ما حکم اللعب بالشطرنج؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لا يجوز لعب الشطرنج لأي غرض كان، سواء كان بعوض أو بغير عوض؛ لما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة.
وقد سُئِل الشيخ ابن باز - رحمه الله - السؤال التالي:
هل يجوز لعب الورق - البلوت -؟ وما حكم لعب الشطرنج؟ مع العلم أنهما لا يلهيان عن الصلاة؟
فأجاب - رحمه الله:
لا تجوز هاتان اللعبتان وما أشبههما لكونهما من آلات اللهو، ولما فيهما من الصدِّ عن ذكر الله، وعن الصلاة، وإضاعة الأوقات في غير حقٍّ، ولما قد تُفضِي إليه من الشحناء والعداوة، هذا إذا كانت هذه اللعبة ليس فيها عِوَض، أما إن كان فيها عِوَض مالي، فإن التحريم يكون أشد؛ لأنها بذلك تكون من أنواع القمار الذي لا شك في تحريمه، ولا خلاف فيه، والله ولي التوفيق. (فتاوى ابن باز (19/ 391). والله أعلم.
وسُئِل الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - عنها فقال: "اللعب بالشطرنج وسائر أنواع الميسِر لا يجوز مطلقاً، سواء كان على مال من اللاعبين، أو من أحدهما، أو من غيرهما، أو لم يكن على مال. ويدل على ذلك: الكتاب، والسنة، والإجماع، والأثر، والقياس، والنظر".
أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 90- 92].
وتقرير الاستدلال من الآيات من اثني عشر وجهاً:
الأول: الحصر في قوله: {إِنَّمَا} وتقريرُهُ: أن أداة الحصر تنحلّ عن أداة نفي وإثبات المعنى ليست هذه المذكورات إلا رجساً فلا خير فيها، وما انتفت الخيرية عنه فهو حرام، يؤيد هذا الوجه: قوله - تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلالُ}.
الثاني: دلالة الاقتران، وتقريرها أن الله - جل وعلا - ذكر الميسر واسطةً بين الخمر المُفسِد للعقل، وبين الأنصاب والأزلام التي هي أعمال الوثنية وخرافات الشرك، فاقترانه بها دليلٌ على مساواته لها في أصل الحكم الذي هو التحريم.
{وَالْمَيْسِرِ} هو القمار، وهو مشتقٌّ من يسر إذا وجب، أو من اليسر بمعنى السهولة، وقد ذكر القرطبي والجصَّاص والسيوطي في تفاسيرهم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهد، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب، وقتادة، وطاووس أن الشطرنج نوعٌ من أنواع الميسر.
الثالث: قوله: {رِجْسٌ} وتقريره أن الله تعالى وصف هذه المذكورات ومنها الميسر بأنها رجس ، وهذه الكلمة في اللسان العربي تدل على القذر ، قال ابن فارس في معجمه : أصله الاختلاط بين الباب الرجس الشيء القذر. ويقال: رجل رجس، ورجال أرجاس، قال تعالى :( رجسٌ من عمل الشيطان).
والرجس يكون على أربعة أوجه: إما من حيث الطبع، وإما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، وإما من كل ذلك؛ كالميتة تعاف طبعاً وعقلاً وشرعاً.
والرجس من جهة الشرع: الخمر والميسر، وقيل: إن ذلك رجسٌ من جهة العقل، وعلى ذلك نبَّه الله - تعالى - بقوله: {وإثمهما أكبر من نفعهما}؛ لأن كل ما يوفي إثمه على نفعه فالعقل يقتضي تجنُّبه. انتهى المقصود من كلام الراغب في (مفرداته).
وإذا تقرَّر أنه مستقذر فيلزم من ذلك قبحه، وإذا كان قبيحاً فهو حرام، والله تعالى ما خص نوعاً من أنواعه، فدل ذلك عن أن اللعب به لا يجوز في أي حال من الحالات.
الرابع: قوله: {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} وتقريره: أنه جعل من أوصاف الميسر أنه من عمل الشيطان، وما كان من عمل الشيطان فهو مسخط الله، وما أسخطه لابد أن يكون حرامًا، فالشطرنج الذي هو نوعٌ من أنواع الميسر حرامٌ في جميع حالاته.
الخامس: قوله: {فَاجْتَنِبُوهُ} وتقريره من وجهين:
الأول: أنه تعالى أمر باجتناب ما ذكره ومنه الميسر ، والأمر يقتضي الوجوب ، فيجب اجتناب اللعب بالشطرنج على أي وجه كان .
الثاني: أنه جعل الأمر بالترك من مادة الاجتناب وهو أبلغ من الترك ، لأنه يفيد الأمر بالترك مع البعد عن المتروك بأن يكون التارك في جانب بعيد عن جانب المتروك .
السادس: قوله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وتقريره: أن الله - جل وعلا - علَّق الفلاح على الاجتناب، ومفهوم المخالفة لذلك أن ارتكاب ذلك خسران مبين، وما كان خسراناً فهو حرام.
السابع: قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} وتقريره: أن الله - تعالى - بيَّنَ أن قصدَ الشيطان من دفع الناس إلى شرب الخمر، واللعب بالميسر هو إيقاعُ العداوة البغضاء، وما أوقع العداوة والبغضاء بين الناس بغير قصدٍ شرعيٍّ فهو حرام، ولا شك أنه لا يوجد هنا قصدٌ شرعيٌّ، فيكون اللعبُ بالشطرنج حراماً على اختلاف أنواعه.
الثامن: قوله: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} وتقريره: أن من الآثار المترتِّبة على اللعب به مفسدة دينية، وهي الصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وما صد عنهما فهو حرام، فيكون اللعب به حراماً.
التاسع: قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وتقريره: أن الله - جل وعلا - يستفهم من عباده استفهاماً بمعنى النهي المؤكد لما قبله، فهو إيذانٌ من الله - تعالى - بأن الأمر في الزجر والتحذير كشف ما فيهما من المفاسد الدينية والدنيوية قد بلغ غايته، وأن الأعذار قد انقطعت فلا بد من الانتهاء.
العاشر: قوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وتقريره: أن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما مضى من المؤكِّدات الدالة على تحريم الخمر والميسر وما ذكر معهما، والأمر يقتضي الوجوب، فلا يتحقَّق الامتثال إلا بترك هذه المذكورات، ومنها: الميسر، فلا يجوز اللعب به على أي حال من الأحوال.
الحادي عشر: قوله: {وَاحْذَرُوا} وتقريره: أن الله - تعالى - حذَّر عباده على سبيل الأمر من مخالفة أمره، وذلك بارتكاب ما نهى عنه في هذه الآيات، ومنه: الميسر، وهو - تعالى - لا يُحذِّر إلا على المخالفة بترك واجبٍ، أو فعل حرام، كما قال تعالى.
وأما منافعه فهي ما يلي:
1- السرور النفسي الذي يحصل عند اللاعب في حالة الغلبه .
2- الكسبُ المادِّي الذي يأخذه وهو مرتاح.
وإذا رجعت إلى هذه المضار وهذه المنافع وقارنت بينهما وجدت أن العقل لا يشك في تحريمه لكثرة مضاره وقلة منافعه.
ومن أراد زيادةً على ما ذكرناه فعليه بمراجعة "الفتاوى المصرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية (المجلد الرابع ص26، 51).
وقد صدرت هذه الفتوى في عام 1388هـ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول للفائدة
مواقع النشر (المفضلة)