السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حميدة .. امرأة أربكت الرجال!
قبل أكثر من أربعة عقود أجريت في مدينة جدة أول عملية جراحية على مستوى السعودية تحول عبرها رجل وافد اسمه أحمد إلى حميدة، يومها نفدت نسخ الصحيفة التي نشرت الخبر منذ ساعات الفجر الأولى، وراح الناس في الأسواق يتحدثون في وجل ـ وهم يفركون شواربهم التي يقف عليها الطير ـ عن هذه الحالة التي تهدد رجولتهم، ويتساءلون في حيرة عن الأعراض، وكيفية اتقاء العدوى، وشفاههم تتمتم مستعيذة بالله من غدر الزمان، وتقلبات الأيام.
ولم يتردد أصحاب التفسيرات الجاهزة في عرض تصوراتهم لنشوء مثل هذه الحالة، فقال أولهم: إن الرجل ربما ارتدى ملابس امرأة داخلية فأصابته الأنوثة بسهامها، وقال آخر: إنه سحر ساحر حول أحمد إلى حميدة، وأنكر ثالثهم حدوث الحادثة من أصلها، وأن ما نشرته الصحيفة مجرد كلام جرايد، لكنه تراجع عن موقفه حينما أكد التمرجي بمستشفى باب شريف أحمد برناوي أنه قد رأى بعينيه ـ اللتين سيأكلهما الدود ـ أحمد يتحول إلى حميدة، وهو يشير لهم بإصبعه إلى نافذة الغرفة التي ترقد داخلها حميدة على السرير الأبيض.
يومها لم يتردد خطيب مسجد حينا من أن تكون حميدة موضوع خطبة الجمعة، وهو يحذر المصلين من أحوال آخر الزمن ونوازله، كما لم يتوان عاطل الحي «دحمان» من التقدم لخطبة حميدة، وهو يردد على مسامع أصدقائه: «سأتزوجها ورزقي ورزقها على الله».. ولم تكن الأزمة التي مر بها الرجال يومها تخلو من عقدة التفوق الذكوري، وإشكالية النظرة الاستعلائية على كل ما يتصل بالأنوثة.
تذكرت كل هذه السياقات الاجتماعية العتيقة يوم أمس، وأنا أطالع خبرا في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان: «60 حالة ـ في السعودية ـ تنتظر القرار النهائي لتصحيح الجنس»، وفي الخبر يشير الدكتور صالح جمال الذي يترأس الفريق الطبي في عمليات التصحيح إن أكثر من 300 حالة تم تصحيح جنسها في السعودية خلال ربع قرن، ويحذرنا من زواج الأقارب وولادات المنازل، التي وصفها بأنها تأتي على رأس هرم الأسباب في ما يسمى «اختلاط الجنس».
هي بضعة عقود غيرت الناس كثيرا، وجعلت من الخبر الذي أثار جنون الناس قبل أكثر من 40 سنة خبرا عاديا اليوم، نقرأه دون أن نتحسس شواربنا، وقد يتذكر بعضنا حميدة فيشفق عليها من خشونة ذلك الزمن، وقسوة الأحكام.
__________
منقـــــول
مواقع النشر (المفضلة)