باب في الإصلاح بين الناس
قال الله عز وجل : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس (1) ) وقال الله تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم (2) ) .
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 114
(2) سورة : الحجرات آية رقم : 10
وروينا في كتاب الزكاة ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : « كل سلامى (1) من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس : ما يعدل بين اثنين صدقة ، ويعين الرجل في دابته ويحمله عليها أو يرفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة » . أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أنبأنا أبو بكر القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره
__________
(1) السلامى : عظام الأصابع والأكف والأرجل، ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أنبأنا أبو عمرو بن السماك قال : ثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ » قالوا : بلى ، قال : « صلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة »
أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ، وكانت من المهاجرات الأوائل قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليس بالكاذب من أصلح بين الناس ، فقال خيرا ، أو نما خيرا »
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا ابن ملحان ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة قالت : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس يقول القول لا يريد به إلا الإصلاح ، والرجل يقول القول في الحرب ، والرجل يحدث امرأته ، والمرأة تحدث زوجها » وكذلك رواه نافع بن يزيد ، عن ابن الهاد ، عن عبد الوهاب بن أبي بكر . ورواه يونس بن يزيد ، عن الزهري فأسند ما أسنده معمر ، ثم ذكر الرخصة في هذه الثلاثة من قول الزهري . ورواه صالح بن كيسان ، عن الزهري فجعلهن من قولهما ، وأسندهن عبد الوهاب بن أبي بكر . وكان أبو عبد الله الحليمي رحمه الله يزعم أن ذلك ليس على صريح الكذب ، فإنه لا يحل بحال ، وإنما المباح من ذلك ما كان على سبيل التورية ، قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد سفرا ورى بغيره . قال الحليمي : وذلك كما يقول إذا أراد أن يلبس الوجه الذي يقصده على غيره : الطريق الآخر أسهل هو أم وعر ؟ ويسأل عن عدد منازله ، ليكن من سمع أنه يريده ، وهو يريد غيره . وهكذا الإصلاح بين الزوجين لم يبح فيه صريح الكذب ، ولكن التعريض ، كالمرأة تشكو أن زوجها يبغضها ولا يحسن إليها فيقول لها : لا تقولي ذلك ، فمن له غيرك ؟ وإذا لم يحبك فمن يحب ؟ وإذا لم يحسن إليك فلمن يحسن إحسانه ؟ ونحو ذلك مما يوهمها أن زوجها بخلاف ما تظنه ، ليصلح بذلك بينهما . وعلى هذا القياس يقول في الإصلاح بين الأجنبيين
مواقع النشر (المفضلة)