السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والشِّفاء هي بنت عبد الله بن عبد شمس بن خالد بن " صداد " . ويقال أن ضرار بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديِّ بن كعب القرشية العدويَّة من المبايعات. قال احمد بن صالح المصري: " اسمها ليلى، وغلب عليها الشفاء، أمُّها فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، أخت حزن بن أبي وهب، جدُّ سعيد بن المسيَّب بن حزن، وأخت هبيرة ابن أبي وهب زوج أمِّ هانئ بنت أبي طالب. وهي بنت خال أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلمت الشفاء قبل الهجرة، فهي من المهاجرات الأول. وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهنَّ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها، ويقيل عندها في بيتها. وكانت قد اتخذت له فراشا وإزارا ينام فيه. فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منها مروان. وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علِّمي حفصة رقية النَّملة كما علَّمتها الكتاب " . وأقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة دارا، فنزلتها مع ابنها سليمان. وكان عمر يقدمِّها في الرأي، ويرضاها، ويفضِّلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق. روى عنها ابنا ابنها سليمان: أبو بكر وعثمان.
قال المؤلف غفر الله له: هذا بحث يفيد معرفة برواة الآثار وعلما، ويزيد من نظر في هذا الشأن نباهة وفهما، بليغا موجزا، جامعا لسبل الخير، محرزا. من طالعة أهل السنَّة دان به، وتعلَّق بالمتين سببه. والله الولُّي المعين، وبتوفيقه مناهج الرُّشد تبين. وأرجع إلى ما كنت بسبيله.
قال أبو العباس محمد بن إبراهيم السرَّاج:حدثنا عبيد الله بن سعد الزُّبيريُّ، قال: نا أحمد بن محمد، قال: سمعت الشافعيَّ يقول: اسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، وهاشم اسمه عمرو بن عبد مناف، وعبد مناف اسمه المغيرة بن قصيٍّ، وقصيٌّ اسمه زيد بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي. قال: سمعت الشافعيُّ يقول: أبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب.
عبد مناف بن قصي
ويكنى أبا عبد شمس، فولد عبد مناف هاشما، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس. وأمُّهم ما عدا نوفلا عاتكة بنت مرَّة بن هلال بن فالح بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة. وأمُّ نوفل وافدة بنت عمرو المازنيَّة، من مازن بن منصور بن عكرمة. فإما هاشم فلم يعقب من ولده غير عبد المطلب. وليس في الأرض هاشميٌّ إلا من ولد عبد المطلب، ويأتي ذكره بعد هذا. وقال شاعر من قريش، أو من بعض العرب يمدح هاشما:
عَمرُو الذي هَشَم الثَّريدَ لقومهِ ... قومٍ بمكةَ مُسْنِتينَ عِجافِ
سُنَّتْ إليهِ الرِّحلتانِ كلاهُما ... سَفَرُ الشتاءِ ورِحلةُ الأصيافِ
وهلك هاشم بغزَّة من أرض الشام تاجرا. والمقدَّم من قريش " بنو هاشم " وهي فصيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعشيرته الأقربون، وآله الذين تحرم عليهم الصدقة. قال أهل العلم في تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحلُّ الصدقة لمحمد ولا لآل محمد " قال: هم بنو هاشم؛ آل العباس، وآل أبي طالب، وبنو أبي لهب، وبنو الحارث بن عبد المطلب، وآل عليٍّ، وآل عقيل، وآل جعفر.
وقيل: بنو عبد المطَّلب فصيلته، وبنو هاشم فخذه، وعبد مناف بطنه، وقريش عمارته، وبنو كنانة قبيلته، ومضر شعبه. حدَّث محمد بن وضاَّح قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا محمد بن مصعب، نا الأوزاعيُّ عن أبي عمَّار،عن واثلة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كناية قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم " .
وقال الأمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريُّ: نا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيُّ قال: نا الوليد بن مسلم وشعيب بن إسحاق قالا: نا الأوزاعيُّ قال: نا شدَّاد أبو عمار قال: نا واثلة بن الأسفع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش، واصطفاني من بني هاشم " .
قال محمد بن عبد الله بن سنجر: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: نا الحسن ابن جعفر قال: نا أبو الصَّبهاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهل بيتي مثل سفينة نوح؛ من ركب فيها نجا، ومن تخلَّف هلك " . وروى حمَّاد بن زيد عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله اختار العرب، ثم اختار منهم النَّضر بن كنانة، ثم اختار قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم " .
وعن سفيان الثوريِّ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق الخلق، فجعلني في خير خلقه، وجعلهم أفراقا، فجعلني من خير فرقة، وجعلهم قبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا، فجعلني في خير بيت، فأنا خيركم بيتا وخيركم نسبا " . وقال صلى الله عليه وسلم: " كلُّ سبب نسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي " .
وأما المطَّلب بن عبد مناف فكان يقال له " الفيض " لسماحه. وفيه قيل: " والفيض مطَّلب أبي الأضياف " . وهلك المطلب ب " ردمان " من اليمن فقال رجل من العرب يبكيه:
قَد ظَمئ الحجيجُ بعدَ المطَّلبْ
بعدَ الجِفانِ والشرابِ المُنْثِعِبْ
ليتَ قُريشاً بعدَهُ على نُصُبْ
ومن ولده: عبيدة، والطفيل، والحصين. بنو الحارث بن المطَّلب شهدوا بدرا، وهم من المهاجرين الأولين. واستشهد عبيدة يوم بدر، قطع رجله عتبة بن ربيعة، فمات بالصَّفراء.
ومن ولده مسطح بن أثاثة، واسمه عوف بن أثاثة بن عبَّاد بن المطلب. ومسطح مهاجري بدري، وهو من أصحاب الأفك. وأمه: بنت خالة أبي بكر الصديق، وأبوها أبو رهم بن المطَّلب. وأمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعيد بن تيم، أخت أمِّ الخير أمِّ أبي بكر رضي الله عنه.
ومنهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب. وكان من أشدَّاء قريش. وخبره حين صرعه النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في بعض شعابها مشهور، وذلك قبل الهجرة. ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه. وكان إسلامه قبل فتح خيبر. وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال الكتيبة من خيبر خمسين وسقا وروى عن النبيِّ عليه السلام.
وكان لركانة ابنان: يزيد وطلحة فأما يزيد فكانت له صحبة ورواية. وروى عنه أبو جعفر محمد بن علي. وأما طلحة فولد زيد بن طلحة، وفي الموطأ عنه ما نصُّه: مالكعن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي، عن زيد بن طلحة بن ركانة، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكلِّ دين خلق، وخلق الإسلام الحياء " . قال الحافظ أبو عمر بن عبد البرِّ في كتاب " التقصِّي " له: هكذا الحديث في الموطأ عند أكثر الرواة عن مالك. وقد أسنده بعض الرواة عن مالك. وقد ذكره في التمهيد.
وأخو ركانة عُجَير بن عبد يزيد. كان ممَّن بعثه عمر فيمن أقام أعلام الحرم. وكان من مشايخ قريش وجلَّتهم. وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتيبة من خيبر ثلاثين وسقا.
وابن أخيه السائب بن عبيد بن عبد يزيد أسر يوم بدر فافتدى. ثم أسلم فقيل له " هلاَّ " أسلمت قبل أن تفتدي؟ فقال: ما كنت لأحرم المؤمنين طمعا لهم فيَّ.
وابنه شافع بن السائب: إليه ينتسب الشافعي الأمام. فيقال فيه: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع.
وجدُّ السائب عبد يزيد بن هاشم بن المطلب: وهو أبو ركانة. كان يقال له: " المحض لا قذى فيه " ، لأنه ولده هاشما " ن " ؛ هاشم بن المطلب أبوه، وهاشم بن عبد مناف أبو أمِّه، واسمها " الشفاء " . فالشافعي صريح المجد لأب وأم. وولد سنة خمسين ومئة، في السنة التي مات فيها أبو حنيفة في خلافة أبي جعفر المنصور. وتوفي بمصر سنة أربع ومئتين في خلافة المأمون. ونشأ بمكة مسقط رأسه، ورحل في طلب العلم منها إلى مالك إمام الهجرة، وقرأ عليه، وهو ابن أربع عشرة سنة، رضي الله عنه.
ومن " بني " المطلب بن عبد مناف أيضا قيس بن مخرمة بن المطلب: أبو محمد، ويقال: أبو السائب، ولد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. روي عنه أنه قال: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لدة. وكان أحد المؤلَّفة قلوبهم، وممَّن حسن إسلامه منهم. ولم يبلِّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة من الإبل من غنائم حنين. وروى عنه ابنه المطلب بن عبد الله روى عنه محمد بن إسحاق في السيرة عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة الحديث المتقدم: " ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، فنحن لدان " . وخرَّج التَّرمذي الحديث بلفظه سواء عن محمد بن بشّار العبدي عن وهب بن جرير عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن المطلب، عن أبيه، عن جده، ولم يذكر فيه " فنحن لدان " .
وكانت لقيس بن مخرمة بن المطلب بنت تسمى زينب قد صلَّت القبلتين " جميعا " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مولاة السُّدِّي المفسِّر، أعتقت أباه. روى " أسباط " بن نصر عن السُّدي عن أبيه قال: كاتبتني زينب بنت قيس بن مخرمة من بني المطَّلب بن عبد مناف على عشرة آلاف فتركت لي ألفا. وكانت قد صلَّت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السُّدِّي إسماعيل بنُ عبد الرحمن: سمع من أنس بن مالك، ورأى الحسين بن علي. وثَّقة شعبة " وسفيان " الثَّوريُّ ويحيى بن سعيد القطَّان وقيل له: " السدِّي " لأنه كان يبيع الخمر في سدَّة المسجد با....
وأما نوفل بن عبد مناف فمن ولده: مطعم بن عديِّ بن نوفل. وهو الذي أجاز النبي عليه السلام حين رجع من الطائف من دعاء ثقيف بعد موت أبي طالب. ذكر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف مريدا مكة مَّر به بعض أهل مكة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل أنت مبلِّغ عني رسالة أرسلك بها؟ " قال: نعم. قال: " إئت الأخنس بن شريف، فقيل له: يقول محمد: " هل أنت مجيري حتى أبلِّغ رسالات ربي؟ " . قال: فأتاه، فقال له ذلك. فقال الأخنس: إنَّ الحليف لا يجير على الصَّريح. قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره. قال: " تعود؟ " قال: نعم. قال: " إئت سهيل بن عمرو فقل له: أن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلِّغ رسالات ربي؟ " . فأتاه، فقال له ذلك. قال: فقال: إن بني عامر لا تجير على بني كعب. قال: فرجع إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخبره. قال: " تعود؟ " قال: " إئت المطعم بن عديٍّ فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلِّغ رسالات ربي؟ " . قال: نعم فليدخل. قال: فرجع الرجل إليه فأخبره. وأصبح المطعم بن عديّ قد لبس سلاحه وهو بنوه وبنو أخيه. فدخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم متابع؟ قال: بل مجير. قال: أجرنا من أجرت. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، فأقام بها. ولم يشهد المطعم بدرا مع المشركين لأنه مات بمكة مشركا في صفر قبل بدر بسبعة أشهر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه جبير حين قفل من غزوة بدر إلى المدينة، وأتاه جبير يكلمه في أسارى بدر من مكة وهو على شركه: " لو أن أباك كان حيا، أو لو أن المطعم بن عدي كان حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له " جزاء ليده التي كانت له عنده حين أجاره.
وكان المطعم من أشراف قريش، وممن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب بمكة، وخبرها مشهور.
وابنه جُبيرُ بنُ مُطعِم: من مسلمة الفتح، وحسن إسلامه، وكان نسَّابة وتوفي بالمدينة سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة تسع وخمسين في خلافة معاوية. وهو من المؤلفة قلوبهم، وممَّن حسن إسلامه منهم، ويكنى أبا محمد. ويقال: إن أول من لبس بالمدينة طيلسانا جبير بن مطعم ويروى عن ابنه محمد ونافع الحديث. روى ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر فوافقته وهو يصلي بأصحابه المغرب أو العشاء. فسمعته وهويقرأ، وقد خرج صوته من المسجد: )إنَّ عذابَ ربِّكَ لواقعٌ مالَه من دافع(. قال: فكأنما صدع قلبي. وبعض أصحاب الزُّهري يقول في هذا الخبر: فسمعته يقرأ: )خُلقوا من غير شئ أم هُمُ الخالقون أم خَلقوا السماواتِ والأرضَ بل لا يُقِنونَ(. فكاد قلبي يطير. فلمَّا فرغ من صلاته كلَّمته في أسارى بدر، فقال: " لو كان الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفَّعناه " .
وفي الموطأ: مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطُّور في المغرب.
وابنه نافعُ بن جُبير: كان ذا كبر، وجلس في حلقة العلا بن عبد الرحمن الحرفي، وهو يقرئ المسلمين، فلما فرغ قال: أتدرون لم جلست إليكم؟ قالوا: جلست لتسمع؟. قال: لا، ولكنِّي أردت أن أتواضع لله بالجلوس إليكم......
إنَّ اللعينَ أبوكَ فارْمِ عِظامَهُ ... إنْ ترمِ ترمِ مُخَلَّجاً مَجْنونا
يُمسي خَميصَ البطنِ من عملِ التُّقى ... ويظلُّ من عملِ الخبيثِ بَطِينا
أما قول عبد الرحمن بن حسان: " إنَّ اللعين أبوك فارم عظامه " ، فروي عن عائشة، من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، أنها قالت لمروان إذ قال في أخيها عبد الرحمن ما قال: " أمَّا أنت يا مروان فأشهد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك، وأنت في صلبه. وقال أبو بكر أحمد بن زهير أبي خيثمة: نا موسى بن إسماعيل، نا عبد الواحد بن زياد، نا عثمان بن حكيم، قال: نا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل عليكم رجل لعين " . وكنت قد تركت عمرا يلبس عليه ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بم أبي العاصي.
وابنه مروانُ بنُ الحكم: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني سنين. وكان من الفقهاء، وكان كاتب عثمان رضي الله عنه، ومن أجله حوصر عثمان. وكان مع عائشة يوم الجمل. وولي المدينة مرَّتين لمعاوية، ثم بويع بالخلافة سنة أربع وستين؛ بايعه أهل الشام بالجابية. وقتل الضحاك بن قيس الفهريَّ بمرج راهط. وكان من أصحاب ابن الزبير. بايعه، ودعا له. وكان يوم المرج حيث قتل الضحاك للنِّصف من ذي الحجَّة سنة أربع وستين، وكانت ولاية مروان عشرة أشهر، ومات بالشام سنة خمس وستين، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وهو يعدُّ فيمن قتله النساء.
وأمُّه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أميَّة بن محدِّث بن جمل بن شقٍّ ابن رقبة بن مجدج بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن مالك بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر. وكانت زرقاء، ولذلك يقال لمروان: " ابن الزرقاء " .
وابنه عبدُ الملك من الفقهاء وأهل الحزم والدهاء، ويلقَّب " رشح الحجر " لبخله، ويكنى " أبا ذبَّان " لبخره. وكان معاوية جعله مكان زيد بن ثابت على ديوان المدينة، وهو ابن ستَّ عشرة سنة وجعله أبوه الخليفة من بعده. وتوفي عبد الملك بدمشق سنة ستٍّ وثمانين. وولي الخلافة من ولده أربعة: الوليد وسليمان ويزيد - وهو ابن عاتكة بنت يزيد بن معاوية - وهشام، وولي وسطا بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز بن مروان رضي الله عنه. وتوفي بدير سمعان من أرض حمص سنة إحدى ومئة، وهو ابن تسع وثلاثين سنة.
ومن ولده هشام بن عبد الملك بن مروان عبدُ الرحمنِ بنُ " مُعاوية " بن هشامٍ الداخلُ إلى الأندلس، وهو أبو الخلفاء بها. وكان يقال له " صفر قريش " .
ويكنى " أبا المُطرِّف " . واحتلَّ بالمنكب بعد انفصاله عن الشام غُرِّةٌ ربيع الأولى سنة ثمان وثلاثين ومئة. ودخل قرطبة ظاهرا فاشيا أمره بالأندلس. وثبت له به البيعة يوم الأضحى، ووافق ذلك يوم الجمعة من سنة ثمان وثلاثين ومئة، وهو ابن ستٍّ وعشرين سنة.
وتوفي يوم الثُّلاثاء لستٍّ بقين لربيع الأول سنة اثنتين وسبعين مئة.
وكان ملكه اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر. وكان مولده بدير حنينا من عمل دمشق، سنة ثلاث وعشرة مئة.
ومن ولد يزيد " بن " عبد الملك بعد عمر بن عبد العزيز الوليدُ بن يزيد. وولي الخلافة بعد عمِّه هشام. وكان مناجا زنديقا سفيها. وقصته في المصحف مشهورة حين رشقه بالسِّهام لمَّا استفتح فيه، فخرج له )واسْتَفْتحوا وخابَ كلُّ جَبَّارٍ عَنِيد( فغضب، ونصبه هدفا للسهام. وقال، وهو يرشقه:
أتوعد كلِّ جبارٍ عنيدٍ ... فهأنذاكَ جبَّارٌ عنيدُ
إذا ما جئتَ ربَّكَ يومَ حشرٍ ... فقل: يا ربِّ مزَّقني الوليدُ
فرؤي رأسه بعد ثلاثة أيام في موضع المصحف موضوعا بعد ما حزَّ، انتقم الله منه لكتابه الكريم. وقتله ابن عمِّه يزيدُ بنُ الوليد الملقب بالناقص، وكان فاضلا. وكانت ولايته من مقتل الوليد خمسة أشهر. ويقال: أنه مذكور في الكتب المتقدمة بحسن السيرة والعدل، وفي بعضها: يا مبذِّر الكنوز، يا سجَّادا في الأسحار، كانت ولايتك رحمة ووفاتك فتنة، أخذوك فصلبوك.
وكان مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر ملوك بني أمية، الذي قامت عليه " المسوَّدة " بنو العباس لمَّا ولي الخلافة نبش قبر يزيد الناقص، واستخرجه وصلبه. ولقِّب يزيد بالناقص لأنه نقص الجند أعطياتهم.
ومن بني العاصي بن أمية خالد وعمرو وسعيد وأبان والحكم، بنو سعيد أبي أحيحة بن العاصي. وهؤلاء الخمسة من الصحابة مشاهير. وعمر وخالد منهم إسلامهما قديم، وهاجرا الهجرتين جميعا إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة، وأما سعيد فاستشهد في الطائف، وكان إسلامه قبل فتح مكة بيسير. وأما أبان فكان إسلامه بين الحديبية وخيب. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين؛ برَّها وبحرها، ثم عزل العلاء بن الحضرميِّ عنها، وأمَّره على بعض سراياه. وهو الذي أجار عثمان بن عفان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش عام الحديبية، وحمله على فرس حتى دخل مكة، وقال له:
أقبلْ وأَدبِر ولا تخفْ أحداً ... بنو سعيدٍ أعزَّةُ الحَرَمِ
واستشهد عمر وخالد وأبان في فتوح الشام رضي الله عنهم. وأما الحكم خامسهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه، وسمَّاه " عبد الله " . لأبي أحيحة ثمانية قدِّمت خمسة منهم للإسلام والصُّحبة. والثلاثة الباقون ماتوا كفارا، وهم: أحيحة والعاصي و " عبيدة " . فأما أحيحة وبه كان يكنى سعيد ابن العاصي بن أمية أبوهم، فقتل يوم الفجار. وأما العاصي وعبيدة فقتلا يوم بدر كافرين. قتل عليُّ بن أبي طالب العاصي، وقتل عبيدة الزبير بن العوّام، وسعيد بن العاصي، قتيل عليٍّ، أحد أجواد الإسلام، وكان فصيحا شريفا وفيه يقول الفرزدق حين ولاه معاوية المدينة في قصيدة:
ترى الغُرَّ الجحاجحَ من قريشٍ ... إذا ما الأمرُ في الحَدَثانِ عالا
قياماً ينظرونَ إلى سعيدٍ ... كأنَّهمُ يرونَ " به " هَلالا
وكان يقال له " عكة العسل " . ولد عام الهجرة وقيل: سنة إحدى. واستعمله عثمان على الكوفة، وغزا بالناس طبرستان فافتتحها، وافتتح أيضا جرجان في زمن عثمان، وكان أيَّدا. يقال: أنه ضرب بجرجان رجل على حبل عاتقه فأخرج السيف من مرفقه. ولما قتل عثمان لزم سعيد بن العاصي هذا بيته، واعتزل أيام الجمل وصفين، ولم يشهد شيئا من تلك الحروب. فلما أجتمع الناس على معاوية استوسق له الأمر ولاّه المدينة، وعزله وولاها مروان. وكان يعاقب بينه وبين مروان بن الحكم في أعمال المدينة.
وقال سفيان بن عيينة: كان سعيد بن العاصي كريما، إذ سأله سائل فلم يكن عنده ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه إلى أيام يسره. وكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غلام، جبَّة فبها سميَّت الثياب السعيدية.... وهو أوَّل من خش الأبل في العظم. والخش: جعل الخشاش في أنف البعير.
وتوفي سنة تسع وخمسين في خلافة معاوية.
وابنه عمر بن سعيد الأشدق: هو الذي قتله عبد الملك بن مروان بيده. وكان مفوَّها بليغا. وقال له معاوية، وهو صغير: " إلى من اوصى بك أبوك؟ " فقال: " أوصى إليَّ ولم يوص بي " .
ومن ولد عمرو الأشدق إسماعيل بن أمية بن عمرو وكان يروي عنه الحديث ومات سنة أربعين ومئة.
ومن ولده أيضا إسحاق ويحيى ابنا سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي أبو أمية، روى عن أبيه يحيى. وروى عنه روح بن عبادة. وكنية عمرو الأشدق " أبو أمية " . وهو الذي قال له عبد الملك بن مروان: " أمكرا وأنت في الحديد؟ " ، حين جعل الجامعة في عنقه، والقصة مشهورة.
ومن بني أبي العيص بن أمية عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، ويكنى " أبا عبد الرحمن " ، وقيل أبو محمد. وهو من خيار مسلمة الفتح. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر. ومات هو وأبو بكر في وقت لم يعلم واحد منهما بموت الآخر. وقال الواقدي: " ماتا في يوم واحد " وكذلك يقول ولد عتّاب.
مواقع النشر (المفضلة)