، وحيًّا مات، أو ميتًا عاش، فصدِّق، وإذا بلغك أنَّ أحمقَ استفاد عقلاً فلا تصدق!

وقالوا: الأحمق تتمنَّى أمُّه أنَّها به مثكلة، وتتمنَّى زوجه أنها منه أرملة، ويتمنَّى جاره منه العزلة، ورفيقه منه الوحشة، وأخوه منه الفرقة.

وقال سهل بن هارون: وجدت مودَّة الجاهل، وعداوة العاقل، أُسوةً في الخطر، ووجدت الأنس بالجاهل، والوحشة من العاقل، سِيَّيْن في العيب، ووجدت غشَّ العاقل أقل ضررًا من نصيحة الجاهل، ووجدت ظنَّ العاقل أوقع بالصواب من يقين الجاهل، ووجدت العاقل أحفظ لِما لم يُستكتَم من الجاهل لما استُكتِم.

وقال لقمان لابنه: لا تعاشر الأحمق وإن كان ذا جَمال، وانظر إلى السَّيف، ما أحسن منظرَه، وأقبح أثرَه!

وقال عليٌّ - رضي الله عنه -: قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، وقال: صديق الجاهل في تعَب.

وقال آخر: لأنَا للعاقلِ المدْبِر أرجى شيءٍ من الأحمق المقبِل، وقال شاعر:

عَدُوُّكَ ذُو العَقْلِ خَيْرٌ مِنَ الصْ
صَدِيقِ لَكَ الوَامِقِ الأَحْمَقِ


والبيت المشهور السائر:

وَلَأَنْ يُعَادِيَ عَاقِلاً خَيْرٌ لَهُ
مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ


وقيل: الحمق يسلب السَّلامة، ويورث النَّدامة، وقد ذَمُّوا مَن له أدب بلا عقل.

ووصف أعرابيٌّ رجلاً، فقال: هو ذو أدبٍ وافر، وعقل نافر، قال شاعر:

فَهَبْكَ أَخَا الآدَابِ أَيُّ فَضِيلَةٍ
تَكُونُ لِذِي عِلْمٍ وَلَيْسَ لَهُ عَقْلُ؟[7]


لا تصاحب الأحمق:
قال ابن أبي زيادٍ: قال لي أبي: يا بُنَيَّ، الزَم أهل العقل وجالِسهم، واجتنب الحمقى؛ فإنِّي ما جالست أحمقَ فقُمت، إلاَّ وجدتُ النَّقص في عقلي.

وقال أحدُهم:

احْذَرِ الأَحْمَقَ أَنْ تَصْحَبَهُ
إِنَّمَا الأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلِقْ
كُلَّمَا رَقَّعْتَ مِنْهُ جَانِبًا
خَرَقَتْهُ الرِّيحُ وَهْنًا فَانْخَرَقْ
أَوْ كَصَدْعٍ فِي زُجَاجٍ فَاحِشٍ
هَلْ تَرَى صَدْعَ الزُّجَاجِ يَرْتَفِقْ؟
كَحِمارِ السُّوقِ إِنْ أَقْضَمْتَهُ[8]
رَمَحَ النَّاسُ وَإِنْ يَسْغَبْ نَهَقْ
كَغُلاَمِ السُّوءِ إِنْ أَسْغَبْتَهُ
سَرَقَ النَّاسَ وَإِنْ يَشْبَعْ فَسَقْ
وَإِذَا حَدَّثْتَهُ كَيْ يَرْعَوِي[9]
أَفْسَدَ الْمَجْلِسَ مِنْهُ بِالخَرَقْ


من أخبار "هبَنَّقةَ" الأحمق:
فمنهم "هبنَّقةُ"، واسمه يزيد بن ثروان - ويُقال: ابن مروان - أحد بني قيس بن ثعلبة، ومِن حُمْقه أنَّه جعل في عنقه قلادةً من ودَعٍ وعظام وخزَف، وقال: "أخشى أن أَضِلَّ نفسي، ففعلتُ ذلك؛ لأعرفها به"، فحُوِّلت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه، فلمَّا أصبح قال: يا أخي، أنت أنا، فمن أنا؟

وأضلَّ بعيرًا، فجعل ينادي: "من وجده فهو له"، فقيل له: فلم تنشده؟ قال: "فأين حلاوة الوجدان؟".

وفي رواية: "من وجده فله عشرة"، فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: "للوجدان حلاوة في القلب".

واختصمَتْ طفاوة وبنو راسب في رجلٍ ادَّعى كلُّ فريق أنه في عرافتهم، فقال هبنَّقة: "حُكمه أن يُلقَى في الماء؛ فإن طفا فهو من طفاوة"، وإن رسب فهو من راسب، فقال الرَّجل: إن كان الحكم هذا، فقد زَهِدتُ في الدِّيوان.

وكان إذا رعى غنمًا جعل يختار المراعي للسِّمان، وينحِّي المهازيل، ويقول: لا أُصلِح ما أفسدَه الله!

أحمق من جُحَا:
هو رجل من فزارة، وكان يكنى أبا الغُصْن، فمِن حمقه أنَّ عيسى بن موسى الهاشميَّ مرَّ به وهو يحفر بظهر الكوفة موضعًا، فقال له: ما لك يا أبا الغُصن؟ قال: إنِّي قد دفَنْتُ في هذه الصَّحراء دراهمَ، ولستُ أهتدي إلى مكانها، فقال عيسى: كان يجب أن تجعل عليها علامةً، قال: قد فعلتُ، قال: ماذا؟ قال: سحابة في السَّماء كانت تُظِلُّها، ولست أرى العلامة!

ومن حمقه أيضًا أنه خرج من مَنْزله يومًا بغلس، فعثر في دهليز مَنْزله بقتيل، فضجر به، وجرَّه إلى بئر مَنْزله، فألقاه فيها، فنذر به أبوه، فأخرجه وغيَّبه، وخنق كبشًا حتَّى قتله، وألقاه في البئر، ثم إن أهل القتيل طافوا في سكك الكوفة يبحثون عنه، فتلقاهم جحا، فقال: "في دارنا رجل مقتول، فانظروا أهو صاحبكم"، فعدلوا إلى مَنْزله، وأنزلوه في البئر، فلمَّا رأى الكبش ناداهم وقال: "يا هؤلاء، هل كان لصاحبكم قرن؟"، فضحكوا ومَرُّوا.

ومن حمقه أن أبا مسلم صاحب الدولة لما ورد الكوفة، قال لمن حوله: أيُّكم يعرف جحا فيدعوه إليَّ؟ فقال يقطين: أنا، ودعاه، فلمَّا دخل لم يكن في المجلس غير أبي مسلم ويقطين فقال: "يا يقطين، أيكما أبو مسلم؟".

قلت: وجحا اسم لا ينصرف؛ لأنَّه معدول من جاح، مثل عمرو من عامر، يُقال: جحا يجحو جحوًا: إذا رمى، ويقال: حيَّا الله جحوتك؛ أيْ: وجْهَك[10].

وعن أبي بكر الكلبي أنه قال: خرجتُ من البصرة، فلما قدمت الكوفة، إذا أنا بشيخٍ جالس في الشمس، فقلت: يا شيخ، أين مَنْزل الحكم؟ فقال لي: "وراءك"، فرجعت إلى خلفي، فقال: يا "سبحان الله! أقول لك: وراءك، وترجل إلى خلفك؟! أخبرني عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79]، قال: بين أيديهم"، فقلت: أبو من؟ قال: "أبو الغصن"، فقلت: الاسم؟ قال: "جحا".

عن أبي الحسن، قال رجلٌ لِجحا: سمعتُ من داركم صراخًا، قال: "سقط قميصي من فوق"، قال: وإذا سقط من فوق؟، قال: "يا أحمق، لو كنتُ فيه أليس كنت قد وقعتُ معه؟".

واشترى يومًا دقيقًا، وحمله على حمال، فهرب بالدقيق، فلما كان بعد أيام رآه جحا، فاستتر منه، فقيل له: ما لك فعلت كذا؟ فقال: "أخاف أن يطلب مني كراه".

وبات ليلةً مع صبيانٍ له، فجعلوا يفسون، فقال لامرأته: "هذا - واللهِ - بليةٌ"، قالت: دَعْهم يفسون؛ فإنَّه أدفأُ لهم، فقام وخري وسطَ البيت، ثم قال: "أنْبهي الصبيانَ؛ حتى يَصْطلُوا بهذه النار"!

قيل له: ما لوجهك مستطيلاً؟ قال: "ولدتُ في الصيفِ، ولولا أن الشتاء أدركهُ لسال وجهي".

أحمق من عِجْل:
هو عِجْل بن لُجَيم بن صعب بن عليِّ بن بكر بن وائل، قال حمزة: هو أيضًا من الحمقى المنجبين، وذلك أنَّه قيل له: ما سَمَّيت فرسَك؟ فقام، ففقأ عينه، وقال: "سمَّيتُه الأعور".

وفيه يقول جرثومةُ العنَزيُّ:

رَمَتْنِي بَنُو عِجْلٍ بِدَاءِ أَبِيهِمُ
وَأَيُّ امْرِئٍ فِي النَّاسِ أَحْمَقُ مِنْ عِجْلِ
أَلَيْسَ أَبُوهُمْ عَارَ عَيْنَ جَوَادِهِ
فَصَارَتْ بِهِ الأَمْثَالُ تُضْرَبُ فِي الْجَهْلِ


حجَّ قبل أن تحفر زمزم:
شهد رجلٌ عند بعض القُضاة على رجل، فقال المشهود عليه: أيُّها القاضي، تقبل شهادته ومعه عشرون ألف دينار، ولم يَحُجَّ إلى بيت الله الحرام؟ فقال: "بلى، حجَجتُ"، قال: فاسأله عن زمزم، فقال: "حججت قبل أن تُحفَر زمزم، فلم أرها".

أراد الخير بالشتم:
وقفَت سائلةٌ على باب قوم، فقال لها رجلٌ: اذهبي يا زانية، فقالت: إذا لم تعطني فلِمَ تسبني؟ قال: "والله ما أردت بِهذا إلا الخير؛ أردتُ أن تُؤجَري، وآثَم".

حماقة أبي وهب:
ولقي "تأبط شرًّا" ذات يوم رجلاً من ثقيف، يُقال له: أبو وهب، كان جبانًا أهوجَ، وعليه حُلَّة جيدة، فقال أبو وهب لتأبط شرًّا: بِم تَغلب الرِّجال، يا ثابت، وأنت كما أرى دميمٌ ضئيل؟ قال: باسمي، إنَّما أقول ساعةَ ما ألقى الرَّجل: أنا تأبَّط شرًّا، فينخلع قلبه، حتَّى أنال منه ما أردتُ، فقال له الثقفي: أقَطُّ؟ قال: قطُّ، قال: فهل لك أن تبيعني اسمَك؟ قال: نعم، فبِم تبتاعه؟ قال: بِهذه الحلُّة، وبكنيتك، قال له: أفعل، ففعل، وقال له تأبط شرًّا: لك اسمي، ولي كنيتك، وأخذ حُلَّتَه، وأعطاه طمريَّة، ثم انصرف، وقال في ذلك يُخاطِب زوجة الثقفي:

أَلاَ هَلْ أَتَى الْحَسْنَاءَ أَنَّ حَلِيلهَا
تَأَبَّطَ شَرًّا وَاكْتَنَيْتُ أَبَا وَهْبِ
فَهَبْهُ تَسَمَّى اسْمِي وَسُمِّيتُ بِاسْمِهِ
فَأَيْنَ لَهُ صَبْرِي عَلَى مُعْظَمِ الْخَطْبِ[11]
وَأَيْنَ لَهُ بَأْسٌ كَبَأْسِي وَسَوْرَتِي[12]
وَأَيْنَ لَهُ فِي كُلِّ فَادِحَةٍ قَلْبِي[13]


عاد أبو وهب إلى زوجته مغلوبًا مهزومًا، مقطَّع البُردة، وقد خسر كنيتَه وبردته!

يسأل بشارًا الكفيف:
وجاء رجلٌ بشَّارَ بن بُرد - وكان كفيفًا - فسأله عن مَنْزل رجل ذكَره له، فجعل يُفهِّمه ولا يفهم، فأخذ بشَّار بيده، ودار به في البصرة كلها؛ حتَّى عاد إلى حيث بدأ، فقال له الرجل: لقد عدنا إلى حيث بدأنا، فقال له بشَّار:

أَعْمَى يَقُودُ بَصِيرًا لاَ أَبَا لَكُمُ
قَدْ ضَلَّ مَنْ كَانَتِ العُمْيَانُ تَهْدِيهِ

وصلَّى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

[1] "أخبار الحمقى والمغفَّلين"؛ لابن الجوزي.
[2] عافس: لاعب الأزواج والأولاد، وعالَج معايِشَه، واشتغل بِهم.
[3] الضيعات: المعايش.
[4] "صحيح مسلم"، باب فضل دوام الذِّكر والفكر.
[5] "أخبار الحمقى والمغفلين"؛ لابن الجوزي.
[6] "لسان العرب"؛ لابن منظور.
[7] "نهاية الأرب"، للنويري.
[8] أكلْتَه.
[9] يكفُّ عن حماقته.
[10] "مجمع الأمثال"، للميداني.
[11] الخَطْب: الأَمر، صَغُر أو عظم.
[12] قال ابن منظور في "اللِّسان": وفلانٌ ذو سَوْرَةٍ في الحرب؛ أَيْ: ذو نظرٍ سديد.
[13] "الأغاني"، لأبي الفرج الأصفهاني.