المؤمن إنسان ذو قلب رحيم، لأن مثله الأعلى أن يتخلق بأخلاق الله تعالى، وأن يكون له حظ من أسمائه الحسنى.
ومن أوضح الأخلاق الإلهية «الرحمة» التي وسعت كل شيء، وشملت المؤمن والكافر، والبر والفاجر، واستوعبت الدنيا والآخرة. وقد قرَّب الرسول لأصحابه هذا المعنى -على طريقته في انتهاز الأحداث والمناسبات فرصاً لغرس المبادئ، والمعاني التي يريدها- حين قدموا عليه مرة بسبي، وإذا امرأة تسعى، قد تحلب ثديها، إذ وجدت صبياً في السبي، فأخذته فألزقته ببطنها فأرضعته؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا -وهي تقدر على ألا تطرحه- قال: فالله أرحم بعباده من هذه بولدها" رواه البخاري.
من أبرز أسماء الله الحسنى اسما «الرحمن الرحيم» وهما أشهر الأسماء بعد لفظ الجلالة «الله» والمؤمن بالقرآن كلما تلا كتاب الله أو بدأ سورة منه، افتتحها بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» في مائة وثلاث عشرة سورة منه.
وحسبنا أن يردد هذين الاسمين في صلاته المكتوبة ما لا يقل عن أربع وثلاثين مرة في اليوم فهو كلما أدى ركعة قرأ فاتحة الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم) (الفاتحة: 1 - 3) وهي سبع عشرة ركعة في الصلوات الخمس المفروضة على المسلم في يومه، فإذا أدى السنن زاد ضعف ذلك، فإذا رغب في النافلة، زاد ما شاء الله أن يزيد.
ولهذين الاسمين الكريمين «الرحمن الرحيم» إيحاء قوي في نفس المؤمن، فضلاً عما توجبه عليه عبوديته لله أن يكون له حظ من أسمائه تعالى.
وللإمام الغزالي كتاب سماه «المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، يشرح فيه الاسم الإلهي ثم يعقب بما يمكن أن يكون حظ الإنسان من هذا الاسم، وبعد أن شرح معنى الاسمين «الرحمن الرحيم» قال: وحظ العبد من اسم «الرحمن» أن يرحم عباد الله الغافلين، فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله بالوعظ والنصح بطريق اللطف دون العنف، وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة، لا بعين الإيذاء، وأن يرى كل معصية تجري في العالم كمعصية له في نفسه، فلا يألو جهداً في إزالتها بقدر وسعه، رحمة لذلك العاصي من أن يتعرض لسخط الله تعالى، أو يستحق البعد عن جواره.
"وحظ العبد من اسم «الرحيم»: ألا يدع فاقة لمحتاج إلا ويسدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيراً في جواره أو في بلده، إلا ويقوم بتعهده ودفع فقره، إما بماله أو جاهه، أو الشفاعة إلى غيره، فإن عجز عن جميع ذلك، فيعينه بالدعاء، وإظهار الحزن، رقة عليه وعطفاً، حتى كأنه مساهم له في ضره وحاجته