+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    Icon14 الرؤى والأحلام في ميزان الإسلام

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






    إن لبني آدم ولَعًا بالغًا وشغفًا ثائرًا فيما يتعلق بالأمور الغيبية، الماضي منها واللاحق، وإنكار هذه الظاهرة ضربٌ من ضروب تجاهل الواقع والنأي عنه. غيرَ أن تراوُحَ هذه الظاهرة صعودًا وهبوطًا يُعدُّ مرهونًا بمدى قرب الناس من مشكاة النبوة والشِّرعة الحقَّة التي أحكمت هذا الباب وأخبر الله من خلالها بقوله: {عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ}[الجن:26، 27]. ولا غرو –حينئذٍ- إذا وجدنا هذه العصور المتأخرة مظِنةً للخلط واللغط بالحديث عن الغيبيات، وتوقان النفوس الضعيفة إلى مكاشفتها، ما بين مؤمن بالخرافة وراضٍ بالكهانة، وآخرين سادرين في السجع والتخمين يقذفون بالغيب في كل حين، مع أن آيات الله تُتلى عليهم بكرةً وعشيًا، وفيها قوله تعالى: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}[النمل:65]، وتُقرأ عليهم سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وفيها قوله: (خمس لا يعلمهن إلا الله -عز وجل-: {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ}[لقمان:34]) رواه الترمذي.
    إذًا لا مجال للحديث عن المغيَّبات إلا من خلال ما ذكره لنا ربنا -جل وعلا- أو ما أوحاه إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فما هو إلا مجرّدُ تكهُّناتٍ إن لم تكن محورَ أساطير وأوهام، وخليطَ كلام يقذف به مسترقُ السمع من الجن.
    والإسلام في حقيقته دين يُزيل الخرافةَ من الفكر، [والضغينة] من القلب، والشرودَ من المسيرة، فالإيمان بالغيب ليس إيمانًا بالأوهام، ولا هو إيذانًا لأنواع الفوضى.
    ثم إن الناجين من هذه الظاهرة قد لا يسْلَمُون من تطلُّع آخر يحملهم عليه الشغف، ورَوم معرفة الحال اللاحقة، والتي يظنون أن لها ارتباطًا وثيقًا باستقرار مستقبلهم من عدمه، فاشرأبَّت نفوسهم إلى الوقوف على ذلك في مناماتهم من خلال ما يعتريهم من رؤى وأحلام؛ ولذا فإن أحدنا قد يلاقي أخًا له أو صديقًا، فيراه عبوسا متجهِّمًا أو فرحًا مسرورًا، فيزول عنه العجب حينما يعلم أن سببَ هذا الفرح أو الحزن رؤيا مؤنسة أو أخرى مقلقة. وهذا الأمر ليس قاصرًا على أفراد الناس وعامتهم فحسب؛ بل يَشْرَكُهم فيه العظماء والكبراء، فكم أقضّت الرؤيا عظيمًا من مضجعه، وكم بشَّرت الرؤيا أفرادًا بمستقبلهم، وكم شغلت شعبًا كبيرًا بِرُمَّته، وما رؤيا يوسف -عليه السلام- بغائبة عنا، ولا رؤيا ملك مصر بخافية علينا، فقد اجتمع فيها تبشير وتحذير من آن واحد، إذ بشارتها هي السَّعة عليهم في الرزق سبعَ سنين، ونذارتها هي في الجدب والقحط سبعًا مثلها.
    الرؤى لها أهميتُها الكبرى في واقع الناس قبل الإسلام وبعد الإسلام؛ لكنها من خلال نظرات المتعلِّمين والمثقفين لها قد تتفاوت تفاوتًا كثيرًا في اختلاف المرجعية من قِبَل كل طائفة، فقد أنكرها الفلاسفة، ونسبوا جميع الرؤى إلى الأخلاط التي في الجسد، فرأوا أنها هي التي تحدث انعكاسًا مباشرًا على نفس الرائي بقدر هيجان الأخلاط التي في جسده، ولبعض علماء النفس موقفٌ سلبي تجاه هذه الرؤى أيضًا، قاربوا فيه قيلَ الفلاسفة فجعلوها خليطًا من الأمزجة والرواسب التي تكمُن في ذاكرة الإنسان فيهيِّجها المنام، حتى قصروا أمرَها في قالب مادي بيولوجي صِرْف كما زعموا.
    وأما شريعة الإسلام فإن علماءَها وأئمتَها قد ساروا على منهاج النبوة، ووقفوا من الرؤى بما نصَّ عليه الكتاب والسنة، فذهبوا إلى أن الرؤيا المنامية الصالحة الصادقة إنما هي حق من عند الله، فمنها المبشِّرة ومنها المنذِّرة؛ لما روى مالك في الموطأ وغيره عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ذهبت النبوة وبقيت المبشِّرات)، قيل: وما المبشِّرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له)، وأصل هذا الحديث في البخاري.
    والتبشير هنا يحتمل التبشير بالخير والتبشير بالشر، كما قال الله تعالى عن الكفار: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران:21].
    وهذه الرؤيا هي التي قال عنها الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه-: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) الحديث رواه البخاري ومسلم.
    لقد تكالبت همم كثير من الناس في هذا العصر بسبب الخواء الروحي الذي يتبعه الجزع والفَرَق، ونأيُ النفس عن تعلقها بالله، وإيمانها بقضائه وقدره وبما كان ويكون وأن شيئًا لن يحدث إلا بأمر الله ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، حتى لقد تعلَّقت نفوسهم بالرؤى والمنامات تعلُّقًا خالفوا فيه من تقدَّمهم في الزمن الأول من السلف الصالح، ثم توسَّعوا فيها، وفي الحديث عنها والاعتماد عليها، إلى أن أصبحت شغلَهم الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع بل والقنوات الفضائية، إلى أن طغت على الفتاوى الشرعية، فأصبح السؤال عن الرؤى أكثر بأضعافٍ عن السؤال في أمور الدين وما يجب على العبد وما لا يجب، كل ذلك إبان غفلةٍ ووسْنةٍ عما ينبغي أن يقِفه المؤمن تجاهَ هذه الرؤى، وأن هناك هديًا نبويًا للتعامل معها، ينبغي أن لا يتجاوزه المرء فيطغى، ولا يتجاهله فيعيى؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- تركنا على المحجة البيضاء، فأغنانا في الحديث عنها عن إتعاب النفس في التعلق بها والسعي الدؤوب في معرفة تأويلها، بلْهَ التعلق بها والاعتماد عليها، وما تهافتُ الناسِ في السؤال عنها بهذه الصورة المفرطة إلا لونٌ من ألوان الخروج عن الإطار المرسوم والتوازن المتكامل، فتجد أحدَنا يرى الرؤيا أيًا كانت، فتضطرب لها حواسُّه، وترتعد منها فرائصُه، وتُحبس أنفاسه، فلا يطفئ ذلك إلا البحث بنهمٍ عن عابر لها ليعبِّرها، حتى يظهر له أشرّ هي أم خير، ولو وقف كل منا عند الهدي النبوي مع الرؤى لما رأينا مثل هذه الجلبة ولا مثل هذا التعلّق الشاغل الذي استثمرته بعض المجامع والمنتديات فضلًا عن الفضائيات التي جعلته وسيلة جلبٍ واستقطاب لمشاهديها من خلال هذا الطعم المهوِّع.
    ولأجل أن نقف جميعًا على صورة مثلى للتعامل مع الرؤى المتكاثرة، فلنستمع إلى جملة من الآداب المرعية تجاه هذه الظاهرة الناخرة في المجتمع، فقد روى مسلم في صحيحه أن أبا سلمة قال: كنت أرى الرؤيا أُعرَى منها ـ أي: أمرض منها ـ غير أني لا أزَمَّل حتى لقيتُ أبا قتادة، فذكرت ذلك له، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلمًا يكرهه، فلينفث عن يساره ثلاثًا، وليتعوّذ بالله من شرها، فإنها لن تضرّه)، وفي رواية عند مسلم أيضًا قال أبو سلمة: "إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من جبل، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث، فما أباليها".
    ومن هنا فما كل ما يراه النائم يُعدُّ من الرؤى التي لها معنى تُفَسَّر به؛ إذ إن ما يراه النائم في منامه يتنوّع إلا ثلاثة أنواع لا رابع لها، كما عند ابن ماجه في حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).
    يقول البغوي -رحمه الله-: "في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله -عز وجل-، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها".
    ومثال هذه الأضغاث ما رواه مسلم في صحيحه أن أعرابيًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددتُ على أثره!! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي: (لا تحدِّث الناس بتلعّب الشيطان بك في منامك).
    فأما موقف المرء من هذا النوع من الرؤى وهو الغالب على حال الكثيرين، فإنه قد جاء في السنة آداب خاصة به في أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما، وهي:
    · التعوُّذ بالله من شر هذه الرؤيا ومن شر الشيطان.
    · وأن يتفل الرائي حين يهُبّ من نومه ثلاثًا عن يساره.
    · وأن لا يذكرَها لأحد أصلًا.
    · وأن يصلي ما كُتب له.
    · وأن يتحوّل من جنبه الذي كان عليه.
    · وزاد بعض أهل العلم قراءةَ آية الكرسي؛ لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من قرأها لا يقربهُ شيطان.
    وهذا النوع من الرؤى إنما هو من الشيطان، يقول النووي رحمه الله: "وينبغي أن يجمع الرائي بين هذه الآداب كلها، ويعمل بجميع ما تضمنته الروايات، فإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها -بإذن الله-، كما صرحت بذلك الأحاديث".
    وأما النوع الثاني من الرؤى فهو ما يحدِّث به المرء نفسَه في يقظته، كمن يكون مشغولًا بسفر، أو تجارة، أو نحو ذلك، فينام فيرى في منامه ما كان يفكِّر فيه في يقظته، وهذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها.
    فلا يبقى إلا النوع الثالث وهو الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله، وهي التي تكون بشارة أو نذارة، وقد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل، كما رأى إبراهيم -عليه السلام- أنه يذبح ابنَه في المنام، وقد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبُرها، كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف -عليه السلام-. وهذا النوع هو الذي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُقصّ إلا على عالم أو ناصح، فقد قال -صلوات الله وسلامه عليه-: (لا تُقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح) رواه الترمذي.
    وما عدا ذلك من الرؤى التي تتعلق بإثبات شيء من أحكام الشريعة في حلال أو حرام، أو فعل عبادة، أو تحديد ليلة القدر مثلًا، وهي التي أرِيَها النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أُنسيَها، أو تلك الرؤى التي ينبني عليها آثار متعدية تتعلق بحقوق الناس وحرماتهم وإساءة الظنون بهم من خلال بعض الرؤى مثلًا، أو الحكم على عدالتهم ونواياهم من خلالها، فإن ذلك كلَّه من أضغاث الأحلام، ومن الظنون التي لا يجوز الاعتماد عليها في قول جمهور أهل العلم، كالشاطبي، والنووي، وابن تيمية، وابن القيم وابن حجر، وغيرهم.
    وقد ذكر الشاطبي -رحمه الله- في كتابة الاعتصام: أن الخليفة المهدي أراد قتل شُرَيك بن عبد الله القاضي، فقال له شُرَيك: ولِم ذلك ـ يا أمير المؤمنين ـ ودمي حرام عليك؟! قال: لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلِّمُك وأنت تكلِّمني من قفاك، فأرسلت إلى من يعبِّر، فسألته عنها فقال: هذا رجل يطأ بساطَك وهو يُسِرّ خلافَك، فقال شُرَيك: يا أمير المؤمنين، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تسفَك بالأحلام، فنكَّس المهدي رأسه وأشار إليه بيده أن اخرُج، فانصرف.
    وقد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن بعضهم رأى في المنام الشافعيَّ -رحمه الله_، فقال له: كذبَ عليَّ يونس بن عبد الأعلى في حديث، ما هذا من حديثي ولا حدثتُ به، فقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- معلِّقًا على هذا الكلام: "يونس بن عبد الأعلى من الثقات لا يُطعن فيه بمجرد منام". وقد نقل الذهبي -رحمه الله- عن المروزي قال: أدخلتُ إبراهيمَ الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وكان رجلًا صالحًا، فقال: إن أمي رأت لك منامًا هو كذا وكذا، وذكرت الجنة، فقال: يا أخي، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج إلى سفك الدماء، وقال: الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه.
    إن من باب الإنصاف والمصارحة والنصح أن لا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على آحاد الناس فحسب، بل لا بد من تعدية الأمر إلى العابرين أنفسهم الذين يعبُرون الرؤى، إذ عليهم مسؤولية عظمى تجاه الرائين.
    فلا بد للعابر:
    *أن يكون عالمًا بهذا العلم العظيم.
    *وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان.
    *وأن لا ينصِّب نفسه للفُتْيَا في الرؤى ويتطلَّع إليها، لا سيما عبر الشاشات وفي المجامع الكبيرة. فتعبير الرؤى قرين الفُتْيَا وقد قال الملك: {يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَـٰىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}[يوسف:43]، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
    *ثم إن على العابرين أن لا يتسارعوا في التعبير، وأن لا يجزموا بما يعبرون.
    * وأن يعلموا خطورةَ هذا الجانب وما يوصله إليه من الافتتان، والإعجاب بالنفس، وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم.
    وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سُئل: أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يُلعب؟!.
    وقد نقل ابن عبد البر أيضًا عن هشام بن حسان أنه قال: كان ابن سيرين يُسئل عن مائة رؤيا، فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله، وأحسن في اليقظة، فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.
    فإذا كان هذا هو قول إمام المعبِّرين في زمانه وما بعده من الأزمان، فما الظن بمن جاء بعده؟! إننا لنسمع بالمعبِّر يُسئل عن ألف رؤيا لا تسمع مرةً يقول: لا أدري، أو يقول: هذه أضغاث أحلام، أو يقول: هذه حديث نفس، إلا من رحم ربك.
    *كما أن على العابرين أن يدركوا خطورةَ تعبير الرؤى من خلال الشاشات التي يراها الملايين من الناس، وكذا المجامع الممتلئة بالحشود، وذلك للأمور التالية:
    أولها: أن الانفتاح المطلق بالتعبير نوع فتنة من أجل حديثه في أمور الغيب، لا سيما أن أحدًا لا يستطيع أن يجزم بصحة ما يقول العابر من عدمه، إلا من رأى ذلك في واقعه، وهذا شبه متعسِّر عبر الشاشات.
    وثانيها: تعذُّر معرفة حال الرائي عبر الشاشات والمجامع من حيث الاستقامة من عدمها، وهذا له صلة وثيقة بتعبير الرؤيا، فابن سيرين سأله رجلان كل منهما رأى أنه يؤذِّن، فعبَّرها للصالح منهما بالحج لقوله تعالى: {وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ}[الحج:27]، وعبَّرها للآخر بأنه يسرق لقوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}[يوسف:70]، والشاطبي -رحمه الله- يقول في مثل هذه الحالة: "فمتى تتعيَّن الصالحة حتى يُحكم بها وتترك غير الصالحة؟!".
    وثالثها: عدم إدراك عقول الناس لطريقة بعض العابرين للرؤيا؛ لا سيما عبر الشاشات والمجامع بحيث يكون تعبيرهم بصورة تجعل المستمع الجاهل لأول وهلة يقول: هذا تكهُّن أو تخمين أو عرافة، ونحن قد أُمِرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، فقد أخرج البخاري في صحيحه قول علي -رضي الله عنه-: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله؟!"، وعند مسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ما أنت محدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة".
    رابعها: أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، فالمفسدة من خلال التعبير عبر الشاشات أشد من مصلحته؛ لأمور لا تخفى على متتبِّعها، لا سيما أنها في أمور غيبية وأنها كالفتوى، والسلف الصالح كانوا يتدافعون الفتوى ما استطاعوا، ناهيكم عن بعض الفساد المتحقق من خلال ما يشاهد ويسمع من تعبير رؤيا لفتاة مثلًا بأنها ستفشل في نكاحها، أو لامرأة تعبَّر لها بأن زوجها تزوج عليها سرًّا بامرأة أخرى، فما ظنكم بحال الأولى والأخرى؟! فهذه تترقَّب الفشل في كل حين مع ضيق نفسها وانشغال بالها، وتلك باهتزاز كيانها، والشك في زوجها المرة تلو الأخرى، ناهيكم عمن يرينَ مثل هذه الرؤى، فيكتفين بما سمعنَه من تعبير لغيرهم فيقِسن عليه دون الرجوع إلى عابر عالم اكتفاءً بما سمعنَه أو شاهدنَه، فتكون الطامة حينئذ، وقولوا مثل ذلك فيما يراه الرجال والشباب.
    وأما ما يحتج به بعض الناس من أن مسلمًا روى في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان كثيرًا ما يسأل أصحابه بعد الفجر فيقول: (من رأى منكم رؤيا؟)، فالجواب على هذا من وجوه:
    الوجه الأول: أن هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتعبيره حق لا يشوبه شائبة.
    الوجه الثاني: أن تعبيره كان في مسجد يحضره عدد ليس كالأعداد التي تعَدُّ بالملايين حينما تشاهد التعبير عبر الشاشات، وما ظنكم بحضور عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة العقلاء الفضلاء مقارنةً بحضور عند غيره -صلى الله عليه وسلم- ؟! فأين الثرى من الثريا؟!
    الوجه الثالث: أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة، كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم من التابعين أنه كان يفعل في المسجد، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل، لا سيما أبو بكر -رضي الله عنه-، وقد شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه عارف بتعبير الرؤى، وهو معدود من المعبِّرين عند كثير من أهل العلم.



    للشيخ: سعود بن إبراهيم الشريم

     
  2. #2
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    51
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26547

    افتراضي رد: الرؤى والأحلام في ميزان الإسلام

    جزاك الله خيرا .. مع الشكر والتقدير

     
  3. #3
    المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute المودة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية المودة
    تاريخ التسجيل
    17 / 08 / 2004
    العمر
    32
    المشاركات
    20,806
    معدل تقييم المستوى
    26158

    افتراضي رد: الرؤى والأحلام في ميزان الإسلام

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ... تحياتي .

     
  4. #4
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    51
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4386

    افتراضي رد: الرؤى والأحلام في ميزان الإسلام

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    مشكورين بارك الله فيكم

     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك