......................... ......................... ......................... .......... لا تبخلوا علي بأرائكم في القصة و في الأسلوب ......................... ......................... ......................... ......................... ......................... ......................... ................


العبرة في النهاية .... < قصة قصيرة > ....


إنها الثالثة صباحا .... جافا النوم عيني ..... حاولت قراءة الكتاب الملقى بجانب سريري و لكني مللت سريعا .... نهضت و فتحت النافذة و خرجت للشرفة ..... و فجأة رن هانفي المحمول إنها حالة طارئة جديدة يجب أن أتجه حالا إلى المستشفى .... فأمامي حياة يجب أن أنقذها .... و مصاب ينتظرني أن أعالجه و أخفف عنه ..... فهدف حياتي يتمحور حول تكريس حياتي للآخرين .... أما حياتي أنا فيجب أن أتجاهلها لأن لا أحد سيكرس حياته لي ..... من الآن و صاعدا سأتبنى هذه القناعة .....
فأنا الآن في ذكرى ميلادي الثامن و الثلاثون عدت لأكون كما كنت قبل عشرون سنه عندما كنت في الثامنة عشرة و في أول سنه لي في كلية الطب .....
كنت بريئة تماما و خجولة .... أختبئ وراء قصائد الشعراء و أجد نفسي بين الروايات الرومانسية ..... كنت طموحة جدا و مندفعة إلى الحياة بكل ما أحمله من روح الشباب و الصبا ..... و لكن وراء تلك الصورة الملائكية الشفافة كان هناك الكثير و الكثير ليقال.. فالحياة في نظري كانت لعبة لابد أن يحركها شخصا ما .... و أنا كنت تلك اللعبة ..... أنفصل والدي عندما كنت في الخامسة أو السادسة .... و ابتدأت حينها رحلة العذاب في حياتي أنتقلت للعيش بين أمي و أبي بالتناوب مرة هنا و أخرى هناك .... شهر هنا و شهر هناك ...... و قاسيت الكثير و الكثير ابتداءً من الإحباط ثم الوحدة و عدم الإنتماء ثم الإهمال و الفراغ العاطفي و التصحر الشنيع للعواطف في حياتي ..... كنت حينها قد كرست حياتي للوصول لكلية الطب فهي عزائي الوحيد وحلم الطفولة ..... وبالفعل ألتحقت بكلية الأحلام تلك و من هنا بدأت القصة ........
تغيرت منذ تلك اللحظة الصورة التي رسمتها عن الحياة .... فهناك الكثير و الكثير مما لا أعرفه .... فطوال عمري الصغير ذاك أعتقدت أن الحياة إما أن تكون مادة وإما أن تكون عاطفة ..... فقط ...... و لم أدرك نتيجة إنشغالي بالمشاكل العائلية بأن الحياة مسرح كبير ... كبير..... يضم كل أصناف البشر ..... كنت مازلت طفلة لم تفهم من الحياة ولا حتى أبجدياتها ...... الحياة ليست دراسة و كتب و قصائد و روايات ......
الحياة لا تكمن كما علمونا وراء تفسيرات لا تحصى حيوية و فيزيائية و كيميائية ...... الحياة ليست نجاح أو رسوب في إمتحان الكيمياء الحيوية السريرية أو علم الأجنة ........
و نفسية الفرد ليست مجرد تفسيرات علمية بحته كما سجلت كتب العلاج النفساني ........... و لكني لم أكن أعرف كل هذا .....
و مضت أيامي في كلية الطب بين نجاح و رسوب و كفاح من أجل البقاء في هذه الكلية ...... و عشقت رغم ذلك التخصص ...... وتعلقت به جدا .....
ولكن ماذا عني أنا ؟ ..... سؤال كان يؤرقني و يحيرني ..... لماذا لكل فرد حياة و قصة أما أنا ليست لي حياة و قصتي مملة للغاية ..... في عطل نهاية الأسبوع كان ذلك التساؤل يتآكل كل ما فيني .......
و رغبت جدا بأن أجد له جواب ....... فتلك البراءة بداخلي كانت تنخدع بالمظاهر و تحسب بأن كل القصص تختم بعبارة < و عاشوا بسعادة بعد ذلك .... > ......
كم أود لو أختصر كل مراحل حياتي في جملة و احدة لأن تذكر تلك الأحداث ثانبة يوقظها و يجعلها حية أمامي و كأني مازلت في نفس المشهد ......
تتمزق كل مشاعري .... و أبكي بكاء حارا و لكني أريد و بشدة أن أقصها فربما نشرها قد يخفف عني كثيرا .....
في ليلة من الليالي أمسكت بالورقة و القلم و كتبت هذه الخاطرة ....
< سأتبنى شخصية جديدة من الآن وصاعداً لأني وبكل بساطة لست أريد أن أشعر بمزيد من الخوف....... إلى متى ؟ إلى متى سأظل هكذا أحب ذاتي إلى درجة أني لست أطيق امتهان نفسي بتغيرها ما بين الآونة والأخرى.........
أريد الآن وبشدة وأكثر من أي وقت مضى أن أخرج من نفسي وأنسلخ من جلدي وأتحرر من كل هذه القيود التي تكبلني كل يوم أكثر وأكثر و أكثر...........
أنني حقاً ولأول مرة منذ أن علمت حقيقة ذاتي أريد أن أتغير وأصبح شخصاً آخر......... وأن ألقي بالماضي وبكل ما يحمله من تجارب........ وأن أقف مرة أخرى على قدميّ تاركة كل شيء ورائي........
أريد أن أختبر شعور أن أكون شخص آخر عليّ بذلك أخدع الناس أو أخدع نفسي بأن أنا ليست أنا....... بأن أنا ليست هي نفس الإنسانة المجروحة والمتألمة والتي تبحث عن كيان جريء تختبئ خلفه وعن طريقة جديدة تعبر بها عن كيانها ومشاعرها المهملان واللذان على شفا حفرة من النسيان ..........
وبأن أنا ليست هي ذات الإنسانة المصابة بالقلق القهري وليست تستطيع تفويت لاصغيرة ولا كبيرة في هذه الحياة من دون أن تظل ساعات طوال تفكر وتفكر بشأنها ليل ونهار وبدون توقف........
أريد الآن أن أقفل على آلامي الأبواب وأن أسدل على ماضيّ الستائر وأقرر مرة أخرى أن أتسلق الجبال بقفاز من الحرير وأن أقهر كل الظروف وأن أجعل الحياة تأتيني طائعة أو ذليلة ........

سؤال يتأكلني هل باستطاعتي أن أغير عالمي الصغير لحظة ما أفكر بجدية أن أغير نفسي ؟ .....وما هو مكاني في هذه الحياة الآن وماذا سأصبح غداً؟..... فيال هذا الإيثار الذي يجنح بكفيه على مشاعري الرقيقة إن سعادتي تكمن في إسعاد كل من أود أن أجعلهم قربي .......وكل من أريد أن أكون محور حياتهم و الطاقة التي تبقيهم أحياء.............

أعرف أني سأظل دائماً على عهدي لنفسي بأن أبقى أحبها أبداً مهما دارت الدوائر وحلت الأقدار وبأن حتى رغبتي الطائشة هذه في تغير نفسي منبعها الأول والأخير أني أريد أن يحبني من أريدهم أن يحبوني فيتسنى لي أن أحب نفسي بطريقة أخرى مختلفه ....... >
و بعد أن سطرت هذه السطور القليلة .... نمت نوما عميقا .... عميقا جدا ......
و تمر أيام و أيام لست أتذكر ما حصل فيها بالضبط ولكني أستيقظ فجأة من سباتي لأجد نفسي في عالم آخر ..... لا يمكن لأحد أن يصدق أن ما حصل قد حصل و أني أنا الفتاة الساذجة البريئة أقدم على فعل ما فعلت .....
بدأت علاقة مع شاب يكبرني بثلاث سنوات و يدرس معي أيضا في كلية الطب ..... كان هو من النوع الذي لست أدري كيف أصفه ...... أنه غامض ... و ... و ... لست أعلم ما هي الكلمة المناسبة ....
المهم أنه بدا لي كنافذتي الجديدة للحياة .... كنا نلتقي كثيرا خلال ساعات التدريب العملي أو في المناوبات الليلية ..... كان محترما جدا و مهذبا رغم أنه كان مشهورا بعلاقته المتعددة ....
كان ينظر إلي و لكني لم أكن أفهم معنى تلك النظرة ........ و لكني مع الأيام بدأت أحس بشعور غريب حياله ...... لم يكن حبا أبدا و أنا كنت أعلم ذلك و لكنه كان شعورا مختلف .....
و تطورت تلك النظرات و تأكدت بأنها لم تكن أبدا نظرات بريئة ..... أستجمعت قواياي و قلت له ....
علمني ..... فقال ماذا تريدين أن أعلمك ..... قلت..... كل حاجة ........
لم يكذب صاحبها خبرا و راح يعلمني على الرقص و الشراب الذي أدمنته حتى الثمالة ..... أخذني إلى الحفلات و السهرات الخاصة .... و قال لي كلاما و كلاما جعلني أحلق ......... عيشني الحلم الوردي .....
و حقق لي أمنيتي عندما سرق مني برآتي و رحل ........ فلطالما كرهت كوني بريئة و ساذجة و طفلة .........

مرت الأيام و تخرجت من الجامعة ثم أكملت دراستي بالخارج و الآن عدت ...... عندما كنت مراهقة إرتكبت الكثير من الأخطاء التي أدعو الله سبحانه و تعالى أن يسامحني عليها .......
و لكني الآن عدت لأكون كما كنت مهملة تماما و منسية ....
فالله سبحانه وتعالى أراد أن أفهم الدرس رغم أنه جاء متأخرا جدا و هو أن الحياة تتسع لكل الناس .... الطيبون و الخبيثون ...... و لا داعي أن أغضب ربي أو أغير نفسي من أجل محاولات للتأقلم مع الحياة ........
إنني الآن نادمة ..... و لكن هل سيفهم الناس ذلك أم سيكتفون بمجرد رفع إصبع الإتهام لي .........