ميسرة طاهر


لم يتجاوز عمرها السنوات الست ومع ذلك فقد أجريت لها ثلاث عمليات
جراحية تجميلية، سألت محدثي عن السبب فقال إنها تعرضت لأذى شديد بعد
ولادتها مباشرة، وقد أحدث الجواب في عقلي فراغا دفعني لطرح المزيد من الأسئلة،
وليتني لم أسأل، وليتني اكتفيت بالفراغ العقلي وما أحدثه من قلق، لقد كان الجواب
مؤلما وصاعقا ومحيرا، فقد كان سبب الضرر الحادث في وجهها الفئران،
نعم لقد أكلت الفئران وجهها بعد أن وصلت لهذه الدنيا بقليل،فقد طرحتها أمها بعد
ولادتها بالقرب من حاوية قمامة وهربت بفعلتها من الناس، تركتها تلقى مصيرا
مؤلما سيزيد من عذابها يوم الدين، تركتها تواجه حياة ملأت قلبها منذ لحظة
وعيها بأمن مفقود وصورة مشوهة عمن ينبغي أن تكون حامية لها ومصدر أمنها
ودفئها، تركتها للقوارض تأكل وجهها الطاهر النقي، تركتها تهان وقد كرمها خالقها،
فقط حتى تستر فعلتها، خافت من الناس، وأقامت لمحاسبتهم وزنا كبيرا،
وخافت من فضيحة الدنيا ولكنها لم تحسب حساب يوم الحساب،
وحين كانت تعيش مع الشاب لحظة المتعة لم تفكر قط بالذي يمكن أن يترتب
على تلك اللحظة، وما الذي سيتكون في رحمها جراء ذلك،
ولم تتذكر قط ذلك السؤال الرباني: «وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت»،
لقد كان بعض العرب يئدون بناتهم خوفا من الفقر، وبعض بنات اليوم
يرمون أبناءهم خشية الفضيحة في الدنيا وهي فضيحة مهما زاد عدد
من يعرفها فلن يكونوا إلا قطرة في بحر كل الناس الذين سيشهدون يوم الحشر
على تلك الفعلة، نعم كل الناس الذين ولدوا قبل أن تأكل الفئران وجه هذه البريئة
وأولئك الذين سيولدون بعدها حتى قيام الساعة سيشهدون على فعلة الفاعلين،
وإذا كان الله تباركت أسماؤه يسأل الموءودة استنكارا واستهجانا لفعلة أبيها،
فماذا سيقول لمن تترك ولدها أو بنتها عند براميل القمامة خشية الفضيحة بين الناس؟
وماذا ستقول لمولودها يوم يقف معها بين يدي الرحمن ليسألها عما اقترفته بحقه؟
وماذا ستقول له وقطع من لحم وجهه صارت طعاما للفئران الجائعة؟
ماذا ستقول لكل خلية لحم تنطق يوم الدين لتحاسبها على فعلة كانت نتيجة متعة
دقائق أو ثوان؟ وماذا سيقول من أغواها ودفع بها لممارسة الفاحشة معه بدعوى الحب،
وهل هذا الحب يعني عنده رمي نتائجه فريسة للفئران الجائعة؟ هل الحب يعني بنظركم
التخلي عن مسؤوليتكم أمام نتاج فعلتكم يا من استمتعتم لدقائق؟ من لهؤلاء الذين يعانون
من كره الناس لهم وشعور الكثيرين وهم يتعاملون معهم وكأنهم هم الجناة في الوقت
الذي يعيش الجناة أحرارا طلقاء إلا من ضمير قد يلاحق بعضهم ويعذبه، ويحاسبه،
صدقوني أنني لم أفق بعد من هول الصدمة، ولم أفق بعد من هول السلوك ولا من
هول القيم المتدنية لدى الفاعلين، ولا من صورة تلك الطفلة، ولم أفق بعد مما تخيلته
من أحاديث ستدور في نفسها كلما نظرت لوجهها في المرآة وتذكرت أما رمتها لقمة
سائغة للفئران، لم أفق بعد مما يمكن أن تقوله في نفسها كلما رأت فأرا أو رأت وجه
فتاة بلا تشويه، كيف يمكن لكل ما أنتجته قرائح علماء النفس أن تداوي جراح
فتاة تعرضت لمثل هذه الجريمة التي هي بكل المعايير أفدح وأعظم وأكثر إيلاما
من ألم الموءودة التي خنقها أبوها الجاهلي قبل الإسلام بتراب غطى به مجرى تنفسها؟
ولعلي لا أبالغ إن قلت إن زمن العذاب الذي تعرضت له الموءودة لن يزيد بحال
من الأحوال عن ثوان قليلة حتى تختنق وتموت، في الوقت الذي تركت فتاة الفئران
لسنوات عمرها كلها وهي تتجرع الألم ولكن ما ينبغي أن تدركه كل فتاة وفتى يقعون
فيما وقع فيه أبو فتاة الفئران وأمها أن عذابهم عند خالقهم يتناسب مع كمية وزمن
معاناة أمثال هذه الفتاة
وعندها أنا على يقين أن لسان حالهم سيقول يوم القيامة: يا ليتني كنت ترابا