إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
إن التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الألوهية . وتوحيد الربوبية . وتوحيد الأسماء والصفات .
نستطيع ان نتعرف على نواقض الإيمان بمعرفة نواقض كل نوع من أنواع التوحيد .
توحيد الربوبية:
أجمعت كل الفطر والعقول السليمة على الإقرار به ، ولم ينكره إلا مكابر .
ناقض هذا التوحيد : ان ينكر وجود الله عز وجل . وهذا إفك عظيم وباطل مبين لم تعتقده أمة من الأمم قبل ظهور هؤلاء الملاحدة المسمين بالشيوعيين ، والفكر المادي في أوربا . اما قبل ذلك فانما كان افراد قلائل زاغوا وضلوا واضلوا .
إنكار الله تبارك وتعالى إنكارا كليا !! . إنكار الخالق عز وجل مع وجود المخلوقات أمر عجب !! { أم خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون } .
مع رؤية المخلوقات و الإقرار بوجود مخلوقات ، عجب ان ينكر الخالق سبحانه وتعالى . وحق لهم ما قاله الشاعر :
إذا ادعى عقلك إنكاره فانكر العقل ودعواه
لم يعد هذا عقلا ، وانما هو جهل وضلالة . فسبحانه وتعالى :
وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد
قال عز وجل : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق } لاحظوا الخطاب { سنريهم } . هذا في الكافرين وليس في المؤمنين . فلذلك الذين سبقوا إلى معرفة آيات الله في الآفاق وفي الأنفس - كما نرى في واقعنا الحاضر - هم الكفار ، فمعظم الآيات هم الذين اكتشفوها واطلعوا عليها ، ونحن الان نتلقاها عنهم ، فضلا عن من كان قبلهم من أهل الحضارات القديمة ، فانه قد أراهم الله سبحانه وتعالى ما تقوم به عليهم الحجة ، ولا زالت حجة الله قائمة ، ولا زلنا نتوقع في المستقبل المزيد من ظهور هذه الحجة ، ونرجو ان يكون ذلك ان شاء الله ، وان تكون ثمرته المزيد ممن يهديه الله عز وجل للإيمان منهم { وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله } وهذا فضل من الله ورحمة .
فالمقصود ان من أنكر وجود الله عز وجل فقد ناقض هذا الأصل العظيم الذي اقر به المشركون { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } .
ما كان المشركون الذين بعث فيهم رسول الله ولا كان العرب قاطبة ينكرون وجود الله تبارك وتعالى ، بل كلهم يعلم أن الله هو الخالق وهو الرزاق وهو المدبر { ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون } . فكانت هذه من البديهيات في حياة العرب في الجاهلية . ومن أنكرها فلا شك انه اكفر من أولئك الكافرين .
ويؤلمنا جدا هذه الأيام ان ينتشر هذا الفكر الإلحادي بين شباب المسلمين بصراحة ووضوح وبلا تورية ، وله وجود ظاهري بارز بين . يتسلل إلى المسلمين من خلال الإعلام الفاسد ووسائل الإعلام التي تنتشر وتبث ما بصادم ويناقض عقيدة التوحيد بأنواعه الثلاثة ، ويكفيها انها تنشر الفكر الغربي بسمومه ونظرياته وآفاته .
ولا شك أن الفكر الغربي متشبع بالإلحاد لانه هارب من خرافات الكنيسة وغيرها وطغيانها واستبدادها وجبروتها . فهو في هروبه هذا ، ومع تصوره انه لا دين إلا ما جاءت به الكنيسة ، وانه دين باطل ، فما سواه من الأديان اكثر بطلانا . لا يمكن ان يتصور منه إلا ان يكفر بكل دين ، وبالتالي يكفر بوجود الله تبارك وتعالى .
وهذه القضية لا نطيل فيها لوضوحها .
الجانب الاخر هو :
توحيد الألوهية ، أو " توحيد العبادة ":
وتوحيد العبادة هو الذي جاءت الرسل الكرام لتقريره والدعوة إليه من خلال إلزام الناس بتوحيد الألوهية .
بمعنى : انكم بإقراركم بتوحيد الربوبية يلزمكم ان توحدوا الله سبحانه وتعالى في العبادة والطاعة والاتباع .
وما جاء الرسل صلوات الله وسلامه عليهم إلا لهذا ، كما ذكر في الآيات السابقات .
فكان الانحراف الذي وقع فيه الناس : انهم عبدوا غير الله تبارك وتعالى . كما ثبت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه : ( ان الناس كانوا على التوحيد عشرة قرون ) . في قوله تعالى : { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا }. كانوا على التوحيد عشرة قرون ثم فشا فيهم الشرك وتعظيم الأولياء وتقديس الصالحين وتصويرهم ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة نوح : { ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا } . فقالوا نصورهم ونعظمهم ونتذكر عبادة الله تبارك وتعالى بتعظيمهم . فلما نسخ العلم وضعف وتضائل ، عبدت هذه الصور وأصبحت آلهة من دون الله ، ثم بقيت هذه المعبودات في العرب ، حتى بعث رسول الله ولكل قبيلة من العرب معبود من هذه المعبودات مع غيرها .
توحيد الألوهية هو النوع الثاني من أنواع التوحيد ، وتوحيد الألوهية هو توحيد العبادة ، والعبادة : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والخفية ، ويدخل فيها أول ما يدخل : أعمال القلوب ، كالخشية والإنابة والرجاء والرغبة والرهبة والخوف والحب والدعاء والإخبات والتوكل والتضرع ، وغير ذلك .
فالأصل والأساس في المخلوق ، انه ضعيف فقير محتاج إلى الله عز وجل في كل لحظة ، - ولو تأملت - اكبر ملوك الأرض أو حكام الدنيا واكثر الناس في هذه الدنيا ثراء ومالا . يحتاج الله سبحانه وتعالى ، وهو فقير إلى الله في لحظات ما ، وقد يضطر إلى ان يتضرع إلى الله ، ولهذا يقول عز وجل : { أ من يجيب المضطر إذا دعاه } المضطر سواء كان كافرا أو مؤمنا . ربما يضطر أن يدعو الله كل يوم ، وهو محتاج مفتقر إلى الله تعالى في كل يوم ، وان كان في ظاهر الحال يملك اعظم دول العالم ، أقوى جيوش العالم ، لانه لا بد ان تمر به ضوائق وأزمات ونكبات وما لا يمكن ان يلجا فيه إلا إلى الله ، وان يستعين عليه بالله .
وقد شوهد وذكر ، ونقل في الحرب العالمية الثانية عجائب من هذا ، عندما كان طواغيت الكفر مثل " تشرشل ، روزفلت ، وأمثالهم " يتضرعون ويدعون الله ان ينصرهم على " هتلر " فهذا من العجب . حتى ان " ستالين " الملحد في الدولة الشيوعية التي لا تؤمن بالله فتح الكنائس ليتضرعوا إلى الله .
فالمقصود : ان توحيد العبادة حاجة نفسية اضطرارية لا بد منها بين العبد وربه .
الذي يفعله من ينقضون هذا الإيمان وهذا الأصل العظيم من طواغيت الخرافة والدجل ، هو انهم يصرفون الناس عن عبادة الله ودعوة الله والاستغاثة بالله ، إلى الاستغاثة بالمخلوقين ودعوتهم والتضرع إليهم .
ولا يخفى هذا الحال في عالمنا الإسلامي اليوم . . . فاننا نجد - مثلا- الصوفية يعلمون الناس ان يستغيثوا بأوليائهم . مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله – وكان - عابدا عالما لكنهم غلوا فيه ، حتى جعلوه الها ، فيقولون : يا جيلاني ، أو يقولون : يا نقشبندي ، أو : يا تيجاني ، أو : يا سيدي فلان ، أو : يا علي - كما تفعل الروافض - ، يا حسين ، يا عباس ، يا كذا . فيغلوا هؤلاء كما يغلوا أولئك في دعاء غير الله عز وجل .
وإذا المت بهم مصيبة أو نزلت بهم ضائقة ، دعوا غير الله ، وبذلك يكونون اكثر نقضا للإيمان وتعلقا بالشرك من المشركين الأولين الذين كانوا { إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } أي حينما تضيق بهم الدنيا وتأتيهم الريح ، يدعون الله مخلصين له الدين ، وهؤلاء كلما اشتدت بهم الكريات وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت يدعون غير الله . في حين ان المشركين يخلصون دينهم لله عز وجل في حال الشدة ، وانما يشركون إذا نجاهم إلى البر { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } .
ويتفرع عن توحيد الألوهية أمر عظيم وقعت فيه الأمة في هذا الزمن ، وهو خطب جلل خطير ، وهو ان يشرك مع الله تبارك وتعالى في الاتباع وفي الطاعة وفي التشريع ، وهذا مناقض للإيمان ، كما قال الله عز وجل : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } . وكما قال تبارك وتعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون انهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا } ، وكما قال عز وجل : { ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون } ، { ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون } ، { ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون } . وقوله : { أ فحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون } ، وقوله : { أ فغير الله ابتغي حكما } . وآيات عظيمة كثيرة في هذا الشان - كما في آيات الكهف والشورى - كلها تدل على انه لا بد من توحيد وتجريد متابعة رسول الله في التشريع ، في الطاعة ، في التحليل والتحريم .
وناقض هذا الأصل : ان يعتقد أحد من الناس ان بإمكانه ان يتبع أي شيء أو أي دين سواء كان ذلك شرعا منسوخا ودين موروثا ، أو دين وضعي وشريعة وضعية .
فلو قال قائل : نحن مسلمون ، نصوم ونصلي ونحج البيت ، لكن في جوانبنا المالية نريد ان نأخذ شريعة التوراة لأنها سهلة وخفيفة وواضحة . لو قال قائل ذلك فانه يكون كافر بالقرآن وبالدين كله ، ناقضا للإيمان مرتدا عن الإسلام .
فإذا قال اخر : لا نريد شريعة التوراة لأنها قديمة ، لكن نريد شريعة " نابليون " أو القانون الفرنسي أو القانون الأمريكي أو الإنكليزي ، أو أي قانون من القوانيين . . . فنأخذه في أمورنا المالية فقط والمعاملات التجارية ، اما الصلاة والصيام والزكاة والحج فنحن مسلمون . فنقول : لا ينفع ذلك لان هذا قد نقض إيمانه باتباعه لغير شريعة الله تبارك وتعالى .
وهذا مناقض لشهادة " ان محمدا رسول الله " مناقضة عظيمة ، ولهذا في الآية الأولى لما قال تبارك وتعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } نفى الله تبارك وتعالى الإيمان عنهم حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم . لان الأمر كما قال : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } لابد من طاعته { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } ، { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ، { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين } فإذا تولى عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفض اتباعه فهو من الكافرين .
لا يكون الإنسان مؤمنا إلا بتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يقول ابن القيم رحمه الله ، هذه الآية { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } : شملت ثلاث مراتب - هي نفس المراتب التي في حديث جبريل - .
حديث جبريل : فسر فيه النبي صلى الله عليه وسلم : الإسلام والإيمان والإحسان . فاما الإسلام : فهو الحد الأدنى . وأول ما يدخل به الإنسان في هذا الدين . وهو الانقياد الظاهر لله عز وجل . كما في قول الله : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } الإسلام في حديث جبريل ، يقابله التحكيم في هذه الآية { حتى يحكموك } . فمن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مسلم ومن لم يحكمه فهو ليس بمسلم .
ثم قال بعد ذلك : { ولا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } نفي الحرج في هذه الآية يقابل الإيمان في حديث جبريل . فمن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتفى الحرج من قلبه فقد ارتقى . أي اسلم ثم امن .
{ ويسلموا تسليما } درجة التسليم هي التي تقابل الإحسان في حديث جبريل عليه السلام وهي أعلى درجات الإيمان .
ومن التسليم لأمر الله تبارك وتعالى والإذعان لشرعه فيما يتعلق بالمرأة المسلمة : ان نؤمن بان الله سبحانه وتعالى انزل هذه الشريعة وجعلها كلها رحمة وعدلا ، فكل من تشدق وزعم انه يرحم المرأة ، أو يعدل معها بإخراجها عما جاء في كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، فانه انما يريد ان يخرجها من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر .
ولا شك ان اعتقاد ذلك : كفر بشريعة الله وكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن صدقت بذلك ، وانساقت ورائه فقد وقعت في الكفر الصراح . فيجب عليها ان تتوب وان تتقي الله سبحانه وتعالى . وان كانت تجهل ذلك فلتسأل أهل الذكر لتعلم انها قد خرجت على شريعة ربها وعلى كتابه ، فلم يعد لها حق ولا حظ فيما وعد الله تبارك وتعالى به عباده المؤمنين الموحدين . . . فلتعد حالا ولتصدق التوبة والأوبة إلى الله تبارك وتعالى ولتتجرد عما دعته وعما اعتقدته أو وقعت فيه ، من شباك هؤلاء الضالين المضلين .
كلما تعلق بأحكام المرأة ، من الحجاب والقرار في البيت ومن أحكام العشرة الزوجية ومن أحكام الطلاق والعدة والحداد والميراث ، وغير ذلك . . . كله عدل وكله رحمة بها .
والله سبحانه وتعالى هو الذي شرع لنا هذه الشريعة ، ولو خرجنا عليها واتبعنا شرعة غيره ، لكنا من الكافرين المرتدين . عياذا بالله عز وجل .
ترقبوااااااااااااااااااا الجزء الثاني نواقض توحيد الاسماء والصفات
مواقع النشر (المفضلة)