الأمراض النفسية.. والعلاج الإسلامي الكتاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليس ثمة شك في أن الإنسان يعيش اليوم أزهى عصور التقدم التقني، فقد أصبح العالم اليوم قرية صغيرة جدًا؛ وذلك لسهولة وسائل الاتصال، كما يتمتع الإنسان بالكثير من المخترعات التقنية التي جعلت حياته سهلة ميسورة جدًا إذا ما قورنت بالأمس القريب، ولكن مع هذا التقدم العلمي والتقني الهائل لم يتقدم الإنسان بنفس القدر إنسانيًا وروحيًا، بل أعرض عن ذكر الله، فأصبح في معيشة ضنكًا، فزاد عدد المدمنين سلوكيًا، والمتصدّعين أُسريًا، ومن ثم جاء كتاب الدكتور محمد حسن غانم "الأمراض النفسية والعلاج الإسلامي" ليطرق هذا الموضوع الذي يهم كل إنسان، ويبين أن عجلة الحياة لن تعود إلى الوراء، ولن يستطيع الإنسان بسهولة أن يتخلص مما أنتجه أو أبدعه، ويؤكد على أن الدين والتوكل على الله حق التوكل وسلامة الإيمان، كل هذه العوامل تؤمّن الصحة النفسية للإنسان؛ لأن الدراساتِ الميدانيةَ والتي أُجريت على المتدينين وخاصة في البيئات الغربية التي تكثر فيها الأمراض النفسية والاضطرابات تثبت أن المتدينين لا تتطرق إلى أذهانهم مطلقًا فكرة الانتحار، وأن الإدمان والخلافات الأسرية لا تنتشر بينهم، وأنهم أقل الناس إصابة بالأمراض النفسية، خاصة القلق والاكتئاب، والأمراض العضوية التي تكمن وراءها عوامل نفسية.
فالتدين الحق لا يمنع الإنسان من العمل ومُعاركة الحياة، وأن يعمل لدنياه كأنما يعيش أبدًا، وفي نفس الوقت يعمل لآخرته كأنه يموت غدًا. ولا شك أن هذا التوازن يوجِد لدى الفرد حالة نفسية سوية نقية، تحميه من الوقوع أسفل عجلات الحياة اللاهثة..
في البداية يبين الباحث مفهوم النفس الإنسانية، ذلك اللغز الغامض المجهول، حيث استطاع الإنسان بفضل الله سبحانه وتعالى ومن خلال الإمكانات التي منحها إياه، أن يميط اللثام عن العديد من تلك الأمراض النفسية، إلا أن النفس مازالت لغزًا يصيبها العديد من أوجه الاعتلال، ومن الغريب أن الإنسان، صاحبَ كل هذه الاختراعات والإنجازات، مازال يجهل كل العمليات أو بعضها، تلك التي تدور في أعمق أعماقه.
ويبين أن الأمراض النفسية قد لازمت الإنسانية منذ نشأتها وحتى الآن، وأن شيوع الأمراض النفسية والعقلية والانحرافات بكافة أنواعها وأشكالها ظاهرة إنسانية تشيع في كافة المجتمعات الإنسانية، وأن هناك إحصاءاتٍ تشير إلى أن نسبة انتشار الأمراض النفسية في مجتمع ما تقدَّر بنسبة 1,5 % من مجموع السكان.
كما يبين الباحث أنه بالنسبة للصحة النفسية فإننا لا نستطيع أن نصنّف الناس إلى فئتين: فئة تتمتع بالسواء الكامل؛ أي الصحة النفسية وخلو الفرد من أية اضطرابات أو أعراض نفسية، كالقلق مثلاً، وفئة أخرى تتمتع بالمرض النفسي الكامل؛ ذلك أن سواء أو عدم وقوع الفرد في أية أمراض نفسية ما هو إلا خرافة، إذ لا يوجد إنسان على وجه هذه البسيطة لم يتعرض يومًا ما لمحنة القلق أو الاكتئاب أو الضغوط أو حتى للصدمات بكافة أشكالها وأنواعها.
ويبين أن المرض النفسي هو عبارة عن مجموعة من الانحرافات التي لا تنجم عن اختلال بدني أو عضوي أو تلف في تركيب
المخ، وتأخذ هذه الانحرافات مظاهر متنوعة، من أهمها: التوتر النفسي والكآبة والقلق والوساوس والانفعالات القهرية اللاإرادية والتحول الهستيري والشعور بالوهن والعجزُ عن تحقيق الأهداف والمخاوف والأفكار السوداء التي تحاصر الفرد في يقظته فتدعه مشتت الأفكار والبال، فالمرض النفسي هو اختلال في الوظيفة وليس في العضو نفسه، هذا الاختلال الذي يقود الفرد إلى العديد من الفروق بين من وقع في قائمة المرض النفسي ومن وقع في قائمة المرض العقلي، ومن ثم يفرق الباحث بين المرض النفسي والمرض العقلي، فيرى أن المريض النفسي يعاني معاناة داخلية، ويعلم بهذه المعاناة، ويريد أن يتخلص منها، وهو مستبصر بحالته، ويذهب من تلقاء نفسه إلى الطبيب، وأنه مرتبط بالواقع، مَثَله في ذلك مَثل باقي الناس الأسوياء العاديين.
كما يناقش أسباب الأمراض النفسية، ويبين أن هناك عوامل مهيئة، مثل الوراثة ومراحل العمُر والبيئة، وعوامل عامة، منها: المدنية والحضارة والحروب، وهناك أيضًا عوامل شخصية، منها: التعلق بالوالدين والقسوة والتدليل.
وناقش أيضًا الأسباب التي سبقت المرض النفسي، وكانت سببًا في ظهوره على السطح.
وبعد أن بين بعض النظريات النفسية، تطرق الباحث لمناقشة الأمراض النفسية من وجهة نظر إسلامية، وبين أن هناك العديدَ من الاجتهادات التي حاولت أن تقدّم في ذلك وجهة نظر مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وأكد أنها كلَّها محاولات للتعرف على ملامح شخصية المسلم من خلال الكتاب والسنة، ثم حاول شرح وجهات النظر تلك، فبين أن الدين يحقق للإنسان العديد من الاحتياجات، وأن الفرد يصاب نفسيًا إذا حدث:
أولاً:- عدم الإيمان بالله؛ ذلك لأن الإيمان هو النور، والأرض الخصبة التي تورق الأمن والأمان.
ثانيًا:- العمل الصالح؛ حيث يوازن بين مصالح الشخص ومصالح المجتمع، وأيضًا الاهتمام بالدنيا والاهتمام بالآخرة.
ثالثًا:- رسم الإسلام مبدأ كيف نتعامل ونتفاعل مع الآخر، حيث حدد كيفية العلاقة بالآخر؛ من خلال الإحسان إلى الوالدين والعطف على الصغير، وتوقير واحترام ومساعدة الكبير، وكذلك الإحسان إلى الجيران، وإماطة الأذى عن الطريق، وإكرام الضيف، وباختصار أن تعامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك..
وحقيقة الأمر أنرغم صغر حجمه إلا أنه يلمَس وترًا حسّاسًا في حياة الإنسان، ويشرح في إيجاز بعض الاضطرابات والأمراض التي تصيب النفس الإنسانية، والتي ما يوجد أحد من البشرية في منأى عنها، إلا من عصم الله ورحم. كما بين أن الدين هو العاصم، وبوابة الأمان لحياة هادئة مستقرة بعيدة عن الاضطرابات والقلق والاكتئاب، وسْط هذا التيار الجارف، الذي يأتي على الإنسان فيجعله هشيمًا تذروه الرياح
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)