المقدمة:
البهاق هو مرض جلدي مزمن، يتميز بظهور بقع فاقدة للون، بلون أبيض عاجي، وبأحجام وأشكال مختلفة. وقد تترافق هذه البقع أحياناً مع فقدان لون الشعر( ابيضاض الشعر).
قد تكون هذه البقع البيضاء موضعة أو منتشرة على كامل الجسم، وتصيب كافة الأعمار، من سن الطفولة وحتى سن الشيخوخة. ولا يوجد عمر محدد لبدء نشوء المرض إلا أنه أشيع ما نشاهده في سن البلوغ.
ينتشرمرض البهاق في كافة العروق والمجتمعات، يحدث بنسبة 0.5- 1% من مجمل تعداد سكان العالم. وهذه النسبة تختلف بإختلاف المجتمعات ، ولا توجد دراسات دقيقة عن نسبة حدوثه في بلداننا العربية.
يحتل مرض البهاق أهمية خاصة في مجتمعاتنا العربية، فهناك خوف أو حتى رعب من إصابة أحد أفراد العائلة بهذا المرض. حيث تنظر بعض المجتمعات العربية لمريض البهاق نظرة دونية ، وقد يتطور لعدم الزواج أو المصاهرة من العائلة التي تحوي أحد أفرادها مصاباً بهذا المرض.
وهذا ما ينعكس على المريض نفسه كشعوره بالعار والاحباط ، وقد يتطور للإكتئاب والعزلة عن المجتمع.
لذلك هناك مفاهيم شعبية خاطئة تتعلق بهذا المرض الحميد،وسأطرح في هذه المقالة المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالبهاق على شكل أسئلة وسأجاوب عليها تباعاً.
هل البهاق هو نفسه البرص..!! وما الفرق بينهما ؟؟؟
من الاسئلة الشائعة جداً لمريض بهاق يزورالعيادة للمرة الأولى ، هل البهاق هو البرص ؟ وعند إجابتي بلا ، فيقول المريض ما الفرق بينهما ؟؟
هناك لغط كبير في استخدام كلمة البرص، في حقيقة الأمر استخدمت كلمة البرص عبر التاريخ الطبي لتعبر عن مرضين:
أولاً: تعني كلمة البرص في قاموس المورد مرض Leprosy أي الجذام.
وكذلك وردت كلمة الأبرص في الكتب السماوية: ففي القرآن الكريم ورد لفظ الأبرص في موضعين ، في سورتي آل عمران والمائدة، ضمن الخوارق التي أيد الله سبحانه وتعالى بها السيد المسيح عليه السلام لتكون لقومه آيه على أنه مؤيد من الله القادر على كل شيء.
كذلك ورد لفظ الأبرص في الإنجيل (اصحاح مرقس 1: 40-42) يذكر فيها شفاء السيد المسيح رجل مصاب بالبرص من على فراش الموت.
مما سبق نرى أن كلمة البرص تدل على مرض الجذام الخطير الذي قد يتظاهر في بعض أنواعه ببقع جلدية فاقدة للون ( شكل 1) وقد تتطور إلى اصابات عصبية وجهازية مميتة ، والجذام مرض إنتاني ينتقل بالعدوى وأصبح نادراً جداً في أيامنا هذه.
شكل 1 : مرض الجذام
ثانياً: المعنى الآخر لكلمة البرص فيطلق على مرض المهق Albinisim ، وهو مرض وراثي ولادي ( تكون خطر الإصابة للأطفال 25% إذا وجد الجين(المورثة) المُسبب عند كلا الوالدين).
ينتج مرض المهق عن خلل في انتاج صبغة الميلانين في الجلد والشعروالعينين، فيتظاهر بنقص تصبغ ولادي يصيب الجلد والشعر(شكل2) مع أعراض عينية ( نقص الرؤيا ، رأرأة ـ تحرك كرتي العين بشكل أفقي وعفوياً- )
شكل 2 : مرض المهق
بالمقابل فإن البهاق Vitiligo هو مرض جلدي يصيب فقط الجلد(شكل 3) وأحيانا الشعر(شكل4) دون وجود اصابات عصبية أو جهازية مميتة كما في الجذام ، وبدون أيضاً من وجود اصابات عينية شائعة كما في المهق الذي تتميز الاصابة به أيضاً بأنها ولادية وهذا لا يميز مرض البهاق.
نستنتج مما سبق أن كلمة البرص لا تدل على مرض البهاق .
شكل 3 : مرض البهاق في الوجه
شكل4: بهاق موضع في منطقة الحاجب الأيمن مع ابيضاض الشعر
هل البهاق مرض وراثي؟
كثير ما نُسأل عن هذه النقطة شديدة الأهمية والحساسية بالنسبة للمرضى، للإعتقاد الخاطىء عن كون هذا المرض وراثي وبالتالي الحكم على الشخص المصاب أو حتى عائلته بالعزلة ، وعدم التزاوج منها أو مصاهرتها كما أسلفت بالمقدمة.
في الحقيقة أن السبب المباشر للبهاق غير واضح، لكن يمكننا القول أن مرض البهاق يحدث نتيجة لعدة عوامل ، وقد يكون منها العامل الوراثي ، لكن لا يمكن اعتباه وراثي بالمعنى الصريح لكونه لا يخضع لقوانين مندل الوراثية، ولكن نستطيع القول أنه مرض عائلي حيث أنه قد يصيب أكثر من شخص من نفس العائلة ومن دون وجود رابط مورثي واضح.
وكما ذكرت سابقاً أن مرض البهاق هو مرض متعدد العوامل ، لكن تعتبر آلية المناعة الذاتية Autoimmune هي الآلية المقبولة علمياً في تفسير آلية حدوث مرض البهاق من دون تحديد واضح للمُسبب. ويكن تلخيص هذه الآلية بأن الجسم يهاجم عن طريق أضداده الخلايا الميلانينية (الصبغية) الموجودة في الجلد، حيث لا يتعرف عليها الجسم ويعاملها كجسم غريب عنه بدون معرفة السبب المباشر في ذلك.
هل البهاق مرض معدٍ؟؟
من الإجابة السابقة نستنتج أن البهاق ينشأ عن خلل في مناعة الجسم من دون أن يكون للعوامل الخارجية كالفيروسات والبكتريا أو حتى الطفيليات دور في ذلك . لذلك فالبهاق هو مرض ذاتي محدد للشخص المصاب به من دون أن يكون له قابلية العدوى للمجتمع المحيط به...
وأعود وأوكد أن البهاق ليس مرض الجذام الذي ينتج عن العدوى بنوع من البكتريا وتترقى الإصابة بالجذام من الإصابة الجلدية إلى الإصابة العصبية والجهازية.
هل ينتج مرض البهاق عن نقص الفيتامينات...؟؟ وهل تعويضها يحسن من مرض البهاق!! ؟؟؟
أيضاً من الأسئلة الشائعة والمهمة في فهم مرض البهاق.
أظهرت بعض الدراسات ترافق البهاق مع نقص فيتامبن B12 ومع نقص حمض الفوليك ، لكنها لم تستطع إثبات أن تعويض هذه الفيتامينات لوحدها - بدون أي علاجات مرافقة أخرى- يؤدي لشفاء البهاق.
في حين ذكرت دراسات أخرى أنه قد تساعد وتسرع مشاركة هذه الفيتامينات مع علاجات مختلفة للبهاق، من نتائج علاج مرضى البهاق.
نستطيع القول أنه لحد الآن لا توجد دراسات كافية تثبت دور نقص الفيتامينات كسبب نشوء مرض البهاق ، بالإضافة لا توجد دراسات تؤكد أن إعطاء الفيتامينات يفيد في الشفاء من مرض البهاق.
هل التعرض لأشعة الشمس يفاقم ويزيد من مرض البهاق؟
لا يؤدي عادةً التعرض اليومي والمؤقت لأشعة الشمس لتفاقم البهاق أو زيادة انتشاره. لكن التعرض الشديد لأشعة الشمس قد يؤدي لحدوث حروق شمسية ، وهذه قد تتطور لتشكل بقع بهاقية ، وخاصة في حالات البهاق النشيط وغير المستقر . وهذا ما نسميه ظاهرة كوبنر.
بالإضافة أن أشعة الشمس تزيد من اسمرار الجلد الطبيعي المحيط ببقع البهاق ، وهذا ما يؤدي لزيادة في وضوحية بقع البهاق.
لذلك ننصح بإستخدام الواقيات الشمسية لمرضى البهاق، وخاصةً في حالات التعرض الطويل لأشعة الشمس.
هل يوجد أنواع من البهاق أم هو نوع واحد عند جميع المرضى ....؟؟؟؟
من الأسئلة الشائعة والهامة أيضا ....
حيث جرى تصنيفه بالإعتماد على أماكن توضعه وانتشاره، ليعطينا فكرة عن تطورومستقبل المرض...
حيث تم تقسيم المرض الى مجموعتين رئيسيتين هما : البهاق المقطعي والبهاق اللامقطعي ....
سنتحدث عنهما بشيء من التفصيل :
أولا: البهاق المقطعي شكل 5 )يتميز البهاق المقطعي من تسميته بأنه يتطور في منطقة أو جهة واحدة من الوجه ( معظم الحالات ) و/ أو الجسم ...
يبدأ في أعمار مبكرة نسبيا، ويتطور بسرعة خلال أشهر قليلة، وبعدها يثبت غالبا من دون ظهور بقع جديدة في أماكن أخرى من الجسم...
ثانيا: البهاق اللامقطعي: وهو النوع الأكثر شيوعا ويمكن تقسيمه أيضا الى :
الموضع : يتظاهر على شكل بقع محددة من الجسم .
الوجهي الطرفي: (شكل6) في الوجه والأطراف ويعف غالباً عن الجذع.
الشائع المنتشر: يتظاهر على شكل بقع منتشرة في أماكن مختلفة من الوجه والجسم.
المعمم شكل 7) ويشكل انتشار البهاق أكثر من 50% من مساحة الجسم .
شكل5: بهاق مقطعي
شكل 6 : بهاق طرفي متوضع في اليدين
شكل7: بهاق معمم
البهاق مرض لا يشفى أبداً ...!!!!
يساعدنا التصنيف المذكور أعلاه على فهم طبيعة المرض، بالرغم من عدم قدرتنا على التنبؤ بدقة بمستقبل وتطور مرض البهاق.
فجميع العلاجات المستخدمة سواء الدوائية ،العلاج الشعاعي ، أو حتى الليزر (اكزايمر) فهي علاجات تركز على علاج البقع الموجودة لكنها لا تمنع من ظهوربقع بهاقية جديدة أو نكس للبقع القديمة.
حتى العلاج الشعاعي - الذي يعالج الجسم ككُل- أو حقن الستروئيدات داخلاً ، فهي تسيطر على المرض مؤقتاً دون علاجه بشكل دائم مستقبلاً....
ويعزى ذلك لعدم فهمنا الدقيق للمُسبب في مرض البهاق.
يبقى أن نشير الى نقطة مهمة في العلاج ، المناطق التي تحتوي على أشعار أو أوبار غزيرة كالوجه والصدر تكون استجابتها جيدة جدا على العلاج ، بعكس المناطق خالية الشعر كالوجه الظهري لليدين والقدمين ، فتكون الاستجابة في مثل هذه الحلات أقل وأبطأ .
لكون علاجاتنا تحرض الخلايا الصباغية للشعرة الموجودة ضمن البقع البهاقية ، لذلك نلاحظ مع العلاج بقع مصطبغة حول الجريب الشعري ، وهذه البقع تتوسع بالتدريج لتغطي كامل البقع البهاقية مع الاستمرار بالعلاج.
الخلطات الشعبية ... هل تفيد في علاج مرضى البهاق؟؟؟
غالباً ما تحتوي مثل هذه الخلطات الشعبية على الستروئيدات الموضعية (الكورتيزون). لذلك مفعولها ليس سحري كما يعتقد المرضى - الذين قد يلجؤون لمثل هذه العلاجات بعد فشل العلاجات الطبية-
على ضوء هذا لا ننصح مرضانا بإستخدام مثل هذه العلاجات ، لأن استخدام مواد تحتوي على الكورتيزون ولفترات طويلة قد يؤدي لإمتصاصه جهازياً وبالتالي لمضاعفات داخلية خطيرة أكثر أهمية من مرض البهاق بحدّ ذاته.
أود أن أوكد في النهاية أن البهاق مرض جلدي سليم ، ليس له أي تأثيرات على أي من أعضاء الجسم المختلفة. مشكلته فقط هي المشكلة الجمالية (اللون). وهو يستجيب على العلاج بنسب ومدة متفاوتة بالإعتماد على نوعه و توضعه.
إعداد : د. رامي يعقوب ( أخصائي بالأمراض الجلدية )
عيادات لايت، جدة.
تابعونا عبر تويتر للحصول عن مقالات طبية تختص بكلا من :
الأمراض الجلدية والبهاق والصدفية @ncvp_clinic
علاج توحيد اللون لمرضى البهاق البهاق بالتبييض @Depigmentation1
العناية بالبشرة والشعر @light_clinic
مواقع النشر (المفضلة)