من آداب الحج
الحج عبادة زُيِّنت بمحاسن وآداب، فقد قال تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة:197]. والرفث يطلق على الجماع، ويطلق على الفحش من القول والفعل، والفسوق هي المعاصي كلها، أما الجدال فهو المخاصمة بالباطل، أو المخاصمة فيما لا فائدة فيه، أما المخاصمة فيما فيه فائدة من العلم أو الخير، فإنه لا يدخل في ذلك.
وإذا كان الحج ارتفاعًا عن شهوات الحياة الدنيا ومادياتها، وتدريبًا للعبد على التخفف منها، والاكتفاء باليسير، فلا يليق بالمتلبس بهذه العبادة أن ينشغل عنها بما نهى الله تعالى عنه من أمور النساء قولاً أو فعلاً.
وإذا كان مُحرِمًا حَرُم عليه إتيان حليلته بالجماع ودواعيه، وهو أشد تحريمًا مع الأباعد فيما حرَّم الله – عز وجل - أصلاً. ويتأكد هذا المعنى حين يعلم الإنسان الازدحام الذي يكون في المشاعر، وعدم تمييز الرجال عن النساء، وما يقع من كثير من النساء من التطيب والتزين ومزاحمة الرجال، وما قد يترتب عليه من المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله.
إنه لا يكفي من المسلم أن يُعرِض عن هذا فحسب، بل من آداب الحج وواجباته عليه أن يكون آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر. إننا نعلم جميعًا أن تنظيف المشاعر من القاذورات الحسية يتطلب حشد عشرات الآلاف من العاملين لتنظيف المشاعر، وجمع الفضلات، ومثله تنظيم المرور، فإنه يتطلب أعدادًا غفيرة من العاملين في هذا السلك، أفليس جديرًا بنا أن نحشد ونجنِّد أضعاف هذا العدد لتنظيف المشاعر من كل المنكرات والمعاصي والمخالفات؟
إنه لأمر يسير.. لا أقول تستطيعه الدول فحسب؛ بل يستطيعه آحاد الناس. ولو أن كل طالب علم، أو داعية جنَّد نفسه لهذه المهمة -مهمة إنكار المنكرات في المشاعر .. مهمة الأمر بالمعروف- لتحقق الاكتفاء بذلك بحمد الله تعالى.
وإذا كانت المعاصي محرمة في كل حين، فإنها في مكة وفي حال الإحرام أشد تحريمًا، وهي أولى بالمنع والزجر والنهي عنها. قال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25].
روى ابن أبي شيبة في مصنفه (14096) عن مجاهد قال: "كان لعبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -فسطاطان أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يصلي صلى في الفسطاط الذي في الحرم، وإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الذي في الحل..".
وقد تسمع من بعض الحجيج الفحش، والبذيء من القول، وسيئ الكلام، وقد تسمع أيضًا الغيبة والوقيعة في الغافلين .. فهل حفظ هؤلاء حجهم، وعظموا مقدساتهم؟
وهناك الذين يثيرون الجدل لسبب ولغير سبب، فتجد الجدل عند وقوف السيارات، وتجد الجدل عند سقي الماء، وتجد الجدل عند الدفع والسير، .. فأين فعلهم هذا من قول الله – عز وجل - : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة:197]؟
إن حسن الخلق، وطيب الكلام، وإطعام الطعام، من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله - عز وجل -، خاصة في مثل تلك المشاعر.
وإننا نناشد خاصَّةَ الناس من طلبة العلم، والدعاة، والموسرين، وأهل الخير، أن يدركوا أن اشتغال الواحد منهم بنفع الناس، أو مساعدتهم، أو تعليمهم، أفضل من كثير من العبادات القاصرة، والتي يمكن تأجيلها لنصرف الجهد لمساعدة الحجيج في هذا الموسم العظيم، والقدوة والحجة في ذلك نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، والذي كان في حجة الوداع مشتغلاً بالناس تعليمًا، وإفتاءً، وهداية، وتربية، ورفقًا، وبِرًّا.
مواقع النشر (المفضلة)