كان يكنى بأبي عثمان ، أسلم بعد الفتح ، فقد كان هارباً الى اليمن وعند عودته قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( مرحباً بالراكب المهاجر ) وقد حسُنَ إسلامه ، وشارك في حروب الردة .
الهروب
تحولت إليه رئاسة بني مخزوم بعد مقتل أبيه في غزوة بدر ، وكان من رؤوس الكفر ولكن الله سبحانه رزقه الإسلام .
عهد رسـول اللـه - صلى اللـه عليه وسلم- إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة ألا يقتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم ، أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم صاحب هذا الموضوع ، فركب البحر ، فأصابهم عاصف ، فقال أصحاب السفينة لمن في السفينة :( أخلصوا ، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً هاهنا ) فقال : ( لئن لم يُنجّني في البحر إلا الإخلاص ما يُنجّيني في البرّ غيره ، اللهم إنّ لك علي عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه ، أني آتي محمداً حتى أضع يدي في يده ، فلأجدنّه عفواً كريماً ) .
الأمان
وأسلمت زوجته ( أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة ) يوم الفتح ، فقالت :( يا رسول الله ، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن ، وخاف أن تقتله فآمنهُ ) فقال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- :( هو آمن ) فخرجت في طلبه ، فأدركته باليمن ، فجعلت تلمح إليه وتقول :( يا ابن عم ، جئتُك من عند أوصل الناس وأبرّ الناس وخير الناس ، لا تهلك نفسك ) فوقف لها حتى أدركته فقالت :( إني قد استأمنتُ لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )قال :( أنتِ فعلتِ ؟) قالت :( نعم ، أنا كلمتُهُ فأمّنَك )فرجع معها .
الإسلام
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( يأتيكم عكرمة مؤمناً مهاجراً ، فلا تسبّوا أباه فإن سبّ الميت يؤذي الحي ، ولا تبلغ الميت )
فلمّا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمناً على دمه قال له :( مرحباً بالراكب المهاجر أو المسافر ) فوقف بين يديه ومعه زوجته متنقبة فقال :( يامحمد ، إنّ هذه أخبرتني أنك أمّنتني ؟!) فقال رسول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- :( صدقتْ ، فأنت آمن ) قال عكرمة :( فإلام تدعو ؟)قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفعل ) حتى عدّ خصال الإسلام فقال عكرمة :( واللـه ما دعوت إلا إلى الحـق ، وأمر حسن جميل ، قد كنت واللـه فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنتَ أصدقنا حديثاً ، وأبرّنا أمانة )ثم قال عكرمة :( فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ) .
فسُرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم قال :( يارسول الله ، علّمني خير شيءٍ أقوله ) قال :( تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ) ثم قال :( ثم ماذا ؟) قال :( تقول : اللهم إني أشهدك أنّي مهاجر مجاهد ) فقال عكرمة ذلك .
ثم قال النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- :( ما أنتَ سائلي شيئاً أعطيه أحداً من الناس إلا أعطيتك ) فقال :( أمّا إني لا أسألك مالاً ، إني أكثر قريش مالاً ، ولكن أسألك أن تستغفر لي ) وقال :( كل نفقة أنفقتُها لأصدّ بها عن سبيل اللـه ، فوالله لئن طالت بي حياة لأضعفنّ ذلك كله ) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( اللهم اغفر له كلّ عداوةٍ عادانيها ، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك ، واغفر له ما نال مني ومن عرضٍ في وجهي أو أنا غائب عنه )فقال عكرمة :( رضيتُ يا رسول الله )0
وكان إسلام عكرمة سنة ثمان من الهجرة ، فأسلم وكان محمود البلاء في الإسلام ، وكان إذا اجتهد في اليمين قال :( لا والذي نجّاني يوم بدر )
المنام
وقيل أن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- قد رأى في منامه أنه دخل الجنة ، فرأى فيها عذقاً مذللاً فأعجبه فقيل :( لمن هذا ؟) فقيل :( لأبي جهل ) فشقّ ذلك عليه وقال :( ما لأبي جهل والجنة ؟ والله لا يدخلها أبداً )فلمّا رأى عكرمة أتاه مسلماً تأوّل ذلك العذق عكرمة .
الأحياء والأموات
وقدم المدينة ، فجعل كلّما مر بمجلس من مجالس الأنصار قالوا :( هذا ابن أبي جهل ) فيسبّون أبا جهل ، فشكا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال الرسول الكريم :( لا تُؤذوا الأحياء بسبب الأموات ) وكان عكرمة يضع المصحف على وجهه ويقول :( كلامُ ربي )
جهاده
استعمله أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على عُمان حين ارتدوا ، فقاتلهم وأظفره الله بهم ، ولما ندب أبو بكر النّاس لغزو الروم ، وقدم الناس فعسكروا بالجُرْفِ -موضع من المدينة نحو الشام- خرج أبو بكر يطوف في معسكرهم ، ويقوي الضعيف منهم ، فبصر بخباءٍ عظيم ، حوله المرابط ، ثمانية أفراس ورماح وعـدّة ظاهرة ، فانتهى إلى الخبـاء ، فإذا خباءُ عكرمة فسلّم عليـه ، وجزاه أبو بكر خيـراً ، وعرض عليه المعونة ، فقال له عكرمة :( أنا غني عنها ، معي ألفا دينار ، فاصرِفْ معونتك إلى غيري ) فدعا له أبو بكر بخير.
الشام والشهادة
استشهد عكرمة بن أبي جهل في عام 13 هـ في خلافة أبو بكر الصديق يوم ( مرج الصُّفَّر ) وقيل في اليرموك سنة ( 15 هـ ) في خلافة عمر ، ولم يُعقِب.
فلمّا كان يوم اليرموك نزل فترجّل فقاتل قتالاً شديداً ، ولمّا ترجل قال له خالد بن الوليد :( لا تفعل ، فإنّ قتلك على المسلمين شديد )فقال :( خلّ عني يا خالد ، فإنه قد كان لك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابقة ، وإني وأبي كنّا مع أشد الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فمشى حتى قُتِل ، فوجدوا به بضعةً وسبعين ما بين ضربة وطعنة ورمية .
وقيل أنه قال يوم اليرموك :( قاتلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل موطن ، وأفر منكم اليوم ؟!) ثم نادى :( مَنْ يُبايع على الموت ؟) فبايعه الحارث بن هشام في أربع مائة من وجوه المسلمين وفرسانهم ، فقاتلوا حتى أثبتوا جميعاً جراحةً وقُتِلوا إلا من نبأ .
مواقع النشر (المفضلة)