فضل الزهد في الدنيا
والحث على التقلل منهاوفضل الفقر
قال اللَّه تعالى: { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازَّيَّنَتْ وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } .
وقال تعالى: { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح، وكان اللَّه على كل شيء مقتدراً. المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً } .
وقال تعالى: { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته، ثم يهيج فتراه مصفراً، ثم يكون حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد، ومغفرة من اللَّه ورضوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } .
وقال تعالى: { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب } .
وقال تعالى: { يا أيها الناس إن وعد اللَّه حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } .
وقال تعالى: { ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون، كلا لو تعلمون علم اليقين } .
وقال تعالى: { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } . والآيات في الباب كثيرة مشهورة.
وأما الأحاديث فأكثر من أن تحصر فننبه بطرف منها على ما سواه:
- عن عمرو بنِ عوفٍ الأَنْصاريِّ . رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَعَثَ أَبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ ، رضي اللَّه عنه ، إلى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا فَقَدمَ بِمالٍ منَ البحْرَينِ ، فَسَمِعَت الأَنصَارُ بقُدومِ أبي عُبَيْدَةَ ، فوافَوْا صَلاةَ الفَجْرِ مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا صَلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، انْصَرَفَ ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِينَ رَآهُمْ ، ثُمَّ قال : «أَظُنُّكُم سَمِعتُم أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيء مِنَ الْبَحْرَيْنِ » فقالوا : أَجَل يا رسول اللَّه ، فقــال: « أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسرُّكُمْ ، فواللَّه ما الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ . وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كما بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا . فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ » متفقٌ عليه .
- وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ ، رضيَ اللَّه عنه . قالَ : جَلَسَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى المِنْبَرِ ، وَجَلسْنَا حَوْلَهُ.فقال:« إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُم مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِن زَهْرَةِ الدُّنيَا وَزيَنتهَا » متفقٌ عيه.
- عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّه تَعالى مُسْتَخْلِفكُم فِيهَا ، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْملُونَ فاتَّقُوا الدُّنْيَا واتَّقُوا النِّسَاءِ » رواه مسلم .
- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه . أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ » متفقٌ عليه .
- وعنهُ عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ : أَهْلُهُ وَمالُهُ وَعَمَلُهُ : فَيَرْجِعُ اثْنَانِ . وَيَبْقَى وَاحدٌ : يَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ » متفقٌ عليه .
- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُؤْتِيَ بَأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِن أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خيراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعيمٌ قَطُّ ؟ فيقول : لا واللَّه يارَبِّ.وَيُؤْتِى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةُ قَطُّ ؟ فيقولُ : لا ، وَاللَّه ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ » رواه مسلم .
- وعن المُسْتَوْردِ بنِ شدَّادٍ رَضِيَ اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحدُكُمْ أُصْبُعَهُ في الْيَمِّ . فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟» رواه مسلم .
- وعن جابرٍ ، رضِيَ اللَّه عنهُ أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرَّ بِالسُّوقِ وَالنَّاسُ كتفَيْهِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ ، فَأَخَذَ بَأُذُنِهِ ، ثُمَّ قال : « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقالوا : مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ ثم قال : « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا : وَاللَّه لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْباً ، إِنَّهُ أَسَكُّ . فكَيْفَ وَهو مَيَّتٌ ، فقال : « فَوَ اللَّه للدُّنْيَا أَهْونُ عَلى اللَّه مِنْ هذا عَلَيْكُمْ » رواه مسلم.
قوله « كَتفَيْهِ » أَيْ : عن جانبيه . و « الأَسكُّ » الصغير الأُذُن .
- وعن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللَّه عنه ، قال : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، في حَرَّةٍ بالمدينة ، فَاسْتَقْبلَنَا أَحُدٌ فقال :« يا أَبَا ذَرٍّ » . قلت : لَبَّيْكَ يا رسول اللَّه . فقال : « مَا يَسُرُّني أَنَّ عِنْدِي مِثل أَحُدٍ هذا ذَهباً تَمْضِي عَلَيَّ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلاَّ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنِ ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ في عِبَاد اللَّه هكَذَا وَهَكَذا »عن يَمِينهِ وعن شماله ومن خلفه ، ثم سار فقال : « إِنَّ الأَكثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَومَ القيامةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكذَا وهكذا »عن يمينهِ ، وعن شمالهِ ، ومِنْ خَلفه « وَقَليلٌ مَا هُمْ ». ثم قال لي :« مَكَانَك لا تَبْرَحْ حَتَّى آتيَكَ ». ثم انْطَلَقَ في سَوَادِ اللَّيْلِ حتى تَوَارَى ، فسمِعْتُ صَوْتاً قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَرَضَ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قوله :« لا تَبْرَحْ حَتَّى آتيَكَ » فلم أَبْرَحْ حَتَّى أَتَاني ، فَقُلْتُ : لقد سَمِعْتُ صَوتاً تَخَوَّفْتُ منه ، فَذَكَرْتُ له . فقال: « وَهَلْ سَمِعْتَهُ ؟ » قلت : نَعَم ، قال :« ذَاكَ جِبريلُ أَتاني فقال : مَن ماتَ مِنْ أُمتِكَ لايُشرِكُ باللَّه شَيئاً دَخَلَ الجَنَّةَ ، قلتُ : وَإِنْ زَنَي وَإِنْ سَرَقَ ؟ قال : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » متفقٌ عليه . وهذا لفظ البخاري .
- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، عنْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لو كان لي مِثلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسرَّني أَنْ لا تَمُرَّ علَيَّ ثَلاثُ لَيَالٍ وَعِندِي منه شَيءٌ إلاَّ شَيءٌ أُرْصِدُه لِدَينٍ » متفقٌ عليه .
- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : انْظُرُوا إلى منْ هَوَ أَسفَلُ منْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إلى مَنْ فَوقَكُم فهُوَ أَجْدرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَليْكُمْ » متفقٌ عليه وهذا لفظ مسلمٍ .
وفي رواية البخاري ، « إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إلى مَنْ فُضلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْينْظُرْ إلى مَنْ هو أَسْفَلُ مِنْهُ » .
- وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقطيفَةِ وَالخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعطِيَ رضي ، وَإِنْ لَمْ يُعطَ لَمْ يَرْضَ » رواه البخاري .
- وعنه ، رضي اللَّه عنه ، قال : لقَدْ رَأَيْتُ سبعِين مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ، ما منْهُم رَجُلٌ عليه رداءٌ ، إِمَّا إِزَارٌ ، وإِمَّا كِسَاءٌ ، قدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهِمْ ، فَمنْهَا مَا يبْلُغُ نِصفَ السَّاقَيْن . ومنْهَا ما يَبْلُغُ الكَعْبينِ . فَيجْمَعُهُ بيدِه كراهِيَةَ أَنْ تُرَى عوْرتُه » رواه البخاري .
- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وجنَّةُ الكَافِرِ» رواه مسلم .
- وعن ابن عمر ، رضي اللَّه عنهما ، قال : أَخَذ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَنْكِبَيَّ ، فقال :« كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ » .
وَكَانَ ابنُ عمرَ ، رضي اللَّه عنهما ، يقول : إِذَا أَمْسيْتَ ، فَلا تَنْتظِرِ الصَّباحَ وإِذَا أَصْبحْت ، فَلا تنْتَظِرِ المَساءَ ، وخُذْ منْ صِحَّتِكَ لمرضِكَ ومِنْ حياتِك لِموتكَ . رواه البخاري .
قالوا في شرح هذا الحديث معناه لا تَركَن إلى الدُّنْيَا ولا تَتَّخِذْهَا وَطَناً ، ولا تُحدِّثْ نَفْسكَ بِطُول الْبقَاءِ فِيهَا ، وَلا بالاعْتِنَاءِ بِهَا ، ولا تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إلاَّ بِما يَتَعَلَّقُ بِه الْغَرِيبُ في غيْرِ وطَنِهِ ، ولا تَشْتَغِلْ فِيهَا بِما لا يشتَغِلُ بِهِ الْغرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهاب إلى أَهْلِهِ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقٌ .
- وعن أبي الْعبَّاس سَهْلِ بنِ سعْدٍ السَّاعديِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : فقالَ : يا رسول اللَّه دُلَّني عَلى عمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ أَحبَّني اللَّه ، وَأَحبَّني النَّاسُ ، فقال : « ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللَّه ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ » حديثٌ حسنٌ رواه ابن مَاجَه وغيره بأَسانيد حسنةٍ .
- وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشيرٍ ، رضيَ اللَّه عنهما ، قالَ : ذَكَر عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب ، رضي اللَّه عنه ، ما أصاب النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا ، فقال : لَقَدْ رَأَيْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوي ما يَجِدُ مِنَ الدَّقَل ما يمْلأُ بِهِ بطْنَهُ . رواه مسلم .
« الدَّقَلُ » بفتح الدال المهملة والقاف : رَدِئُ التَّمْرِ .
- وعن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت : تُوفِّيَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وما في بَيْتي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعيرٍ في رَفٍّ لي ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَال علَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ . متفقٌ عليه .
« شَطْرُ شَعيرٍ » أَي شَيْء مِنْ شَعيرٍ . كَذا فسَّرهُ التِّرمذيُّ .
- وعن عمر بنِ الحارِث أَخي جُوَيْرِية بنْتِ الحَارثِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : مَا تَرَكَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَاراً وَلا دِرْهَماً ، ولا عَبْداً ، وَلا أَمَةً ، وَلا شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتي كَان يَرْكَبُهَا ، وَسِلاحَهُ ، وَأَرْضاً جَعَلَهَا لابْنِ السَّبيِلِ صَدَقَةً » رواه البخاري .
- وعن خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال هَاجَرْنَا مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَلْتَمِسُ وَجهَ اللَّه تعالى فَوَقَعَ أَجْرُنا عَلى اللَّه ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يأْكُلْ مِنْ أَجرِهِ شَيْئاً . مِنْهُم مُصْعَبُ بن عَمَيْر ، رضي اللَّه عنه ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنا بهَا رَأْسَهُ، بَدَتْ رجْلاهُ ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ ، بَدَا رَأْسُهُ ، فَأَمَرَنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلى رجْليهِ شَيْئاً مِنَ الإِذْخِرِ ، ومِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ . فَهُوَ يَهدبُهَا، متفقٌ عليه.
« النَّمِرَةُ » : كسَاء مُلَوَّنٌ منْ صُوفٍ . وقوله : « أينَعَت » أَيْ : نَضَجَتْ وَأَدْرَكَتْ . وقوله : « يَهْدِبُهَا » هو بفتح الباءِ وضم الدال وكسرها . لُغَتَان . أَيْ: يَقْطِفُهَا وَيجْتَنِيهَا وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لمَا فَتَحَ اللَّه تَعَالى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَكنُوا فيهَا .
- وعن سَهْلِ بنِ سَعْد السَّاعديِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافراً منْها شَرْبَةَ مَاءٍ » رواه الترمذي . وقال حديث حسن صحيح .
- وعن أبي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلعون مَا فيها ، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه تعالى ، ومَا وَالاَه وَعالماً وَمُتَعلِّماً » .
رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
- وعن عَبْدِ اللَّه بنِ مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيا » .
رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
- وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بنِ العاصِ رضي اللَّه عنهما ، قال : مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَنحنُ نُعالجُ خُصًّا لَنَا فقال : « ما هذا ؟ » فَقُلْنَا : قَدْ وَهِي ، فَنَحْنُ نُصْلِحُه ، فقال : « ما أَرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذلكَ » .
رواه أَبو داود ، والترمذيُّ بإِسناد البخاريِّ ومسلم ، وقال الترمذيُّ : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
- وعن كَعْبِ بنِ عِيَاضٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فتنةً ، فِتنَةُ أُمَّتي المَالُ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- وعن أبي عمرو ، ويقالُ : أَبو عبدِ اللَّه ، ويقال : أَبو لَيْلى عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رضي اللَّه عنه ، أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيْسَ لابْن آدَمَ حَقٌّ في سِوى هَذِهِ الخِصَال : بَيْتٌ يَسْكُنُهُ ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الخُبز ، وَالمَاءِ » رواه الترمذي وقال : حديث صحيح.
قال الترمذي : سمعتُ أَبَا داوُدَ سلَيمَانَ بنَ سَالمٍ البَلْخِيَّ يقول : سَمِعْتُ النَّضْر بْنَ شُمَيْلٍ يقولُ : الجلفُ : الخُبزُ لَيْس مَعَهُ إِدَامٌ . وقَالَ : غيرُهُ : هُوَ غَلِيظُ الخُبْزِ . وقَالَ الرَّاوِي : المُرَادُ بِهِ هُنَا وِعَاءُ الخُبزِ ، كالجَوَالِقِ وَالخُرْجِ ، واللَّه أعلم .
- وعنْ عبْدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ « بكسر الشين والخاءِ المشددةِ المعجمتين» رضي اللَّه عنه ، أَنَّهُ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهُوَ يَقْرَأُ : { أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } قال: « يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي ، مَالي ، وَهَل لَكَ يَا ابن آدمَ مِنْ مالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلت فَأَفْنيْتَ ، أو لبِستَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضيْتَ ؟» رواه مسلم .
- وعن عبدِ اللَّه بن مُغَفَّلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رجُلٌ للنَّبِيِّ ص: يارسولَ اللَّه ، واللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ ، فقال :« انْظُرْ ماذا تَقُولُ ؟ »قال : وَاللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فقال :« إِنْ كُنْتَ تُحبُّني فَأَعِدَّ لَلفقْر تِجْفافاً، فإِنَّ الفَقْر أَسْرَعُ إلى من يُحِبُّني مِنَ السَّيْل إلى مُنْتَهَاهُ » رواه الترمذي وقال حديث حسن.
« التِّجْفَافُ » بكسرِ التاءِ المثناةِ فوقُ وإسكان الجيم وبالفاءِ المكررة ، وَهُوَ شَيْءُ يَلْبِسُهُ الفَرسُ ، لِيُتَّقَى بِهِ الأَذَى ، وَقَدْ يَلْبَسُهُ الإِنْسَانُ .
- وعن كَعبِ بنِ مالكٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَاذِئْبَان جَائعَانِ أُرْسِلا في غَنَم بأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ على المالِ وَالشـَّرفِ لِدِينهِ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
- وعن عبدِ اللَّه بن مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه ، قال : نَامَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على حَصيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يا رَسُولَ الَّه لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً ، فقال :« مَالي وَلَلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا » .
رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح
- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يَدْخُلُ الفُقَراءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمائَةِ عَامٍ » رواه الترمذي وقال : حديث صحيح .
- وعن ابن عَبَّاسِ ، وعِمْرَانَ بن الحُصَيْن ، رضي اللَّه عنهم ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « آطَّلعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهلِهَا الفُقَراءَ . وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّساءَ » متفقٌ عليه . من رواية ابن عباس .
ورواه البخاري أيْضاً من روايةِ عِمْرَان بنِ الحُصَينِ ..
- وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رضيَ اللَّه عنهما ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قُمْتُ عَلى بَاب الجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَساكينُ . وأَصَحَابُ الجِدِّ محبُوسُونَ ، غَيْرَ أَنَّ أَصحَابَ النَّار قَد أُمِرَ بِهمْ إلى النَّارِ » متفقٌ عليه .
و « الجَدُّ » الحَظُّ وَالغِنَى . وقد سبق بيان هذا الحديث في باب فضلِ الضَّعَفَةِ.
- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ :
أَلا كُلُّ شيْءٍ ما خَلا اللهَ بَاطِلُ متفقٌ عليه .
مواقع النشر (المفضلة)