يخوض الغرب اليوم حرباً عابرة للحدود ضد ما يسميه الإرهاب، وتسمح حكومة الولايات المتحدة لنفسها باسم تلك الحرب أن تنتهك سيادة الدول وأن تتدخل حتى بالمناهج الدراسية زاعمةً أن بعضها يروج للإرهاب. وفي أمريكا نفسها، بات الأمريكيون أقل حريةً وأقل قدرةً على معرفة ما تقوم به حكومتهم في ظل حزمٍ من القوانين المتشددة التي سنت بذريعة مكافحة الإرهاب. أما خارج أمريكا، فقد دفع الملايين ثمن هذه "الحرب على الإرهاب" من دمهم وحريتهم واستقرارهم وحجارة بيوتهم. فالحرب على العراق وأفغانستان شنتا باسم "محاربة الإرهاب" أيضاً، وكذلك الحرب في كولومبيا وغيرها، وبينما تتصاعد التدخلات الأمريكية بلا حسيبٍ ولا رقيب، تصبح المصالح الأمريكية نفسها أقل استقراراً وأمناً وأقل شعبيةً حول العالم. بل يبدو كأن "الحرب على الإرهاب" هي بذاتها المسبب الأول للإرهاب الذي تزعم أنها تحاربه.



وهي، بالمناسبة، حرب على مفهوم مجرد، وليست حرباً كغيرها فيها حدود وجيوش ودول، فالحرب على الإرهاب تتميز باعتمادٍ أكبر على القوات الخاصة والمخابرات والقوى الأمنية والديبلوماسية والإعلامية. ولكن، ما هو هذا المفهوم المجرد، الإرهاب، الذي تخاض ضده حربٌ بلا حدود؟ ما هو الإرهاب؟ ومن هم الإرهابيون بالضبط؟ فالغرب بات يربط الإرهاب بنظرية "صراع الحضارات" معتبراً أن من أهداف الإرهابيين "زعزعة استقرار البنى الاجتماعية والاقتصادية والدستورية لبلدٍ ما"، كما جاء في التعريف الذي وضعه الاتحاد الأوروبي في 2004 (مجلة القانون الألمانية، 1 أيار / مايو 2004). فقضية "الحرب على الإرهاب" تقدم للغربيين ومنهم كقضية دفاع عن الحضارة والقيم الديموقراطية للمجتمعات الغربية. وبالمقابل، يسهل في مثل هذا السياق وسم كل المقاومين والمدافعين عن القضايا المشروعة ب"الإرهاب". ففي "صراع الحضارات" يصبح "الإرهاب" نتاجاً حتمياً لاختلاف "القيم الحضارية" للمجتمعات، لا لوجود ظالم ومظلوم ومستكبر ومستضعف وغازٍ ومدافع