+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    الامل is on a distinguished road الصورة الرمزية الامل
    تاريخ التسجيل
    07 / 05 / 2007
    الدولة
    الجزائر
    العمر
    31
    المشاركات
    687
    معدل تقييم المستوى
    895

    Smi64 الثورة الجزائرية 3

    3- بيان أول نوفمبر 1954


    وقد سبق العمل المسلح الإعلان عن ميلاد "جبهة التحرير الوطني "التي أصدرت أول تصريح رسمي لها يعرف بـ "بيان أول نوفمبر ".وقد وجهت هذا النداء إلى الشعب الجزائري مساء 31 أكتوبر 1954 ووزعته صباح أول نوفمبر، حددت فيه الثورة مبادئها ووسائلها ، ورسمت أهدافها المتمثلة في الحرية والاستقلال ووضع أسس إعادة بناء الدولة الجزائرية والقضاء على النظام الاستعماري . وضحت الجبهة في البيان الشروط السياسية التي تكفل تحقيق ذلك دون إراقة الدماء أو اللجوء إلى العنف ؛ كما شرحت الظروف المأساوية للشعب الجزائري والتي دفعت به إلى حمل السلاح لتحقيق أهدافه القومية الوطنية، مبرزة الأبعاد السياسية والتاريخية والحضارية لهذا القرار التاريخي. يعتبر بيان أول نوفمبر 1954 بمثابة دستور الثورة ومرجعها الأوّل الذي اهتدى به قادة ثورة التحرير وسارت على دربه الأجيال




    ipsmenu.register( "post-member-240267", '', 'popmenubutton-new', 'popmenubutton-new-out' );



    ثورة الجزائر والمقاومة الفلسطينية التماثل والتمايز
    كان الاعلان عن استقلال الجزائر استنادا للتسوية التي تمت مع فرنسا بقيادة ديغول في مقدمة العوامل التي حفزت العديد من شباب فلسطين للعمل على تشكيل نويات المنظمات الفلسطينية، التي برزت سنة 1963. وهناك مؤشرات كثيرة على أن رواد الحركة الصهيونية، استلهموا من ضمن ما استلهموه تجربة الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر عندما استجابوا للدعوة الاستعمارية باقامة حاجز بشري غريب يفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا، وارتضوا ان يكونوا طليعة اقامة المشروع الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني على التراب العربي في فلسطين .

    وهكذا يكون ما جرى على ارض الجزائر العربية شكل انموذجا للطرفين المباشرين في الصراع الذي فجره اقامة التجمع الصهيوني في الزاوية الحرجة من الوطن العربي: الاباء التاريخيون للمشروع الصهيوني في فلسطين، والجيل الاحدث من قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، مع فارق نوعي في تعاطي الطرفين مع الانموذج موضوع الدراسة والاقتداء. فالرواد الصهاينة، ومن جاء على آثارهم من صناع قرار ومستشارين، درسوا تجربة الاستعمار الاستيطاني الفرنسي من البدايات الاول حتى كتابة آخر سطور التجربة، بالاعلان عن التسوية الاستقلالية سنة 1962، بحيث حاولوا استخلاص الدروس من تجربة اقامة أول مشروع استيطاني استعماري على الأرض العربية، إلى الاسلوب الذي ادارت به فرنسا الصراع وصولا الى التسوية التي ابقى ديغول من خلالها غير يسير من المصالح الفرنسية الاقتصادية والثقافية في الجزائر.

    أما الشباب الفلسطينيون الذين أثار حماسهم نجاح ثوار الجزائر بالوصول الى ما اعتبر يومها "سلام الشجعان"، والذين تدرب العديد منهم عسكريا على ارض الجزائر، وتوافدوا عليها لعقد الجلسة التاريخية للمجلس الوطني الفلسطيني سنة 1988، حيث أعلن قيام "الدولة" وقررت القيادة قبول قرار مجلس الأمن رقم 242. وهؤلاء الشباب، وبخاصة المؤثرين في صناعة القرار، ليس يبدو أن اقتداءهم بالتجربة الجزائرية تجاوز الانفعال بلحظة النهاية التاريخية، واعتماد اسلوب التآمر على رفاق الدرب والغدر بهم، واستخدام شعار "سلام الشجعان" في غير موضعه.

    ويقينا أنه لا مجال مطلقا للمقارنة بين اتفاقية ايفيان، برغم ما أبقت عليه من مصالح فرنسية استغلالية، باتفاق اوسلو سيء السمعة ، الذي ما كان بين "ديغول" صهيوني، و"بن بللا" فلسطيني، ولا هو خضوعا لثورة لم يعد ممكنا قمعها باقصى ما تملكه اسرائيل وعمقها الاستراتيجي من قوة، ولا نتيجة ما تكبدته من خسائر مادية وواجهته من ضغوط ادبية، ووقوف جيشها على حافة الانقسام مما اضطرها الى الدخول في المفاوضات. ولم يعد مجهولا أن رابين عندما اجاز لبيريز اجراء مباحثات اوسلو انما اراد ايجاد سلطة فلسطينية تتحمل مسؤولية ادارة سكان "المناطق" وتقر ضمنا بمشروعية احتلال ما لا زال يعرف صهيونيا بانه "يهودا والسامرة"، وقطاع غزة الذي تمنى رابين لو انه يصحو ذات يوم من نومه ليجد البحر قد ابتلعه.

    وحين تدرس مسيرة السنوات السبعة والثلاثين الماضية يتضح تماما أن أهم ثلاثة دروس في تجربة الثورة الجزائرية لم تستفد منها حركة المقاومة الفلسطينية . إذ لم تقم "الجبهة الوطنية" الممثلة لمختلف القوى الملتزمة بالتحرير والعودة ، ولا هي نجحت في توحيد قوى العمل المقاوم ، الذي ما زال اسير التنافس الفصائلي دون تنسيق جاد ، يستهدي باستراتيجية شاملة مستمرة لادارة الصراع مع العدو . وهما الانجازان الكبيران اللذان امتكلتهما ثورة الجزائر منذ بدايتها الأولى . فضلا عن أنه لم تتم دراسة تجربة التفاوض فيما بين فرنسا والجزائر ، وهي التجربة الغنية التي يبدو ان الصهاينة استوعبوها بشكل جيد كما توحي بذلك ظواهر الأمور في المرحلة الراهنة .

    والذي يتفق عليه العديد من المؤرخين والمحللين السياسيين أن الدبلوماسية الفرنسية عرفت بربح المعارك السياسية بعد خسران المعارك العسكرية. وذلك في تقديري من خلال استغلال شعور الخصم بالنصر وما يحدثه في أوساط نخبه من حالة استرخاء، أبرز معالمها التلهف على قطف الثمار والتمتع بمباهج الحياة بعد طول حرمان. ولقد حاولت الادارة الفرنسية في الجزائر، كما الحكومة في باريس، الوصول الى تسوية مبكرة من خلال الاحزاب ، كما حدث في تونس مع بورقيبة والجناح المساوم في الحزب الدستوري. إذ دعت الاحزاب الجزائرية مع انطلاقة الثورة لاستخدام نفوذها في احلال الهدوء. وهو الأمر الذي حال دونه نجاح الثوار –بدعم القاهرة– في تشكيل "جبهة التحرير الوطني" في شباط / فبراير 1955، وبحيث احتوت الجبهة كل القوى السياسية والحزبية، مما جنبها التعثر في أي مناورات داخلية أو خارجية.

    وبعد أن فشلت محاولة التهدئة الاولى طرحت في مطلع عام 1957 ، ومن خلال التنسيق فيما بين ادارة الرئيس الامريكي ايزنهاور، وحكومة جي موليه الفرنسية، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وولي عهد المغرب الأمير الحسن –الملك الحسن فيما بعد– فكرة اجراء انتخابات في الجزائر بزعم أن في ذلك ابطال حجة فرنسا بعدم وجود هيئة رسمية للتفاوض معها. وقد عرضت الفكرة على عبدالناصر ليقوم بالطلب الى السكرتير العام للامم المتحدة كي يوجه نداء لكل من فرنسا وثوار الجزائر لوقف اطلاق النار لفترة معينة، ليتم اجراء الانتخابات. ونقل الموفد العربي الى عبدالناصر القول بأنه إذا رفضت فرنسا ذلك، وهو أمر وارد، تكون القوى العربية قد وجهت ضربة سياسية لفرنسا وكشفت موقفها المتعسف، وأكسبت ثوار الجزائر تعاطف الراي العام العالمي، وبخاصة أمريكا التي يهمها اجراء الانتخابات ووضع حد للصراع العسكري، وأن الادارة الامريكية ستقوم بمساعدة الجزائر ودول المغرب العربي في حال نجاح ذلك المسعى.

    وكانت الثورة يومها قد اتسع اطارها وشملت كل نواحي الجزائر، فيما كانت قيادة جيش التحرير الجزائري قد سبق لها رفض ايقاف اطلاق النار ما لم تعترف فرنسا مسبقا بثلاثة شروط: اعلان استقلال الجزائر، واطلاق سراح جميع المعتقلين وفي مقدمتهم بن بللا ورفاقه الاربعة الذين كانوا قد اختطفوا أواخر العام السابق، وأن تتولى اجراء الانتخابات حكومة وطنية جزائرية. وقد تبنت القاهرة موقف قيادة جيش التحرير الجزائري بحيث اشترطت ان يسبق الاعلان عن وقف القتال استجابة حكومة جي موليه للشروط الجزائرية الثلاثة وحذرت القاهرة من أن غاية الادارة الامريكية من العرض الذي تم تسويقه عربيا أن تستغل مشاركتها في لجنة مراقبة الانتخابات لتأمين وصول من ترضى عنهم وتثق بهم من النخب الجزائرية لموقع المسؤولية. وأن الادارة الامريكية ما طرحت الفكرة إلا لأنها أدركت استحالة تحقيق فرنسا النصر العسكري برغم امدادها المستمر لها بالاسلحة والمعونات الاقتصادية. وأن اجراء الانتخابات سيؤدي الى هز وحدة الجزائريين ، بسبب ما سوف تثيره من تنافس فيما بين مرشحي القوى المختلفة، والتي كانت قد اضطرت لدخول الجبهة، وفي المؤتمر الوطني للثورة الجزائرية، الذي عقد في القاهرة في أول سبتمبر/ ايلول 1957 أعيد تأكيد أنه لا يجوز اجراء أي تفاوض مع فرنسا ما لم تعترف الحكومة الفرنسية باستقلال الجزائر أولا.

    وبعد وصول ديغول للسلطة طرح سنة 1959 فكرة حل "ديمقراطي عادل للمشكلة" باجراء انتخابات في الجزائر مع ترك الحق للشعب الجزائري لتقرير مصيره. وكانت فرنسا قد بدأت تشهد بروز قوى تدعو الى حل على اساس حق الجزائر بتقرير المصير. وقد تبنى بورقيبة تسويق فكرة ديغول ، التي لقيت بين قادة الثورة الجزائرية من يرحب بها. ولدى استشارة القاهرة أوضحت أن في قبول الفكرة التنازل عن الاستقلال، الهدف المعلن غداة انطلاق الثورة سنة 1954 ، وبالتالي ضياع جميع مكاسب السنوات الخمس السابقة من الثورة.

    وفي 14/6/1960 دعا ديغول الى قدوم وفد جزائري الى باريس للبحث في حل المشكلة والوصول الى وقف القتال. وكان الرئيس الفرنسي يواجه ضغوط الخسائر العسكرية برغم مضاعفته قوى العدوان، واستمرار الزيف المالي بسبب اعباء الحرب، وتصاعد تبرم الرأي العام الفرنسي من تواصل القتال دون نتيجة. فضلا عن الضغوط الامريكية الداعية الى تسوية تحسبا من تأثيرات تزويد الثورة بالسلاح من الكتلة الشرقية وبخاصة من الصين الشعبية، وما بات يواجهه نظام الحكم في تونس والمغرب من ضغوط شعبية متأثرة بنجاحات ثورة الجزائر.

    وفي 20/6/1960 اصدرت الحكومة الجزائرية المؤقتة بيانا تضمن النظر الى دعوة ديغول باعتبارها اعترافا من الحكومة الفرنسية بحق الشعب الجزائري بتقرير مصيره. وأبدت استعدادا لارسال وف لمباحثة ديغول برئاسة فرحات عباس ، رئيس الحكومة الجزائرية، من منطلق السعي ايضا الى اكتساب الرأي العام العالمي ، الذي بدا يتزايد تأييده لثورة الجزائر، وأنه في حال فشل المفاوضات كما تقدر حكومة الجزائر فانها سوف تستخدم ذلك لتدعيم موقفها داخل الجزائر وفي الخارج. وتاسيسا على ذلك بدأت مفاوضات "مليون" التي انتهت بالفشل.

    وشهد النصف الثاني من عام 1960 بداية اتصال "المعمرين" الفرنسيين بقادة ولايات جيش التحرير وبعض اعضاء الحكومة المؤقتة، عارضين استعدادهم للتجنس بالجنسية الجزائرية، إذ ما ضمنت لهم جبهة التحرير الجزائرية مستقبل ممتلكاتهم في الجزائر، نظير استعدادهم تقديم مساعدات ومعونات مالية وادبية لجيش التحرير والجبهة لتأمين الإستقلال. وقام ديغول بزيارة مدينة الجزائر في نوفمبر/ تشرين ثاني 1960 عارضا مشروعا لاجراء اصلاحات لتحسين اوضاع شعب الجزائر واعادة اعمار كل ما دمرته الحرب، وتهيئة الظروف المناسبة لعيش الجزائريين في جو من الحرية والرخاء. غير أن شباب الجزائر واجه زيارة ديغول باثارة اضطرابات عنيفة جددت دماء الثورة ، وخطت بالقضية الجزائرية خطوات الى الأمام.

    واضطر ديغول تحت ضغط تدهور الأوضاع الاقتصادية في فرنسا، وتفاقم حدة المشاكل الداخلية، وتعاظم التعاطف العالمي مع الثورة، الى ابداء استعداده لمباشرة المفاوضات في ايفيان. فيما سارعت الحكومة السويسرية باعلان استعدادها بتحمل مسؤولية نقل المفاوضين الجزائريين بمروحيات سويسرية ، من وإلى ايفيان وتأمين راحتهم. وبناء على توجيهات بن بلا من سجنه بجزيرة اكس تولى كريم بلقاسم رئاسة الوفد المفاوض. فيما أمر ديغول بنقل بن بللا ورفاقه من جزيرة اكس الى "توركان" وسمح باستقبالهم أي زائرين بلا تفتيش او اعتراض. وقد تولى عبدالكريم الخطيب – الوزير المغربي– الوساطة من بن بللا ورفاقه الاربعة ووفد المفاوضة، في اشارة من ديغول الى أنه راغب في الوصول إلى تسوية.

    وعندما التقى الوفدان حرص الجزائريون على عدم مصافحة اعضاء الوفد الفرنسي، وفي بداية الجلسة عرض رئيس الوفد الفرنسي الخطوط العامة للتسوية المقترحة، مبديا استعداد فرنسا اقرار حق تقرير المصير للشعب الجزائري، من خلال استفتاء عام، يحدد فيه الانضمام لفرنسا او الاستقلال التام. وفي حال اختيار الاستقلال توفير الضمانات بشأن ممتلكات المستوطنين الفرنسيين وتمثيلهم في الحكومة والبرلمان، مع احتفاظهم بالجنسيتين الفرنسية والجزائرية. واحتفاظ فرنسا بالقواعد العسكرية والسيادة عليها، مع فصل الصحراء وابعادها عن صلب المفاوضات، بحجة أن الفرنسيين هم اصحاب الحق في استغلال مواردها، لأنهم هم الذين فتحوها وابقوا على خيراتها، ولا مجال لمطالبة الجزائريين باي شبر منها.

    وقبل ان يكمل كلامه طالبه كريم بالقاسم الاكتفاء بما قدمه، واعطاء الجزائريين فرصة يومين لدراسة ما قدمه والرد عليه، ليبدأوا المفاوضات في الجلسة القادمة على اسس واضحة. وقد تضمن الرد الجزائري ان يكون اعلان اعتراف فرنسا باستقلال الجزائر اولا، وأن يكون التعاون مع فرنسا موضوع تفاهم بين الحكومتين الفرنسية والجزائرية فيما بعد، وأن تكون للجزائر السيادة على القواعد التي يمكن استبقاءها لفترة محدودة، ولا يمكن الاعتراف للمعمرين بجنسيتين فرنسية وجزائرية ، مع استعداد حكومة الجزائر لاعطاء ضمانات لمن يحتفظ بالجنسية الفرنسية بحقه في ممتلكاته وحريته الدينية، واما الصحراء فهي جزائرية ولا يمكن الفصل بين السيادة والاستقلال.

    وبرغم ان الرد الجزائري وقع كالصاعقة على مسامع الوفد الفرنسي لم يتراجع بلقاسم وصحبه قيد انملة عما تضمنه الرد، برغم احتدام الجدل على كل نقطة فيه. وتوقفت المفاوضات أمام تمسك كل وفد بما طرحه، واتفق على عودة الوفدين الى حكومتيهما. وفي محاولة الضغط على الموقف الجزائري اعلن بورقيبة موقفا معاديا بشأن قضية الصحراء الجزائرية، واصدر اوامره للجيش التونسي والحرس الوطني التونسي لاغلاق الحدود مع الجزائر. ولحسم الخلاف بين اعضاء الحكومة الجزائرية تجاه موقف بورقيبة تقرر ترك الامر لاحمد بن بللا لاتخاذ القرار المناسب. فما كان منه الا أن استدعى القائم بالاعمال التونسي في باريس وحمله رسالة لبورقيبة بطلب فتح الحدود وإلا أصدر اوامره للجيش الجزائري المتواجد في تونس بفتحها بالقوة، واصدر تصريحا صحفيا باسفه لتصرف حكام بعض الدول المجاورة وأمله هو وزملاؤه بعودة هؤلاء الحكام الى جادة الصواب, وكان لتصريح بن بللا تأثيره القوى في الشارع التونسي، فيما اعلنت حكومة مالي بأن الصحراء جزائرية. أما ليبيا والمغرب فقد اجلتا اعلان موقفهما من الصحراء الى ما بعد استقلال الجزائر .

    وبرغم دعوة ديغول للتهدئة، وعلى الرغم من بدء المفاوضات ، تواصلت الثورة على ارض الجزائر. ومما ضاعف الضغط على ديغول تمرد الجنرلات ومنظمة الجيش السري الفرنسي O.A.S، خاصة بعد فشل محاولة القاء القبض على الجنرال سالان ووقوف كثير من الضباط الى جانبه. وخلال مباحثات ديغول مع الرئيس الامريكي كندي اوضح الاخير رغبة امريكا في سرعة التوصل الى تسوية للقضية الجزائرية ليتم التفرغ للمشاكل الاوروبية من جهة، ولقطع الطريق على أي مكاسب يمكن ان يحققها الاتحاد السوفياتي ودول اوروبا الشرقية في المغرب العربي من جهة أخرى. وكان فتحي الديب قد عين وزيرا مفوضا في سويسرا ليكون على تواصل مع الوفد الجزائري المفاوص وبن بللا ورفاقه في "توركان".

    وفي أواخر فبراير/ شباط 1962 بدات جولة جديدة من المفاوضات انتهت بالاتفاق على اعتراف فرنسا باستقلال الجزائر وسيادتها الكاملة على اراضيها ووحدة ترابها بما فيه الصحراء، وموافقة الجزائريين على تأجير قاعدة المرسى الكبير البحرية لفرنسا لمدة لا تجاوز خمسة عشر سنة، واستغلال ثروة الصحراء الجزائرية مناصفة، والسماح للمستوطنين الاحتفاظ بالجنسيتين لثلاث سنوات. واشراف لجنة من عشرة اشخاص، برئاسة جزائري، على ادارة الجزائر خلال فترة انتقال لمدة اربعة اشهر تمهيدا لاجراء الاستفتاء على سؤال محدد ينص على "هل تقبل استقلال الجزائر مع بقاء التعاون مع فرنسا؟" وقامت الحكومة الجزائرية بعرض الاتفاق على بن بللا ورفاقه الذين وافقوا عليه باعتباره مرحلة اولى على طريق تحقيق اماني الشعب الجزائري. وتقرر ان يقوم يوسف بن خدة بعرض الاتفاق على المجلس الوطني للثورة المقرر عقده في طرابلس لاخذ موافقته عليه.



    وكان ديغول، حتى من قبل توليه رئاسة الجمهورية، يدرك تماما استحالة قمع ثورة الجزائر عسكريا. وعليه اعتمد ومستشاروه وضع مخطط اختراق الثورة بعناصر جزائرية تربت في المؤسسة الاستعمارية الأهم، ألا وهي الجيش الفرنسي المتواجد على أرض الجزائر، وذلك الى جانب تصعيد العمليات العسكرية لاضعاف ثقة الثوار بتحقيق النصر، مما يدفع العناصر الأقل ثورية للقبول بتسوية تنتقص من الحقوق الوطنية المشروعة التي يصر على انتزاعها قادة الثورة. ووفق المخطط المرسوم بدأت ظاهرة الضباط "الفارين"، الذين تكاثر التحاقهم بقوات الثورة في مختلف الولايات. واعتبارا من سنة 1958 بدأ العمل على ايجاد "القوة الثالثة" جزائرية النسب فرنسية الهوى والثقافة، المراد منها العمل على ابقاء الجزائر مرتبطة بفرنسا سياسيا واقتصاديا وثقافيا واداريا بعد الاستقلال، وتم تقديم هذا المسعى تحت عنوان جذاب "الجزائر جزائرية".

    إذ أن ما ينبغي التنبيه اليه أن الجزائريين الذين انخرطوا في "القوة الثالثة" لا يمكن اعتبارهم جميعا عملاء، إذ أن بينهم حسني النية. وقد نجح الضباط "الفارون" في التسلسل الى المراكز الحساسة في جيش الجزائر، واحتلال مواقع مؤثرة الى جانب صناع القرار، وتواصل زحفهم باتجاه القمة حتى استولوا على السلطة في الانقلاب على انتخابات سنة 1992 مستغلين الخوف العام الذي اثارته طروحات جبهة الإتفاذ. ويلاحظ انه يغلب في أوساط هذه الفئة من المدنيين والعسكريين على السواء البعد القطري والانتماء للفضاء الثقافي الفرنسي، والانشداد الى فرنسا.

    وفي الضفة الغربية وقطاع غزة اليوم غير يسير ممن احتلوا مواقع مؤثرة في صناعة القرار، الذين يماثلون عناصر "القوة الثالثة" التي استولت على ثورة المليون ونصف المليون شهيد. وأذا كان هؤلاء فرنسي الهوى وقطري الانتماء، وغير معنيين بالتكامل العربي. فان نظرائهم من المتآمركين والمتصهينين في فلسطين المحتلة يشاطرونهم الانتماء القطري والعمل على تشويه صورة العرب والعروبة، واعطاء الاولوية لمصالحهم الذاتية شديد الارتباط بالعمق الاسرائيلي بالدرجة الأولى مع والدوران في الفلك الامريكي. وهذا ما يؤكد نجاح القيادة الصهيونية في استيعاب درس الثورة العظيمة المجهضة على ارض المليون ونصف مليون شهيد.

     
  2. #2
    سمر has a spectacular aura about سمر has a spectacular aura about الصورة الرمزية سمر
    تاريخ التسجيل
    22 / 10 / 2007
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    34
    المشاركات
    392
    معدل تقييم المستوى
    608

    افتراضي رد: الثورة الجزائرية 3

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .




    لست ابالي حين اقتل مسلما وعلى اي جنب في الله كان مصرعي

     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك