السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأخوه خالد بن أسيد لأبويه: أسلم يوم فتح مكة. وكان فيه تيه شديد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم زده تيها " ، فإن ذلك في ولد إليه اليوم.... " وكان لعتّاب بن أسيد ابن اسمه عبد الرحمن، وكان يقال له " يعسوب قريش " . شبِّه بيعسوب النحل، وهو أميرها. وشهد الجمل مع عائشة، فقتل. فاحتملت عقاب كفَّه فأصيبت ذلك اليوم باليمامة فعرفت بخاتمه.
ومن بني حرب بن أمية أبو سفيان صخر بن حرب، وابناه يزيد ومعاوية. قتل ابنه " حنظلة " يوم بدر كافرا؛ قتله زيد بن حارثة، وقيل اشترك في قتله حمزة وعليٌّ وزيد. وكان يزيد أفضل بني أبي سفيان؛ كان يقال له " يزيد الخير " أسلم يوم فتح مكة، وأعطاه من غنائم حنين مئة بعير. واستعمله أبو بكر الصديق وأوصاه، وخرج يشيِّعه راجلا.
مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من الأرباع. فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر الصديق: " إما أن تركب وإمَّا أن أنزل " . فقال أبو بكر: " ما أنت بنازل وما أنا براكب. أني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله " . ثم قال له: " إنك ستجد أقواما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا، إنهم حبسوا أنفسهم له. وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشَّعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف.
وإني موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما، ولا تقطعنَّ شجرا مثمرا، ولا تخربنَّ عامرا، ولا تعقرنَّ شاة ولا بعير إلا لمأكلة، ولا تحرقنَّ نخلا ولا تغرِّقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبن " مات يزيد في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، ولا عقب له وقال الوليد ابن مسلم: مات يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة، بعد أن افتتح قيساريَّة.
وأما معاوية بن أبي سفيان فأسلم عام الفتح، هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم، ومن الطبقة الأولى في قسم غنائم حنين. وكتب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ويكنى أبا " عبد الرحمن " ، وولي الشام لعمر وعثمان عشرين سنة. وولي الخلافة سنة أربعين، ومكث خليفة عشرين سنة إلا شهرا. وتوفي بدمشق سنة ستين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وقال ابن اسحاق: مات وله ثمان وسبعون سنة.
وشهد أبو سفيان حصار الطائف مع النبيِّ عليه السلام، ورمي بسهم بها ففقأ عينه، وفقئت عينه الأخرى يوم اليرموك. واستعمله النبيُّ صلى الله عليه وسلم على نجران، فمات عليه السلام، وهو وال عليها. ولما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية من غنائم حنين ما أعطاهم قال له أبو سفيان: " والله إنك لكريم، فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك فنعم المسالم كنت، جزاك الله خيرا " .
وكان من أشراف قريش في الجاهلية، وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأمواله قريش إلى الشام وغيرها من أرض الأعاجم. وربما خرج أحيانا بنفسه وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب. وكانت لا يحبسها إلا رئيس. وولد قبل الفيل بعشر سنين، وأمُّه صفية بنت حزن الهلالية. وتوفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين فيما قال الواقديُّ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقال المدائني: توفي سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان. وروى عنه عبد الله بن عباس قصة هرقل حديثا حسنا.
ومن بني أبي عمرو بن أمية عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية.واسم أبي عمرو ذكوان. وكان أبو عمرو..... ويسَّمى ذكوان، فاستلحقه أمية وكناه " أبا عمرو " ، فخلف على امرأة أمية، وهي آمنة بنت أبان أمُّ الأعياص.
وقال ابن الكلبي: كان أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام، فأقام بها عشر سنين، فوقع على أمة للخمر يهودية من أهل صفُّوريَّة، يقال لها " تُرْنا " ، وكان لها زوج من أهل صفُّوريَّة يهودي، فولدت له ذكوان، فادَّعاه أمية، واستلحقه، وكناه أبا عمرو، ثم قدم به مكة. ولذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعقبة يوم أمر بقتله عند الفراغ من بدر، إذ قال عقبة: يامحمد، أتقتلني من بين أسارى قريش صبرا، " حنَّ قدح ليس منها، إنما أنت يهودي من أهل صفُّوريَّة " .
روي أن عقبة قال له عند قتله: " يا محمد من للصبية؟ " فقال: " النار " .
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " كنت بمكة بين شر جارين: بين عقبة بن أبي معيط وبين أبي لهب " . وهو الذي طرح سلى الجزور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. ذكر ذلك مسلم في صحيحه فقال: نا محمد ابن المثنى وابن بشار، واللفظ لابن مثنى، قالا: نا محمد بن جعفر قال: نا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، حوله ناس من قريش إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلي جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يرفع رأسه " فجاءت فاطمة فأخَّرته عن ظهره، ودعت على من صنع ذلك. فقال: " اللهم عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف؛ شعبة الشاك " . قال: فلقد رأيت قتلوا يوم بدر، فالقوا في بئر، غير أن أمية أو أبيّا تقطَّعت أوصاله، فلم يلق في البئر.
قال المؤلف غفر الله له: الصحيح الذي لا شكَّ فيه أن أمية بن خلف هو الذي تقطَّعت أوصاله لما رواه ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه، إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه أنتفخ في درعه، فملأها. فذهبوا يحركوه فتزايل لحمه، فأقرُّوه، وألقوا عليه ما غيَّبه من التراب والحجارة.
وأما أبُّي بن خلف فإنه مات من خدش رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بالحربة يوم أحد في الطريق مع كفار قريش، حين رجعوا إلى مكة من أحد.
وقال أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجستانُّي في السُّنن: نا عمرو بن عثمان ومحمود بن خالد وحسين بن عبد الرحمن، قالوا: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، قال: نا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّميمِّي، عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاصي قلت: أخبرني بأشدّ شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي المعيط، فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنقه به خنقا شديدا. فقال: فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول الله، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبيِّنات من ربكم؟.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب بضرب عنق عدو الله اللعين عقبة بن أبي معيط صبرا بعد أخذه أسيرا يوم بدر. وقيل: ضرب عنقه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاريُّ الأوسيُّ، وهو حميُّ الدَّبر. وروى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عامر الشَّعبَّي قال: لمَّا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط عدوِّ الله قال: تقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال: " نعم " . ثم أقبل على أصحابه فقال: " أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام، فوضع رجله على عنقي، وجعل يقمرها، فما رفعها حتى ظننت أنَّ عينيَّ ستندران " أو قال: تسقطان " ، ثم جاء مرة أخرى بسلي شاة فألقاه على رأسي، وأنا ساجد خلف المقام. فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي " .
وعمُّ عقبة مسافر بن أبي عمرو بن أمية: كان من أشراف قريش.
وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد شرف بعضهم لبعض شرف، وفضل بعضهم لبعض فضل. وهو القائل يفتخر:
ورثنا المجدَ عن آبا ... ئنا فنما بنا صُعُدا
ألم نسق الحجيجَ ونن ... حُر الدَّلاَّقة الرُّفّدا
ونلقَى عند تصريف ال ... منايا شدَّدا رُفُدا؟
وكان لعقبة من الولد: عمارة، وخالد، والوليد. وهم من مسلمة الفتح.
وأمُّ كلثوم، وهي التي هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية من مكة إلى المدينة على قدميها ماشية. فخرج أخواها: عمارة والوليد ابنا عقبة بن أبي معيط، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألانه أن يردَّها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية، فلم يفعل " أبى الله ذلك " . ولما قدمت المدينة تزوِّجها زيد بن حارثة، فقتل عنها يوم مؤتة فتزوجها الزبير بن العوَّام. فولدت له زينب، ثم طلَّقها، فتزوجها عبد الرحمن بن عوف. فولدت له إبراهيم وحميدا. ومات عنها فتزوَّجهتا عمرو بن العاصي فمكثت عنده شهرا وماتت. وهي من المهاجرات المبايعات. وفي شأنها أنزل الله تعالى " يا أيُّها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتَحِنوهُنَّ، اللهُ أعلمُ بإيمانهنَّ...( إلى آخر الآية.
وهي وأخواها الوليد شقيقها أخو عثمان لأمِّه أمُّهم أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وعمارة الذي يروى عنه.
وخالد بن عقبة: كان من سروات قريش، وليست له رواية، فيما يعلم، ولا خبر نادر إلا أنَّ له أخبارا في يوم الدار. منها قول أزهر بن سيخان في خالد هذا، معرِّضا بذكره في أبيات قالها، منها:
يَلومونَني أنْ جُلتُ في الدارِ حاسراً ... وقد فرَّ منها خالدٌ، وهْوَ دارعُ
وهو المذكور في كتاب " الجامع " من " الموَّطأ " في حديث: " لا يتناجى اثنان دون واحد " ونصُّ الحديث: مالك عن عبد الله بن دينار، قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق. فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع عبيد الله غيرى وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه. فدعا عبد الله بن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرَّجل الذي دعا: " استأخرا شيئا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد " . وإلى خالد هذا ينسب المعيطيُّون. وشهد جنازة الحسن بن علي من بين جميع بني أمية.
وأمَّا الوليد بن عقبة، فكان يكنى " أبا وهب " . ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أنَّ قوله عزَّ وجل )إنْ جاءكُم فاسقٌ بنبإ...( نزلت في الوليد بن عقبة. وذلك أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدَّقا إلى بني المصطلق، فأخبر عنه إنَّهم ارتدُّوا، وأبوا من أداء الصَّدقة ، وذلك انهم خرجوا إليه فهابهم، ولم يعرف ما عندهم. فانصرف عنهم، وأخبر النبيَّ عليه السلام أنهم منعوه الصدقة. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وأمره أنْ يتثبَّت فيهم. فأخبروه أنهم متمسِّكون بالإسلام. ونزلت: )يا أيُّها الذينَ آمنوا إن جاءكُم فاسقٌ بنبإ فتثبَّتوا( على قراءة حمزة والكسائيَّ.
وذكر يحيى بن معين عن إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن هلال الورَّاق، عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى )إن جاءكم فاسقٌ بنبإ( قال: نزلت في الوليد ابن أبي معيط.
ووقع بينه وبين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه كلام فقال الوليد: " لأنا أرزُّ للكتيبة، وأضرب لهامة البطل المشيح منك " . فأنزل الله تعالى: )أَفمن كانَ مؤمناً كمن كانَ فاسقاً(.
وولاه عثمان الكوفة، وعزل منها سعد بن أبي وقّاص. فلما قدم الوليد على سعد قال له سعد: " ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك؟ " .
فقال: " لا تجزعنَّ أبا إسحاق، فإنما الملك تغدَّاه قوم. ويتعشَّاه آخرون " . فقال سعد: " أراكم والله ستجعلونها ملكا " .
وله أخبار فيها نكارة شناعة، تقطع على سوء حاله وقبح أفعاله غفر الله لنا وله. فلقد كان من رجال قريش طرفا وحلما وشجاعة وأدبا. وكان من الشعراء الطبوعين. وكان الأصمعيُّ وأبو عبيدة وابن الكلبيِّ وغيرهم يقولون: كان الوليد ابن عقبة فاسقا، شرِّيب خمر. وكان شاعرا كريما. ذكر عمر بن شبَّة قال: نا هارون بن معروف قال: نا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال: صلى الوليد ابن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال عبد الله بن مسعود: " ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم " . قال: ونا محمد بن حميد عن الأجلح، عن الشعبيِّ في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه فقال الحطيئة:
شهدَ الحطيئةُ يومَ يَلقى ربِّه ... أنَّ الوليدَ أحقُ بالعُذْرِ
نادى وقد تمَّتْ صلاتُهُمُ: ... أَأَزيدكم؟سُكراً وما يدري
فأبَوا أبا وهْبٍ ولو أذِنوا ... لَقَرنتَ بينَ الشَّفْعِ والوَتْرِ
كَفُّوا عِنانَكَ إذ جَريْتَ، ولو ... تركوا عنانكَ لم تزلْ تجري
وقال أيضا:
تَكلَّمَ في الصلاةِ وزادَ فيها ... علانيةً، وجاهرَ بالنِّفاقِ
ومجَّ الخمرَ في سُننِ المصلَّى ... ونادى والجميعُ إلى افتراقِ
أزِيدكُمُ على أنْ تَحْمَدوني ... فما لكُمُ وماليَ من خَلاقِ
وخبر صلاتهم وهو سكران، وقوله: " أزيدكم؟ " بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقل أهل الحديث والأخبار. وقال مصعب: كان الوليد بن عقبة من رجال قريش وشعرائها. وكان له خلق ومروءة. استعمله عثمان على الكوفة إذ عزل عنها سعدا، فحمدوه وقتا، ثم رفعوا عليه، فعزله عنهم، وولى سعيد بن العاصي. فقال بعض شعرائهم:
فررتُ من الوليد إلى سعيدٍ ... كأهل الحِجْرِ إذ جَزعوا فباروا
يَلينا من قريشٍ كلَّ عامٍ ... أميرٌ مُحْدَث أو مُستشارُ
لنا نارٌ نُخوَّفُها فَنَخشى ... وليس لهم فلا يخشَوْنَ نارُ
وقصة الشهادة عليه بشرب الخمر ما رواه عبد العزيز بن المختار وسعيد بن أبي عروبة، عن عبد الله بن الدَّاناج، عن حضين بن المنذر ابن ساسان أنه ركب إلى عثمان فأخبره بقصة الوليد، وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر، وأنه صلى الغداة بالكوفة أربعا، ثم قال: أزيدكم؟. ثم قال أحدهما: رأيته يشربها. وقال الآخر: رأيته يتقيَّؤها. فقال عثمان رحمه الله: أنه لم يتقياها حتى شربها. فقال لعلي: أقم عليه الحدَّ. فقال عليٌّ لابن أخيه عبد الله بن جعفر: أقم عليه الحدَّ. فأخذ السَّوط وجلده، وعثمان يعدُّ حتى بلغ أربعين. فقال علي: أمسك، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنَّة.
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن الباقر أبي جعفر بن علي زين العابدين رضي الله عنهما قال: جلد عليٌّ رضي الله عنه الوليد بن عقبة في الخمر أربعين بسوط له طرفان، فأضاف الجلد إلى علٍّ، لأنه أمر به على الوجه الذي تقدَّم في الخبر قبله. هكذا ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البرَّ خبر جلد الوليد في كتاب الصحابة. وذكر مسلم في صحيحه، فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعليُّ بن حجر، قالوا: نا إسماعيل، وهو ابن عليَّة عن ابن أبي عروبة عن عبد الله الدَّاناج، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ، واللفظ له، قال: أنا يحيى بن حمَّاد قال: نا عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر الدَّاناج، قال: نا حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان أتى بالوليد قد صلَّى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟. فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر. وشهد آخر أنه رآه يتقيأ. فقال عثمان: أنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا عليُّ قم فاجلده. فقال: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولَّ حارَّها من تولَّى قارَّها. فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده. فجلده، وعليٌّ يعدُّ حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك. ثم قال: جلد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنَّة، وهذا أحبُّ أليَّ.
لم يرو الوليد رواية يحتاج فيها إليه. وكان إذ ولي الكوفة ابتنى بها دارا. ثم لما عزل عنها وحدَّ لم يزل بالمدينة حتى بويع علي، فخرج إلى الرَّقَّة، فنزلها، واعتزل عليا ومعاوية ، ومات بها، وبالرقة قبره في ضيعة له، وولده بالرقة وبالكوفة، منهم: محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة، كان يقال له: " ذو الشامة " ، ويرمى بالزندقة. وكان معاوية لا يرضى الوليد، وهو الذي حرَّضه على قتال عليٍّ رحمه الله؛ فربَّ حريص محروم. وهو القائل لمعاوية يحرِّضه ويغريه بعليٍّ رضي الله عنه.
واللهِ ما هندٌ بأمِّك إن مضى النْ ... َهارُ ولم يَثْأرْ بعثمانَ ثائرُ
أيقتلُ عبدُ القوم سيِّد أهلهِ ... ولم يقتلوهُ ليتَ أمَّك عاقِرُ
وهو القائل أيضا:
ألا مَن لليلٍ لا تَغورُ كواكبُهْ ... إذ لاحَ نجمٌ غارَ نجمٌ يُراقبُهْ
بني هاشمٍ رُدُّوا سلاحَ ابنِ أختكمْ ... ولا تَنْهبوهُ لا تحلُّ مَناهبُهْ
بني هاشمٍ لا تُعجِلونا فإنَّهُ ... سَواءٌ علينا قاتِلوهُ وسالبُه
وإنا وإيّاكمْ وما كان منكمُ ... كصَدعِ الصَّفا لا يَرأبُ الصدعَ شاعبُهْ
بني هاشمٍ كيفَ التَّعاهُدُ بيننا ... وعند عليٍّ سيفُهُ وجَرائبُهْ
لعَمُركَ ما أنسى ابنَ أَروى وقتلهُ ... وهلْ يَنْسينَّ الماءَ ما عاشَ شاربه؟
همُ قَتلوهُ كي يكونوا مكانَهُ ... كما فَعلتْ يوماً بكسرى مَرازبُهْ
فأجابه الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب بثلاثة أبيات يحاشي ويجلُّ عثمان أن يوصف بما ذكر في البيت الأوسط منها. نفعنا الله بحبِّه وحبِّ الشيخين قبله، وحبِّ الأمام الرضي بعده، ورضي عنهم آمين.
وأمَّا أمية الأصغر بن عبد شمس: فيقال لولده " العبلات " ، لأن أمَّهم عبلة. منهم: الثريَّا بنت عليِّ بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر، التي كان يشبِّب بها عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة. وهو القائل فيها من أبيات:
ليتَ شعري هل أقولنْ لركبٍ ... بفلاةٍ وهمْ لدينا هجوعُ:
طال ما عَرستُمُ فاستقلوا ... حانَ من نجمِ الثريَّا طلوعُ
وفيها يقول، متخَّير من قصيدة:
قالَ لي صاحبي ليعلمَ ما بي: ... أتحبُّ القَتولَ أختَ الربابِ؟
قلتُ: وجدي بها كوجدِكَ بالما ... ءِ إذا ما مُنعتَ بَرْدَ الشَّرابِ
مَن رسولي إلى الثريَّا فإني ... ضقتُ ذَرعاً بهجرِها والكتابِ
أَبرزوها مثلَ المهاةِ تَهادى ... بينَ خَمسٍ كواعبِ أَتْرابِ
وهْيَ مكنونةٌ تَحيَّرَ منها ... في أديمِ الخدَّينِ ماءُ الشبابِ
نلتُ ما كنتُ أشتهي يا عذولي ... حينَ قبَّلتُ ثغرها في النِّقابِ
فاقتُليهِ قتلاً سريعاً مُريحاً ... لا تكوني عليهِ سَوطَ عذابِ
وكانت الثريَّا موصوفة بالجمال، فتزوَّجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهريُّ، فنقلها إلى مصر. فقال عمر يضرب لها المثل بالكوكبين: أيُّها المُنِكحُ الثريّا سُهيلاً عَمْرَكَ اللهُ كيفَ يَلتقيان! هيَ شاميَّةً إذا ما استقلّت وُسهيلٌ إذا استقلَّ يَمانِ وأمَّا حبيب بن عبد شمس فمن ولده عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب وهو خال عثمان وأخو أمِّه، ويعد في الصحابة، وكان مضعَّفا. وابنه عبد الله بن عامر من الأجواد، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتى به وهو صغير. وقيل: لما أتى به إليه صلى الله عليه وسلم قال لبني عبد شمس: " هذا أشبه بنا منكم " ، ثم تفل في فيه فازدرده، فقال: " أرجو أن يكون مسقيَّا " . فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء.
وقال صالح بن الوجيه وخليفة بن خياط: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبو موسى الأشعريَّ عن البصرة، وعثمان بن أبي العاصي عن فارس، وجمع ذلك كلَّه لعبد الله بن عامر بن كريز. قال صالح: وهو ابن أربع وعشرين سنة. ولم يختلفوا أنه أفتتح أطراف فارس كلَّها وعامَّة خراسان وأصبهان وحلوان وكرمان. وهو الذي شقَّ نهر البصرة. ولم يزل واليا لعثمان على البصرة إلى أن قتل عثمان، وكان ابن عمَّته. ثم عقد له معاوية على البصرة، ثم عزله عنها، وكان أحد الأجواد. وأوصى إلى عبد الله بن الزُّبير، ومات قبله بيسير وفيه يقول زياد الأعجم:
أخٌ لكَ لا تراهُ الدهرَ إلا ... على العلاَّتِ بسَّاماً جَوادا
سألناهُ الجزيلَ فما تَلكَّا ... وأعطى فوقَ مُنْيَتنا وزادا
وأحسن ثم أحسنَ ثم عُدنا ... فأحسنَ ثمَّ عدتُ له فعادا
مراراً ما رجَعتُ إليه إلا ... تبسَّم ضاحكاً وثَنى الوِسادا
ومن موالي أروى بنت كريز أمِّ عثمان بن عفان طويس، الذي يضرب به المثل بشؤمه اسمه عبد الملك، ويكنى أبا عبد النعيم. ورؤي طويس يرمي بالجمار يشكر من عبق. فقيل له: ما هذا؟ فقال: كانت للشيطان عندي يد، فأحببت أن أكافئه عليها.
مواقع النشر (المفضلة)