نحو خصخصة المعارك الحربية

نحو خصخصة المعارك الحربية

منقول من صحيفة المنارة. العدد (437) الأربعاء 5/12//2007م

كاظم فنجان الحمامي
هل سمعتم من قبل بفرق وفيالق حربية معروضة للإيجار ؟؟. . وطائرات وفرقاطات وغواصات تابعة للقطاع الخاص. وفرق كوماندوس استثمارية جاهزة لشن هجمات كاسحة على أي مدينة في العالم. ؟؟. . وشركات مدرعة مستعدة لخوض المعارك الطاحنة في أي قارة من قارات كوكب الأرض؟؟. . ومؤسسات أهلية متخصصة بإشعال شرارة الحروب والمعارك حسب المواصفات القتالية المطلوبة ؟؟. . وقوات مأجورة تتحرك بموجب عقود مقاولات تبرم معها مقابل حفنة من الدولارات ؟؟. .
وهل مر ببالكم في يوم من الأيام. أن المعارك ستصبح عبارة عن سلعة خاضعة للعرض والطلب, مثلها مثل بقية السلع الاستهلاكية ؟؟. .
والجواب : نعم. . فكل هذه الموضات الجديدة في السياقات التعبوية القتالية. أصبحت حقيقة واقعة. بعد أن شهد العالم تحولا جذريا في الخطط العسكرية الهجومية. على يد الإدارة الأمريكية المتهورة. التي سارعت إلى إشراك جيوش المرتزقة في غزواتها ومغامراتها وحروبها الطائشة. . وصارت جيوش المرتزقة تعرف اليوم بـ (الشركات العسكرية الخاصة). أو (الشركات الأمنية). أو (شركات الحماية). وعرف العالم لأول مرة اصطلاح (خصخصة الحروب والعمليات العسكرية). فظهرت إلى واجهة الأحداث العالمية مجاميع متخصصة في خوض المعارك المدفوعة الثمن, ومعززة بكافة الأسلحة والمعدات الثقيلة وفوق الثقيلة. وبتشجيع مطلق من البنتاغون, وبدعم منقطع النظير من المنظمات الصهيونية السرية. التي سارعت إلى منح عناصر المرتزقة جوازات سفر. تتيح لهم حرية التنقل عبر القارات. .
وجاءت تشكيلات جيوش المرتزقة منسجمة تماما مع النوايا, والتطلعات العسكرية العدوانية الهجومية للإدارة الأمريكية المجنونة. .
ولم تعد أمريكا تكترث كثيرا بعدم كفاية أعداد الجنود والمحاربين. ولم تعد بحاجة إلى قوانين للتجنيد الإلزامي. كما لم تعد بحاجة إلى التأييد الشعبي المحلي العام. ولم تعد بحاجة إلى دعم الدول الأخرى ومساندتها في خوض حروبها العدوانية. واستغنت نهائيا عن تشكيل التحالفات الدولية. بعد أن وجدت ضالتها في استخدام جيوش المرتزقة وكلاب الحروب. .
واستعانت أمريكا لأول مرة بالشركات العسكرية الخاصة, وعناصرها المعبئة بالشر. في بناء إستراتيجيتها العسكرية الهجومية الجديدة. وباتت شركات المرتزقة هي البديل المناسب لتجاوز كل العقبات التي قد تقف بوجه المخططات الأمريكية التوسعية غير المحدودة. .
وتعد شركة بلاك ووتر Black Water واحدة من ابرز الشركات العسكرية الأمريكية الكبرى في العالم, ومتخصصة في تجنيد المرتزقة, وإرسالهم للقتال في الدول والمناطق الساخنة التي تشهد حروبا وصراعات, وبخاصة في العالم الإسلامي ( العراق, أفغانستان, السودان ). ويبلغ تعداد المنتسبين إلى بلاك ووتر حوالي مليونين مقاتل. معظمهم خدموا في القوات الأمريكية الخاصة, وجهاز المخابرات المركزية الأمريكية. وهم موزعون في جميع أنحاء العالم. . وتأسست هذه الشركة العسكرية الخاصة, وبقية الشركات العاملة في الجبهات الأمريكية المفتوحة ضد أبناء الجنس البشري, وفق القوانين الأمريكية الجديدة, التي سمحت بإنشاء مصانع للإنتاج الحربي. وتشكيل فيالق عسكرية خاصة. وتعوّل عليها الإدارة الأمريكية كثيرا في رسم وتنفيذ غزواتها الحربية للبلدان الإسلامية. .
وفيما يلي ابرز نقاط التحول التي طرأت على السياقات التعبوية التقليدية :-
- أصبحت قرارات الحروب الدولية من أيسر القرارات وابسطها. خصوصا إذا كانت الدولة الغازية تمتلك ما يكفي من الأموال لتغطية نفقات جيوش المرتزقة. التي ستتكفل بجميع العمليات الحربية. . .
- أصبحت الحروب والانقلابات العسكرية استثمارا تنفرد به شركات متخصصة بخوض الحروب على النطاق الدولي. وتمتلك من العتاد ما لا تمتلكه دول كثيرة مجتمعة . . .
- أصبح واضحا للشعوب أن هناك من يدير كوكب الأرض في الخفاء. ويتستر وراء مظاهر خادعة. ومشبعة بالحقد, والكراهية المنبعثة من رماد الحروب القديمة. فظهرت علينا جيوش قادمة من العصور الوسطى. تحمل في أجندتها أهدافا انتقامية سوداء. وتسعى إلى نشر الصهيونية - الصليبية في العالم. من مثل فرسان الهيكل, وفرسان مالطا, وجحافل الكابالا. . .
- لم تعد الحروب الدولية مقتصرة على الدفاع عن حدود الوطن, والذود عن المصالح الوطنية. بل من اجل الاستحواذ على الثروات. وتحقيق المزيد من المكاسب المالية. . .
وتعرضت الخطط التعبوية الأمريكية الجديدة. المعتمدة في سياستها على الشركات العسكرية التابعة للقطاع الخاص, إلى حملة من الانتقادات الواسعة. خصوصا بعد نشر كتاب (( مرتزقة بلاك ووتر . . . جيش بوش الخفي )). الذي قال أن الشركات الخاصة تدعم الغزوات الأمريكية المتهورة. فيما يخضع جنودها للحصانة من الملاحقات القضائية. .
وتؤكد المعطيات المستقبلية على إن جبروت وطغيان الدول الكبرى. التي سارت على النهج العدواني المنحرف. ستمنى بالفشل الذريع , وستندحر كل مشاريعها التوسعية. وينتهي بها الحال إلى التعفن في مزبلة التاريخ. وستهب عليها رياح التدهور والانحطاط من كل الاتجاهات. وستضطرب موازين القوى. وتنهار الاستراتيجيات الإمبراطورية الحديثة. أمام تعاظم قوة الوعي الإنساني لشعوب الأرض المتطلعة نحو إرساء أسس العدل والسلام في العلاقات الدولية. وان حالة الغطرسة والبطر التي أصبحت صفة ملازمة لكل القوى الغاشمة. ستجرها حتما إلى الهلاك المحتوم. .
فنحن اليوم نقف على أعتاب بوابة عصر متعدد الأقطاب. في خضم تنامي قوى عالمية جديدة لديها مصالح متعددة. لكنها مصالح ليست منسجمة مع المصلحة الأمريكي. بل تكاد تكون متناقضة معها تماما. .
ثم إن الانتشار الواسع للقوات الأمريكية خارج حدودها, مع إنفاقها الزائد على الشركات العسكرية الخاصة, بشكل يفوق معدلات إنفاقها على الجوانب الداخلية. سيؤدي مع الوقت إلى اضمحلالها, وضعفها, وانحسار دورها كقوة عظمى. وصعود الصين مثلا. أو اليابان أو المجموعة الأوربية مكانها. .
وهكذا سيكون الانهيار مصير الحلم الإمبراطوري (الأمريكي - الصهيوني – الصليبي) المتطرف. بعد أن بدت علامات الضعف والوهن تظهر على أجساد الأمم التي آمنت بهذا الوهم المنبعث من رماد الحروب البالية. وفي مقدمتها أمريكا التي تمردت على كل الأسس والقواعد والقيم العسكرية السائدة في المناهج الحربية التقليدية. وراحت تبتدع ضوابط وسياقات شاذة وغير مألوفة.لكنها تنم عن نظرتها الاستعلائية الاستبدادية الشمولية المتطرفة. وتعكس رغبتها التوسعية للهيمنة على ثروات العالم, ومصادرة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. ومنعها من امتلاك السيادة الوطنية على أراضيها. .