أبو طلحة الأنصاري
هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبو طلحة مشهور بكنيته.
ووهم من سماه سهل بن زيد وهو قول ابن لهيعة عن أبيالأسود عن عروة في تسمية من شهد العقبة، وقد قال ابن سعد: أخبرنا معن بنعيسى أخبرنا أبو طلحة من ولد أبي طلحة قال اسم أبي طلحة زيد..
وأمه هي عبادة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي ابن عمرو بن مالك بن النجار وهو مشهور بكنيته. شهد بدرا.
قصة إسلامه:
بدأت قصة إسلام أبي طلحة يوم أراد أن يخطب أم سُليم، حيث ذهب إليها فلما بلغ منزله، واستأذن إليه، فعرض نفسه عليها.
فقالت: إن مثلك يا أبا طلحة لا يُرد، ولكني لن أتزوجك فأنت رجل كافر
ـ فقال: والله ما هذا الذي يمنعكِ مني يا أم سليم.
ـ قالت: فماذا إذ؟
ـ قال: الذهب والفضة. يعني أنها آثرت غيره عليه أكثر غنىً منه .
ـ قالت: بل إني أشهِدك يا أبا طلحة، وأشهد الله ورسوله ؛ أنك إن أسلمت رضيت بك زوج ، وجعلت إسلامك لي
فلما سمع أبو طلحة كلام أم سليم، انصرف ذهنه إلى صنمه الذي اتخذه من الخشب، يتوجه إليه بالعبادة
ـ هنا قالت أم سليم: ألست تعلم يا أبا طلحة أن إلهك الذي تعبده من دون الله قد نبت من الأرض؟!
ـ فقال: بلى.
ـ قالت: ألا تشعر بالخجل وأنت تعبد جذع شجرة، جعلت بعضه لك إلهاً، بينما جعل غيرك بعضه الآخر وقوداً يخبز عليه عجينه؟!
ـ قال: ومَن لي الإسلام؟.
ـ قالت: أنا أعلمك كيف تدخل فيه: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم تذهب إلى بيتك فتحطم صنمك وترمي به.
ففعل أبو طلحة كل ذلك. ثم تزوَّج من أم سليم. فكان المسلمون يقولون:
" ما سمعنا بمهر قط كان أكرم من مهر أم سليم، فقد جعلت مهرها الإسلام".
أحب أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فكان يديم النظر إليه ولا يرتوي من الاستماع إلى عذب حديثه.
أهم ملامح شخصيته:
هو صحابي من الشجعان والرماة المعدودين فيالجاهلية والإسلام. كان أحد النقباء الاثني عشر في بيعة العقبة. شهد بدراوما بعدها من المشاهد، وكان من أكبر أنصار الإسلام.
ومن شجاعته ما يرويه أنس بن مالك أن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال يوم حنين: من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذعشرين رجلا وأخذ أسلابهم
وكما كان أبو طلحة جواداً بنفسه في ساعات البأس ،كان أيضاً جواداً بماله في مواقف البذل: *ومن ذلك أنه كان له بستان مننخيل وأعناب لم تعرف المدينة بستاناً أعظم منه شجر، ولا أطيب ثمر، ولاأعذب منه ماءً.
وبينما كان أبو طلحة يصلي في بستانه، أثار انتباههطائر أخضر اللون، أحمر المنقار، فأعجبه منظره، وشرد عن صلاته بسببه، فلميدرِ كم صلى ثلاثاً أم أربع. فلما فرغ من صلاته ذهب إلى رسول الله، وشكاله نفسه التي شغلها البستان والطائر عن الصلاة، ثم قال: أشهد يا رسول اللهأني جعلت هذا البستان صدقة لله تعالى، فضعه حيث يحب الله ورسوله.
*وفي الصحيحين عن أنس لما نزلت (لن تنالوا البرحتى تنفقوا مما تحبون) قال أبو طلحة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنأحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها. فقال النبي -صلى اللهعليه وآله وسلم- بخ بخ ذاك مال رابح الحديث.
* عاش أبو طلحة حياته صائماً مجاهد، فقد أثر عنهأنه بقي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم نحواً من ثلاثين عاماًصائماً، لم يفطر إلا حيث يَحرم الصوم.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال البخاري:عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة،أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول اللهصلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخرجت خمارا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دستهتحت يدي ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس،فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلك أبو طلحة؟" فقلت: نعم. قال: "بطعام؟" فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلملمن معه: "قوموا" فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته،فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس،وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقيرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوطلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلم يا أم سليم، ما عندك؟" فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت، وعصرت أمسليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أنيقول، ثم قال: "ائذن لعشرة". فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثمقال: "ائذن لعشرة". فأذن لهم. فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: "ائذنلعشرة" فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: "ائذن لعشرة". فأكلالقوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجلا. وقد رواه البخاري في مواضع أخرمن "صحيحه" ومسلم من غير وجه عن مالك.
ـ وروى عنه ربيبه أنس وابن عباس وأبو الحباب سعيدبن يسار وغيرهم وروى مسلم وغيره من طريق ابن سيرين عن أنس أن النبي -صلىالله عليه وآله وسلم- لما حلق شعره بمنى فرق شقه الأيمن على أصحابه الشعرةوالشعرتين وأعطى أبا طلحة الشق الأيسر كله.
ـ ولما كان يوم أُحد ؛ وانكشف المسلمون عن رسولالله صلى الله عليه وسلَّم، فنفذ إليه المشركون من كل جانب، فكسروارَباعيته، وشجوا جبينه، وجرحوا شفته، وأسالوا الدم على وجهه.
انتصب أبو طلحة أمام رسول الله كالجبل الراسخ،ووقف عليه الصلاة والسلام خلفه يتترس به، وأخذ أبو طلحة يرمي سهامه علىجنود المشركين واحداً بعد واحد، وما زال أبو طلحة ينافح عن رسول الله حتىكسر ثلاث أقواس، وقتل كثيراً من جند المشركين...
ـ وعن أنس بن مالك قال كان أبو طلحة يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب ويقول:
نفسي لنفسك الفداء... ووجهي لوجهك الوفاء
ثم ينشر كنانته بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل "
وروى حميد عن أنس. قال: كان أبو طلحة بين يدي رسولالله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه منخلف أبي طلحة ليرى مواقع النبل. قال: وكان أبو طلحة يتطاول بصدره يقي بهرسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: نحري دون نحرك.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرجفي بعض حاجاته وقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل الصبي فقالت أمسليم: هو أسكن مما كان. وقربت إليه العشاء فأكل ثم اصاب منها فلما فرغقالت: واروا الصبي. قال: فلما اصبح أبو طلحة أتى النبي صلى الله عليه وسلمفأخبره فقال: " أعرستم الليلة قال: نعم. قال: بارك الله لكم ".
وفي غير هذا الحديث: فلما فرغ أبو طلحة قالت أمسليم: أرأيت أبا طلحة آل فلان فإنهم استعاروا عارية من آل فلان فلما طلبواالعارية أبوا أن يردوه. قال أبو طلحة: " ما ذلك لهم. قالت أم سليم: فإنابنك كان عارية من الله تعالى متعك به إذ شاء وأخذه إذ شاء. ـ بعضالأحاديث التي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـ عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشرى في وجهه فقلنا إنا لنرى البشرى فيوجهك فقال إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لايصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا..
ـ وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرئ قومك السلام فإنهم ما علمت أعفة صبر.
ـ وروى أنس عن أبي طلحة قال رفعت رأسي يوم أحدفجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس فذلك قوله عزوجل ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ـ وأخبر عبيد الله بن عبد اللهبن عتبة أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده قال فوجدت عنده سهل بن حنيفقال فدعا أبو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته فقال له سهل لم تنزعه فقال لأنفيه تصاوير وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما قد علمت قال سهل أولميقل إلا ما كان رقما في ثوب فقال بلى ولكنه أطيب لنفسي..
ـ وعن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه قالقال أبو طلحة كنا قعودا بالأفنية نتحدث فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلمفقام علينا فقال ما لكم ولمجالس الصعدات اجتنبوا مجالس الصعدات فقلنا إنماقعدنا لغير ما باس قعدنا نتذاكر ونتحدث قال إما لا فأدوا حقها غض البصرورد السلام وحسن الكلام..
ـ وأخبر الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أنه سمعابن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت أبا طلحة يقول سمعت رسول الله صلى اللهعليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل..
بعض كلماته:
لما عزم المسلمون على أن يغزوا في البحر في خلافة عثمان رضي الله عنه، أخذ أبو طلحة يجهز نفسه للخروج مع المسلمين، فقال له أبناؤه:
" يرحمك الله يا أبان، لقد صرت شيخاً كبير، وقدغزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فهلا رَكَنتَ إلىالراحة، وتركتنا نغزوا عنك. "
ـ فقال: إن الله عزَّ وجل يقول: انفروا خفافاً وثقالاً
فهو قد استنفرنا جميعاً شيوخاً وشباب..ثم أبى إلا الخروج..
موقف الوفاة:
اختُلف في وفاته فقال الواقدي: وتبعه ابن نميرويحيى بن بكير وغير واحد مات سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان وقيل: قبلها بسنتين، وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي -صلى الله عليه وآلهوسلم- أربعين سنة، وكأنه أخذه من رواية شعبة عن ثابت عن أنس قال: كان أبوطلحة لا يصوم على عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أجل الغزو فصامبعده أربعين سنة لا يفطر إلا يوم أضحى أو فطر.
قلت: فعلى هذا يكون موته سنة خمسين أو سنة إحدىوخمسين وبه جزم المدائني، ويؤيده ما أخرجه في الموطأ وصححه الترمذي منرواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة... فذكر الحديثفي التصاوير وعبيد الله لم يدرك عثمان ولا عليا فدل على تأخر وفاة أبيطلحة.
وقال ثابت عن أنس أيضا مات أبو طلحة غازيا فيالبحر فما وجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم يتغير أخرجهالفسوي في تاريخه وأبو يعلي وإسناده صحيح.
مواقع النشر (المفضلة)