مقدمة (((1)))
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
فلعلنا نقف قليلاً حو ل المعنى اللغوي للمصارحة قبل أن نبدأ في الموضوع.
يقول الأزهري : صرح الشيئ وصرحه إذا بينه وأظهره. ويقال : صرح فلان ما في نفسه تصريحاً أي أبداه.. والتصريح خلاف التعرض. ومن أمثال العرب: صرحت بجدان وجلدان إذا أبدى الرجل أقصى ما يريده.
وفي اللسان : انصرح الحق أي بان، وكذبٌ صرحان أي خالص. ولقيته مصارحةً ومقارحةً وصراحاًً وكفاحاً بمعنى واحد إذا لقيته مواجة. وصرح فلان بما في نفسه وصار أبداه وأظهره.
أي أن هذا المعنى الذي نستعمله صحيحاً لغةً؛ وذلك أن بعض الكلمات قد تستخدم في غير موضعها فمن ثم كان لابد من تحقيق مثل هذا المعنى وصحة استعماله لغةً.
معشر الأخوة الكرام : الصدق خلقٌ محمود ومطلوب شرعاً، قال عز وجل[يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين] وعد الله سبحانه وتعالى الصدق ضمن صفات عباد الله الصالحين [إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات..] إلى آخر الآية وقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المشهور" إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار " وفي الحديث الآخر " الصدق مع البر وهما في الجنة، والكذب مع الفجور وهما في النار ".
وفي المقابل فالكذب خصلة شنيعة وصفة مرذوله يحق على صاحبه لعنة الله [ألا لعنة الله على الكاذبين] وهو سلم وطريق إلى الفجور الذي يؤدي إلى النار "إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ".
وفي الحديث الآخر "الكذب مع الفجور وهما في النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " وحينما يكون المؤمن جباناً أو بخيلاً فإنه لا يمكن أن يكون كذاباً.
وكما أن الصدق صفة مطلوبة شرعاً يستحق صاحبها الثناء، و الكذب مذموم في الشرع مغمرس صاحبة بصفة من صفات المنافقين حتى يدعها، فهما كذلك في الخلق المستقيم والفطرة السليمة، فمازال الناس برهم وفاجرهم يدركون أن هناك تناسب بين الكذب وبين السب والانتقاص، لذا لايطيق أحدهم بأن يوصف بأنه كذاب، وغاية السب والشتم لأي امرئ أن تتهمه بالكذب وحتى أكذب الناس الذي يتخذ الكذب حرفة ويأخذ على ذلك أجراً لا يرضى بأن يوصف بالكذب.
ولئن كانت هذه شناعة الكذب على الناس وممارسته عليهم بهذا القدر من السوء والرفض فما بالكم بمن يمارس الكذب على نفسه، إنها قضية أكثر سوءاً وأكبر خطأً واستخفافاً بالنفس.
إننا أحياناً نمارس الكذب على أنفسنا أفراداً وجماعات، وبصورة تفرض سحباً من الأوهام المفتعلة، وتضع سياجاً يحول دون الرؤية الواضحة الصادقة، فكم نفتعل العمى والعشى ونحن نستطيع أن نبصر الحقيقة بأم أعيننا، ومن واجبنا أن نتسائل من المستفيد والخاسر من حجب الحقائق وافتعال الضبابية حول الواقع؟.
إن مرحلة العواطف والحماسة مرحلة يجب أن نتجاوزها ومرحلة ستر العيوب وإخفاء الأخطاء سلوك يجب أن نتخلى عنه.
ومن ثم كان لابد من دعوة للمصارحة فهي دعوة للمصارحة على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي.
مواقع النشر (المفضلة)