بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*مذكرات جنين*
أدرت عجلت زماني إلى الخلف قبل أن ترى عيني نور الحياة .. وأطلقت العنان لخيالي ليبحر في عمق الخيال..
وتخيلت مجريات الأحداث في تلك الغرفة المظلمة ..
التي ما من إنسان إلا وعاش بها شهوراً آلا وهي أرحام أمهاتنا..
أنصتوا معي بهدوء وتخيلوا ..فمن هنا كانت بدايتنا ودب نبض القلوب في دمنا..
الهدوء يلف المكان .. أنام وأصحو دون أدنى إزعاج ...فلا كدرٌ يعكر صفو الحياة هناك..
أمي تطعمني صفوة الدم من جسدها..كنت أحس أن قطعة من جسدي الصغير متشبثة بجوفها ..
هوايتي السباحة باحتراف في أحشائها ..والقفز مابين بطنها وظهرها
دبيب النبض في جسدها يدفق لي الدفء والأمان..
الغريب في الأمر..!! أن الغرفة التي أسكنها تضيق مع مرور الأيام!!
هل بطن أمي امتلأت وضاقت علي؟ .. ربما لا أدري ؟!
يا ترى كيف هو شكل أمي ؟.. سؤالٌ أشتاق لجوابه
كان الهناء يرفرف في حياتي ..وما ينغص صفوي سوى أمرين..
بكاء الأنين في صوت أمي..و نومها حين أكون مستيقظاً..
فيتسلل الملل إلي فأركض في بطنها محاولة إيقاظها ..
لتسليني بحكايتها المشوقة وأغانيها الجميلة ..
يشدني حديثها معي فأنصت له بكل جوارحي...تلاعبني وتناديني بأسماء لا أفهمها !!
تتطاير الفرحة في قلبي حين تبحث عني فتتحسسني بيدها
فالتصق بجدار بطنها حتى تدفئني يدها الحنون ..
وزحفت الأيام وبمرورها تزداد الغرفة ضيقاً فلا أكاد أتحرك فيها ..
وبدأت موجات السمع تتضح أكثر ..وتحمل إلي أصواتاً لا أعلم من أصحابها
على كل حال لن أستعجل الجواب ..فستعرفني أمي بكل أقربائي لأني ضيفهم الجديد..
كم أتمنى أن أجد ترحيباً حاراً يليق بطول انكماشي داخل بطنها..
لو خرجت من جوف أمي أين سأذهب؟...سؤال أخشى إجابته.. ويتملكني الخوف ..
ما يدريني ما الذي سيحدث لي لو خرجت؟..فقررت البقاء والتشبث داخلها.
في يوم مستقر طاف بي حلم رائع ..
رأيت فيه أبي يحملني على كفوف الحنان...ويرسم لي من الحب أشكالاً وألوان ..
فجأة غص حلمي بحركة غير عادية في جوف أمي...وأفقت مذعوراً ترى ما لذي حدث؟
كلما مرت الدقائق تزلزلت داخلها ..وعضلات بطنها تعصرني وأنا أتألم وأبكي بصمت مكتوم
ومرت دقائق أخرى والتقلبات لم تتوقف بل تزايدت ..والدوار يفتت رأسي .. والضغط يكاد يكسر أضلعي
وفي خضم المعمعة انشق نورٌ أعمى بصري...وتنفست هواء اخترق رئتي .
.وصرخت حنجرتي ببكاءٍ حزين مزقني ..لكن الوجوه من حولي تطفح بالبسمات .. وتوزع على وجه أمي القبلات ..
كوتني الغيرة بنارها.. كيف يقبلونها وهي لي أنا وحدي ؟؟..
تلقفتني أيدي لا أعرفها وأبعدوني عن أمي ..آه و حدث ما كنت أخشاه...أبعدوني عن نبع الحنان..
فبكل لغة البكاء استغثت ..ولسان حالي يقول لا تبعدوني...أرجوكم أرجعوني لجوفها أنا لا أريد دنياكم ..
يكفيني من الدنيا حضن أمي فقط ..ضج المكان ببكائي حتى أشفقوا علي ورحموني
وفي حضنها أرجعوني.. وعلى صدرها وضعوني
يا إلهي لقد رأيتها أخيراً.. والتقت عيني بعينها .. كنت أردد بسكوني ..ما أروعكِ يا أمي ..
يتدفق نهر الحنان من عينيها .. وشلال العطاء بين كفيها
لم أنسى أول جرعة حنان سكبتها في قلبي ..أمطرتني بغيثٍ من قبلاتها .
.وأنفاسها الدافئة تحاصر وجنتي والخجل يرسم في خدي تفاحتين ..
ونظراتها تلفني بإعجابها...فملامحي قد راقت لها ..
في بحر الحب والحنان ارتخت جفوني على صدرها ونمنا سوياً ننهل من فيض الإحساس
مواقع النشر (المفضلة)