بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد اغتر الإنسان في هذا العصر بما عنده من العلم والقدرة، وظن أن لن يقدر عليه أحد، وتوهم أنه سيطر على الأرض وامتلك مقاليدها … غره علمه، وغرته قوته، وغرته سطوته … فأراد الله أن يعلمه الدرس وأن يبصره بحقيقته ( وَخُلِقَ الإنسان ضعيفا ).
الإنسان الذي صنع الكمبيوتر وغزا الفضاء ووصل إلى القمر ووقف على سطحه، لم يستطع أن يفعل شيئاً، لم يقدر على منع الزلزال ولا على تخفيف آثاره ، قال علي - رضي الله عنه - : مسكين ابن آدم تؤلمه البقة (البعوضة) وتقتله الشرقة وتُنْتِنُه العرقة! ( وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الأرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ ) .
أراد الله أن يبين للعالم أنه مالك الملك، العزيز القهار الجبار، لا تقف قوة أمام قوته، ولا توازي عظمة عظمته، وهل يقدر غير الله أن يأمر الأرض فتهتز فتدك ما عليها؟
كانت هناك جزر وبلدان ومدن … وذهبت ثوان قلائل بجهد عشرات السنين، وأدرك الإنسان بعدها حقيقة حجمه في هذا الكون.
إن المؤمن الصادق يعلم أن في الكون أسباباً وأن لأحداثه عللاً، ولكنه يؤمن أن الله خالق هذه الأسباب وأنه موجد هذه العلل، ولو لا الله لما أثرت شيئاً… الله هو الذي يزلزل الأرض ويحرك البحر، والله هو الذي يجري الأنهار، والله هو الذي يرسل الرياح. يتحرك كل شيء أراد الله له أن يتحرك ويسكن كل شيء أراد الله له أن يسكن ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ).
ليت شعري … أي شيء أهاج البحر فأخرجه عن وقاره وسكونه؟ أي شيء أغضبه حتى ماج وماد على الأرض، أعاف طول السكون و الهدوء؟
نعم أيها الإخوة إن الأرض تتزلزل غضباً لمحارم الله والبحر يميد ويتحرك غضباً لمحارم الله …
في بلاد دخلها الإقتصادي 90 % من السياحة والتنشيط السياحي - كما يقولون – وباسم السياحة تستباح محارم الله ويتعدى على حدوده وتنتهك محارمه جهاراً نهاراً والله يملي ولا يهمل
بنيت على الشواطئ الخمارات والشاليهات لإستقبال البهائم العارية وتريد من البحر السكون عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث القدسي عن رب العزة: ( ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله تعالى أن ينتضح عليهم فيكفه الله عز وجل ) وفي رواية: ( ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه ان يغرق ابن آدم، والملائكة تعاجله وتهلكه، والرب سبحانه وتعالى يقول دعوا عبدي ) فيا سبحان الله، البحر يقعر ويغضب، ويستأذن الله في كل ليلة أن يهلك ويغرق الناس هل تعلمون بسبب ماذا؟ انه بسبب معاصي ابن آدم، وعدم تحقيق ابن آدم العبودية المطلوبة منهم، فيعظم على البحر أن يرى ابن آدم وهو يعصي الله فيتألم لذلك ويتمنى هلاك ابن آدم، لكن الله جل وتعالى بحلمه وعطفه ورحمته بنا يقول، دعوا عبدي.
لقد تحملتِ أيتها الأرض الكثير الكثير، سكبت المسكرات على ظهرها وبنيت الخمارات عليها. سلبت نور الإيمان فعمها الظلام. يسير عليها المرابي ولا يبالي، وتلقي الفتاة حجابها هاتكة عفتها، وتنتهك الأعراض وكأن شيئاً لم يكن. وترى الظلم والغش والخداع وأمام ذلك لم تجد إلا أن تخضع لأمر ربها فأهلكت القوم واهتزت وتزلزلت ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ) .
البحر مأمور والزلزال مأمور ألا يهلك وألا يدمر إلا ما أمره الله به رأينا عبر الله في هذه الزلازل في هذه الزمان ومن تلك العبر ما حصل في تركيا [ قبل سنوات ] وفي ليلة حمراء صاخبة بالمجون والخلاعة رقص الضباط على المصحف ومزقوه بأرجلهم القذرة وقالوا كلمات في الإستهانة بالدين وبقدرة الله يستجلبون غضب الله وسخط فزلزل الله الأرض من تحتهم وأهلكم ودمر ما حولهم حتى صارت المدينة رميما ولم يبقى سوى المسجد شامخاً لم يصب بأذى فلله الأمر من قبل ومن بعد. وبعد ذلك نسع الأعاجيب من أناس لا يعتبرون وليس لهم ما يعتبرون به إذ قلوبهم مقفلة كالحجارة أو أشد يرجعون أسباب الزلزال لأمور طبيعية بحته ولا علاقة للذنوب والمعاصي ولا للإستهزاء والسخرية بالدين.
وقد جرت سنته تعالى في خلقه أن يعامل عباده حسب ما عملوا، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ?لنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .
إذن فكل ما حصل أو سيحصل من بلاء وحوادث وكوارث وفساد في الأرض فمصدره ابن آدم،لأنه السبب فيه بإسرافه في الإجرام ( ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) .
وشؤم هذه الذنوب والمعاصي والتي يعاقب الناس بسببها لا يصيب المباشرين لها فقط،بل يصل حتى للصالحين والمؤمنين، فقد سألت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، سألت الرسول فقالت: أنهلك وفينا الصالحون، قال: ( نعم، إذا كثر الخبث )، والخبث:كل معصية عصي الله تعالى بها في البر أو البحر أو في الليل أو النهار.لذلك كان من الواجب علينا جميعاً أن نحذر من ذلك وألا نأمن مكر الله خاصة مع ارتكاب المعاصي قال تعالى :( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَـاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَـاسِرُونَ ) .
روى ابن أبي الدنيا عن أنس بن بمالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمور وضربوا بالمعازف غار الله عز وجل في سمائه فقال للأرض: تزلزلي بهم فإن تابوا ونزعوا وإلا هدميها عليهم. قال: يا أم المؤمنين أعذاباً لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين.
وعندما وقعت هزة أرضية في المدينة على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فجاء إلى أم المؤمنين عائشة عنها وسألها؟ فماذا قالت له؟ قالت: كثرت الذنوب في المدينة، فماذا قال ؟ جمع الناس وقاله لهم: والله ما رجفت المدينة إلا بذنب أحدثته أو أحدثتموه، والله لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً.
وقال كعب: إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي فترعد فرقاً من الرب جل جلاله أن يطلع عليها.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: إن هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد. [الجواب الكافي:73]
إن المعاصي يا إخوتاه تزيل النعم وتحل النقم وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]. ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].
بل إن الدواب والخلائق تتأثر لمعصية العاصي … قال أبو هريرة: ( إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم)، وقال مجاهد: إن البهائم تلعن عصابة بني آدم إذا اشتدت السِنة وأمسك المطر وتقول هذا بشؤم معصية بني آدم، وقال عكرمة: دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم. [الجواب الكافي:94].
إن عصيان الإنسان سبب لكل ما يحل به من بلاء وكرب.
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميراً؟ [الجواب الكافي:65-67].
كل هذا كان بمعصية الله، روى أحمد بسند جيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده ).
مواقع النشر (المفضلة)