إننا حين ندعو إلى اللعب، ونشجع الآباء على أن يتيحوا الفرصة لأبنائهم كى يلعبوا و يمرحوا، بل وندعوهم إلى مشاركتهم لعبهم ولهوهم البرىء، فإننا- فى هذه الحالة- نقصد ذلك اللعب الذى يتفق مع الأصول والآداب الإسلامية العامة.

تلك الأصول التى غرسها الصحابة والصالحون- رضى الله عنهم- فى نفوس أطفالهم ، وطبقوها معهم أثناء مشاركتهم لهم اللعب والمرح ، فكان اللعب- بحق- طريقهم إلى خير تربية وأجمل تعليم .

ولأننا نريد اليوم أن نحذو حذوهم ونعيد مجدهم ، فعلينا أن نغرس هذه الأصول والآداب فى نفوس أطفالنا ، وذلك بالكلمة والحكمة والمشاركة العملية لهم .

وخطوة على هذا الطريق ، وعوناً للآباء والأمهات والمربين ، فإننا نعرض لهم بعض هذه الأصول والآداب والله نسأل أن ينفعنا بها جميعاً .


أولاً : النية الصالحة
عن أمير المؤمنين أبى حفص عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ' إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ' رواه البخارى ومسلم.

لقد صدّر البخاري كتابه الصحيح بهذا الحديث وأقامه مقام الخطبة إشارة منه إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له فى الدنيا ولا فى الآخرة ، وروى عن الشافعى أنه قال: [ هذا الحديث يدخل في سبعين باباً من الفقه ] وعن الإمام أحمد أنه قال: [ أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث، أولها حديث عمر : ' إنما الأعمال بالنيات '



ومن هنا كان من الضرورى أن نربى أطفالنا على إخلاص النية لله ، فى كل شئون حياتهم عامة ، وفى اللعب خاصة ، وبذلك تتحول عاداتهم إلى عبادات .



وللعب كثير من النوايا الطيبة التى يمكن غرسها فى نفس الطفل ، منها على سبيل المثال :

1- أننا نلعب لنروح عن أنفسنا ونريحها من عناء المذاكرة ، وفى نفس الوقت فإن هذا اللعب يساعدنا على مواصلة الجد والإجتهاد واتقان العمل.

2- ونحن نمارس الألعاب الرياضية لنقوّى أبداننا ،ولتصح أجسامنا، فتقوى على أداء ما افترضه الله علينا

من أعمال كالصلاة والجهاد والعمل وغيرها.

3- ونحن نلعب لأن اللعب يساعدنا على أن نكون مبتكرين ومخترعين، فنكون بذلك سبباً فى تقدم دولتنا وعزة أمتنا .

4- ونحن نلعب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا وأسوتنا قد شجّع الأطفال على اللعب ، بل وشاركهم اللعب بنفسه- صلى الله عليه وسلم- .

5- ونحن من خلال اللعب نتعرف على أصدقاء جدد، نحبهم ويحبوننا ، ونساعدهم ويساعدوننا ونتعلم منهم ويتعلموا منا.

6- ومن خلال اللعب مع هؤلاء الأصدقاء نتعاون على الخير ، فنذهب إلى الصلاة وقت الأذان ، ونساعد الضعيف، ونعين المحتاج .


ثانياً : الروح الإسلامية
وقفت ذات يوم أرقب مجموعة من الأطفال يلعبون كرة القدم، وكانت الصدمة والمفاجأة أنهم يتصايحون ويصرخون ويتشاتمون أكثر مما يلعبون، كانت الكرة لا تكاد تلمس قدم واحد منهم حتى يصرخ الجميع فى صوت واحد، ما بين مشجع ومعترض وصاخب وشاتم وطالب حق فى اللعب.

فقلت في نفسى: إن أطفالنا لم يخلقوا هكذا طبعاً، بل هم ولدوا مثل غيرهم من أطفال العالم عجائن طيعة سهلة التشكيل والتوجيه ، ولكنهم فتحوا أعينهم على مجتمع يصرخ بأعلى صوته ، أكثر مما يعمل أى شىء آخر.

إنهم ينقلون عنّا نحن الكبار عيوبنا ليحملوها على كاهلهم ، ثم يورثوها لأبنائهم من بعدهم ، وهذه جريمة جماعية يجب أن تؤرق ضمائرنا أكثر مما يؤرقها أى شىء آخر.



وجلست أفكر في كيفية الخروج من هذا المأزق، وإذا بى أقرأ هذا الحديث الذى رواه الإمامان أحمد، والبخاري عن أنس- رضى الله عنه- قال: ' كان للنبى صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء ، وكانت لا تسبق ، فجاء أعرابى على قعود له فسبقها ، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبقت العضباء، فقال صلى الله عليه وسلم : إن حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه '



وأخذت أتأمل في هذا الحديث طويلاً ، حتى شعرت أن النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار يقدمون لنا درساً عملياً ، وحلاً واقعياً للمشكلة التى نحن فيها، ففى غمرة السباق ، كانت الأنظار كلها تتعلق بالعضباء [ ناقة النبي صلى الله عليه وسلم] ، رغبة فى فوزها ،وأملا فى سبقها، ولكن .. قدّرالله ألا تسبق ، وهنا يتجلى أدب الصحابة الجم، فلم نسمع كلمة خارجة ، ولا حتى إشارة غير مقبولة ، كل ما حدث أن الأمر قد اشتد على المسلمين فحزنوا وقالوا : ' سُبقت العضباء' ، وهنا يعلمهم سيد الأنبياء [ صلى الله عليه وسلم ] – ويعلمنا من بعدهم- درساً بليغاً فى التحلى بالخلق السمح ، والأدب الجميل ، وذلك بقوله [ صلى الله عليه وسلم ] – وهو صاحب الناقة التى سُبقت – ' إن حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه ' .

فهذه حكمة جامعة ترشد المسلمين – صغيرهم وكبيرهم- إلى عدم التحزّب أو التعصّب ، بل إنها دعوة جميلة إلى ما يسمى اليوم بالروح الرياضية ، وما نؤثر أن نسميه بالروح الإسلامية ، التى تتقبل النصر على أنه فضل الله ومنته ، والهزيمة على أنها قدر الله وحكمته ، هذه الروح الإسلامية التى شعارها الخلق ، وطريقها التسامح ، وأساسها الإخوّة والمحبة .

إن الحل أيها الآباء ما زال – بعد عون الله- فى أيدينا ، فلنعد بأبنائنا إلى هذه الروح الإسلامية ، التى تغير اللعب من السيئ إلى الحسن ، ومن الضار إلى النافع ، حينما يكون اللعب وسيلة تربوية أصيلة ، كما كان على عهد النبى [صلى الله عليه وسلم ] وصحابته الأبرار.


ثالثاً : لا للرهان
قد تأخذ الحماسة أطفالنا أثناء اللعب ، فيقول أحدهم لصاحبه : هيا بنا نتسابق ولكن بشرط ، إن سبقتنى أعطيتك كذا من المال أو جائزة ، وإن سبقتك تعطينى كذا من المال أو جائزة ، بل ربما يقول أحدهم لزميله : هل تسابقنى وجنيه مقابل جنيه ؟ أى أن الذى يسبق سيأخذ الجنيه الذى دفعه هو ، إضافة إلى الجنيه الذى دفعه صديقه ..وما يحدث فى هذه الحالة ما هو إلا رهان قد حرّمه الإسلام .

وهنا سؤال يطرح نفسه وهو : هل كل أنواع الرهان حرام ؟ ! .. والإجابة على هذا السؤال هى أنه يُستثنى من هذا الرهان المحرم ' الرهان لأجل إعداد وسيلة الحرب والجهاد كالسباق على البعير أو الفرس ، أو من أجل رمى الهدف أو ما يشبه ذلك من وسائل الحرب الحديثة ، لقوله [ صلى الله عليه وسلم ] فيما رواه أصحاب السنن والإمام أحمد : ' لا سبق – أي لا رهان – إلا فى خُفّ أوحافز أونصل [سهام] '..



ولكن يُشترط في هذا الرهان أن يكون الجُعْل الذى يبذل [ أى المكافأة ] من غير المتسابقين أو من أحدهما فقط , كأن تعطى رئاسة الدولة أو الوزارة أو المدرسة أو غيرها مكافأة على سبيل التشجيع من أجل الإستعداد الحربى كالرمى, أو التفوق الرياضى كالمصارعة , أو اللعب بالكرة .. وممايدل على أن هذا حلال ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبى [صلى الله عليه وسلم] : [سَبَّق بين الخيل وأعطى السابق] .



ومن هنا فإن علينا معشر الآباء والمعلمين أن نوضح هذا الأمر لأبنائنا , وننهاهم عن ممارسة الرهان الحرام , ليس هذا فحسب, بل ونشجعهم ونقيم بينهم ذلك الرهان الحلال , كنوع من التشجيع والتحفيز , حتى يشب أبناؤنا أقوياء الجسم , قادرين على البذل والعطاء .



رابعاً: لا ضرر ولا ضرار .

إن أطفالنا عادةً ما يستمتعون باللعب مع الحيوانات والطيور ، فترى أحدهم يصاحب قطاً أو عصفوراً ، ويبادله حباً بحب ومودة بمودة ، بل ربما تجده يحدثه ويحاوره ويحكى له حكاية ، وهذا جيد ومفيد للطفل ، إذ يتعلم الطفل الثقة وعدم الخوف من خلال لعبه مع الحيوانات والطيور، ويتربى على الجود والكرم من خلال إطعامها وتقديم الشراب لها ، وينشأ على الرفق والعطف عن طريق رعايتها والعناية بها .



وفى غمرة مرح الطفل وفرحه باللعب واللهو مع الحيوانات والطيور ، علينا ألا ننسى تطبيق المبدأ النبوى الكريم الذى يقول : ' لا ضرر ولا ضرار '، ويكون ذلك بألا يلعب الطفل مع حيوان يضره أو يؤذيه ، كأن يلعب مع الكلب فيعضه ، أو يسيل لعابه على جسده وملابسه ، فينقل له الأمراض ، أو يصطحبه معه داخل البيت فلا تدخله الملائكة ، فيفتقد البيت إلى الخير والرحمة والبركة.

فقد روى البخاري في صحيحه عن سالم عن أبيه قال: ' وَعَدَ جبريل النبى صلى الله عليه وسلم فراث عليه – أي تأخر - حتى اشتد على النبى صلى الله عليه وسلم فخرج النبى صلى الله عليه وسلم فلقيه خارج الحجرة فشكا إليه ما وجد ، فقال له : إنا لا ندخل بيتاً فيه صورة أو كلب '



ولقد شرح الإمام ابن حجر العسقلانى هذا الحديث قائلاً: ' وعد جبريل النبى صلى الله عليه وسلم – زادت عائشة :' فى ساعة يأتيه فيها ' أخرجه مسلم .. قوله : [ فراث عليه ] أى أبطأ ، وفى حديث عائشة :' فجاءت تلك الساعة ولم يأته ' .. قوله [ حتى اشتد على النبى صلى الله عليه وسلم ] فى حديث عائشة : ' وفى يده عصا فألقاها من يده وقال : ' ما يخلف الله وعده ولا رسله ' وفى حديث ميمونة عند مسلم نحو حديث عائشة وفيه : ' أنه أصبح واجماً ' أى منقبضاً .. قوله : [ فخرج النبى صلى الله عليه وسلم فلقيه فشكا إليه ما وجد ] أى : من إبطائه ، قوله : [ إنا لا ندخل بيتاً فيه صورة ولا كلب ] فى هذا الحديث اختصار ، وحديث عائشة أتم ، ففيه :' ثم التفت فإذا جرو تحت سريره . فقال : يا عائشة متى دخل هذا الكلب ؟ فقالت : وأيم الله ما دريت ، ثم أمر به فأخرج فجاء جبريل ، فقال : واعدتني فجلست لك فلم تأت ، فقال: منعنى الكلب الذى فى بيتك '.

وهناك أضرار أخرى قد تحدث للطفل نتيجة لعبه مع الحيوانات والطيور ، منها أن يتلهى باللعب معها فينسى الصلاة أو المذاكرة أو ما كلف به من أعمال وواجبات فلقد روى أنه كان لشريح ابن يلعب بالكلاب ، وتلهى باللعب معها عن الصلاة ، فكتب شريح إلى معلمه يخبره بذلك فقال:

تََرَكَ الصلاة لأكلبٍ يسعى بها طلب الهراش مع الغواة الرُّجَس

فإذا خلوت فعظه بملامة وعظه وعظك للأريب الكيس

وإذا هممت بضربه فبدرة وإذا بلغت بها ثلاثاً فاحبس



وكما تراعى ألا يُضر الطفل حينما يلعب مع الحيوانات ، فلابد أن نراعى ألا يضرها الطفل حينما يلعب معها ، فلا يضربها ولا يحبسها ولا يقتلها ، ففى الصحيحين عن ابن عمر- رضى الله عنهما- أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه [ أى أقاموه ورفعوه وأخذوا يرمونه بالنبال] وقد جعلوا لصاحب الطير كل من نبلهم ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا ، فقال ابن عمر: من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً [ أى : هدفاً للرماية بالنبال ] .





وهكذا يتبين لنا كيف يكون اللعب مدرسة حقيقية لأبنائنا إذا كان على أصوله .