رد: جوانب من إنسانيات الرسول - صلى الله عليه وسلم -
6 – ويكافح الرسول – صلى الله عليه وسلم – كل من يقنط الناس من رحمة الله تعالى ويذكرنا أن رحمة الله ليست ترفا ً إنما هي ضرورة ، وأحق الناس بها أكثرهم حاجة إليها ، وفي مقام الخطيئة والذنب يصير العصاة أحوج العالمين إلى رحمة الله وإلى الأمل في الله ومن ثم فهو يرفض أي تقنيط لهم من رحمة الله ويضرب مثلا ً فيقول – صلى الله عليه وسلم - :
( كان ثمة أخوان : أحدهما يعبد الله والآخر يعصيه .. وذات يوم قال الذي يعبد للآخر أما آن لك أن تتصلح ؟ والله لتدخلن النار ولن يغفر الله لك .. ولما توفاهما الله وقفا بين يديه ، فقال للعابد من الذي أمرك أن تتألى علي – أي تتحكم في رحمتي – اذهبوا به إلى النار وقال للآخر ادخل الجنة برحمتي ) .
ويرسم هنا صورة من أعذب الصور عن بر الله بالناس وألوهيته الحانية لهم جميعا ً .
- ( ما من يوم تطلع شمسه إلا وتقول السماء يا رب ائذن لي أن أسقط كسفا ً على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وتقول البحار يا رب ائذن لي أن أغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وتقول الجبال يا رب ائذن لي أن أطبق على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، فيقول لهم جميعا ً : لو خلقتموه لرحمتموه ، دعوني وعبادي إن تابوا إلي فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ) .
هذه اللوحة المبهجة التي يرسمها الرسول – صلى الله عليه وسلم – الإنسان تناهت في الجلال والمغزى ، إن مكان الناس من الله مكان الغادي بين حبيب وطبيب .. ففي حال رضا الله عنا يكون الحبيب الذي لا منتهى لنفحات حبه .. وفي حال أسفه منا يكون الطبيب الذي تلجأ إليه للعلاج فكيف إذن يكون مصدر فزع أو خوف .. حاشاه وسبحانه .. أكرم به من حبيب وأنعم به من طبيب .
يتبع
رد: جوانب من إنسانيات الرسول - صلى الله عليه وسلم -
7 – وموقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – من العصاة – على الرغم من أنه رسول مسئول عن رسالته – هو الروؤف الرحيم العزيز عليه عنتهم الحريص على نجاتهم وسلامتهم يقول – صلى الله عليه وسلم - :
( مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا ً ، فجعل الفراش يقع فيها وهو يبعده عن النار .. فأنا آخذ بكم بعيدا ً عن النار وأنتم تفلتون من يدي !! ) .
ويرد الرسول – صلى الله عليه وسلم – الأمر كله إلى رحمة الله لا إلى ما يفعله الناس من أعمال صالحة والتي مهما بلغت لا تفي بشكر نعمة واحدة من أنعم الله يقول – صلى الله عليه وسلم - :
( قاربوا وسددوا .. واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) .
هذا هو الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا يأخذه الغرور بما يقدم من عبادة وطاعة وأنه إذا كان قد هدى إلى الخير فبفضل من الله وحده فلا يتعالى على من لا يسعفهم نصيبهم من الهدى أو يسخف بهم ولكنه يشفق عليهم ويصلي من أجلهم ويتتبع جانب الخير الذي فيهم مهما كان ضئيلا ً فيشيد به ويبتعث منه ثقتهم بأنفسهم .
جيء للرسول – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم برجل قد شرب خمرا ً .. فلما أبعده أصحابه قالوا : لعنه الله ما أكثر ما يؤتي به شاربا ً .. ، فصاح الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيهم : لا تلعنوه ، فإنه يحب الله ورسوله !!
صلوات الله عليك وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله .. إنه لا يهدم أقدار الناس من ضعف بل يضع يده على الخير الذي فيهم ويهتف به .
وها هو ذا ، على الرغم من أنه الرسول صاحب الرسالة التي تحرم الخمر وتراها إحدى الموبقات ومن الكبائر .. يكرم في إنسان يشرب الخمر فضيلة الحب لله وللرسول ، ويفعل ذلك بدافع رحمته بالفرد وبالجماعة ، فرحمته بالفرد حتى لا يفضي به السوء الذي يقترفه إلى بؤس يكدر حياته ، وبالجماعة لأن المجتمع ما لم يتواص بالفضائل والخير وما لم يرع الحقوق المشروعة فإنه يصيب نفسه بشرور تمزقه .
يتبع
رد: جوانب من إنسانيات الرسول - صلى الله عليه وسلم -
8 – وذاك موقف آخر للرسول – صلى الله عليه وسلم – مع رجل يريد أن يحلل له الزنى :
جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسأله في جرأة طامعا ً في أن يجد رخصة للزنى معللا ً بأنه لا يستطيع أن يغالب شهوته ، رغبة غريبة لا سيما حين يتقدم بها صاحبها إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، فكان من الرسول أن ربت على كتف الرجل وقال له والضياء يكسو وجهه : ( أتحب الزنى لأمك أو لزوجتك أو لأختك أو لابنتك والرجل يجيب في كل مرة بلا ، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : كذلك الناس يا أخا العرب لا يحبونه لأمهاتهم ولا لزوجاتهم ولا لأخواتهم ولا لبناتهم ! ، فقال الرجل وقد اقتنع ادع لي يا رسول الله بالعفة ، فدعا الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، قال الرجل والله ما انصرفت عنه ولا شيء أبغض إلى نفسي من الزنى ) .
هذا الإدراك الإنساني السديد يحدد الطريقة التي يأخذ بها الرسول – صلى الله عليه وسلم – على أيدي العصاة ( إنها الرحمة دائما ً) ولطالما كان يجيئه مذنبون يعترفون له فيحاول هو أن يردهم عن اعترافاتهم حتى لا يضطر إلى أن ينزل بهم ما شرع الله من عقاب ، مرجئا ً أمرهم إلى رحمة الله الواسعة ، وإنه لينأى عن الذين لا شغل لهم إلا التباؤس بأخطاء الناس واليأس من صلاحهم .. يقول – صلى الله عليه وسلم - :
( إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس ، فهو أهلكهم ) . ( أي أشدهم هلاكا ً)
هنا قلب كبير لا يعرف القسوة ولا الغرور ولا التشفي .. هنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وكفى .
يتبع
رد: جوانب من إنسانيات الرسول - صلى الله عليه وسلم -
9 – قسوة القلب هي العدو اللدود للرحمة فكيف تعامل معها الرسول – صلى الله عليه وسلم - .. ؟
أفاض – صلى الله عليه وسلم – في تنظيم العلاقات بين الأفراد للتغلب على قسوة القلب ..
- فالكلمة الطيبة صدقة .
- وتبسمك في وجه أخيك صدقة .
والنظرة العاطفة رحمة .. والهدية المتواضعة رحمة .. والصفح الجميل رحمة .. وعيادة المريض رحمة .. والقبلة الأبوية الحانية التي نعبر بها عن حبنا لأطفالنا رحمة .
تقول عائشة .. ( قدم ناس من الأعراب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا باستنكار أتقبلون صبيانكم ؟ فقال نعم .. قالوا ولكننا والله لا نقبل !! فقال – صلى الله عليه وسلم - : وماذا أملك إذا كان الله قد نزع من قلوبكم الرحمة .
ومن كل هذا نشأ المنهج السلوكي الذي تنمو فيه روابط الود وتختفي بالتالي أسباب التسلط والقطيعة والخوف .
ولهذا يوصي الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالجار ويشدد على حقوق الجار .
- ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .
- والله لا يؤمن .. والله لا يؤمن .. والله لا يؤمن ..
قيل من هو يا رسول الله ؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه ( أي شروره ) .
- من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره .
- خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران خيرهم لجاره .
هذا هو الذي يريده الرسول – صلى الله عليه وسلم – ألا يخاف جار ضعيف من جاره القوي أنه يعلم حاجة الناس إلى الأمن في جوارهم ، فيرفع لحقوق الجار لواء لا ينبغي لأحد أن يتحداه فإن فعل فقد إيمانه !!
وما يتطلبه الجوار من رعاية تتطلب مثله صلة القرابة .
- ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ) .
يتبع
رد: جوانب من إنسانيات الرسول - صلى الله عليه وسلم -
وكذلك اليتيم والأرملة والمسكين .
- ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين مشيرا ً بالسبابة والوسطى ) .
- ( أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم يكرم ) .
- ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وكالذي يقوم الليل ويصوم النهار ) .
ثم هو يطارد الغضب – صلى الله عليه وسلم - .
- ( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ) .
وحين يسأل أحد أصحابه عن العمل الذي يدخله الجنة يجيبه قائلا ً : ( لا تغضب ولك الجنة ) .
وينهى عن الحسد والبغضاء .
- ( لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا ً ) .
ويحارب الفضول في شتى صوره .
- ( من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حل لهم أن يفقأوا عينه ) .
وينهى عن السباب والشتائم .
- ( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ، قيل يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه قال يسب الرجل أبا الرجل وأمه فيسب أباه وأمه ) .
وينهى – صلى الله عليه وسلم – عن ترويع الإنسان ولو بأتفه المظاهر .
- ( من أشار إلى أخيه بحديده فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه ) .
ويطارد – صلى الله عليه وسلم – النميمة والغيبة .
- أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال – صلى الله عليه وسلم – المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه .
أي رحمة كرحمة الرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي لم يترك شيئا ً ما يمكن أن يكون مصدر ألم للإنسان إلا ونهى عنه .
يتبع