الغالبية الساحقة تمتلك تلفزيونا في البيت…ثمة اناس جديرون بالاحترام قرروا
أن يضعوا حدا للتلفزيون في بيوتهم وهو قرار شجاع لا يجرؤ عليه معظمنا.
هذه ليست دعوة لتحطيم التلفزيونات، كلا. لكنها دعوة لتفعيل الخيال
في عقولنا…فهل التلفزيون يقتل الخيال فعلا؟
ثمة من يقول بأن أقوى الروايات العالمية قد تفشل فشلا ذريعا إذا ما تم تصويرها في مسلسل
او فيلما سينمائيا. فما السبب؟ سوف نعرف بعد قليل. وهناك من يناقض ذلك القول قائلا
بأن أقوى الأفلام السينمائية كانت روايات وتم تمثيلها وحازت إعجاب الملايين.
السؤال الذي دائما ما يطرح نفسه. أيهما أكثر إمتاعا وتشويقا؟ التلفزيون أم الكتاب؟ ولكل وجهة نظره.
الكتاب يمنحني القوة السحرية لكي أبني العالم الخاص بي…أرسم صورة أبطال
الرواية كما أريد، أرسم صورة الدراما والأحداث بالشكل الذي يتخيله عقلي. ويا للروعة،
فهذا العقل له أسرار بديعة. فيكفينا أن نعرف أنه يقوم بتشكيل أبطال الروايات حسب البيئة
التي تربى فيها قارئ الراوية أو حسب نوعية تفكيره وقراءاته. كنت حينما أقرأ روايات الادب
العالمي مثل آنا كارنينا ومدام بوفاري ودكتور جيفاغو ومرتفعات ويذرنغ، كنت أشعر
كأني أشاهد الرواية بسبب كثرة التفاصيل التي يتناولها الكتاب. فمن يقرأ رواية مدام بوفاري،
يستطيع معرفة لون فستانها ونوع القماش وشكل التطريز وبل ونوع الخيوط إلخ.
فروائيي الأدب العالمي كانوا احيانا يكتبون ما يزيد على 250 كلمة لوصف قبعة سيدة.
أما في عالم السينما والتلفزيون، فإنك الشاشة تريحك من عناء مجرد تخيل لون
الفستان! كل شيء جاهز. ما على المشاهد هو أن يتناول الفيشار والكولا ويلعب في أزرار آلة التحكم.
إذن فالفرق بين الكتاب والتلفزيون، هو أن الكتاب يمنحك قوة التخيل،
أما التلفزيون فيقدم لك الخيال على طبق من ذهب سرعان ما يتلاشى بريقه.
في صباي كنت ألتهم روايات مصرية للجيب التهاما، وأمتلك منها المئات
في بيتي ولله الحمد. وكنت في صغري أدعو الله أن يقوم أحد الأثرياء العتيدين بإنتاج فيلم
عن أدهم صبري رجل المستحيل. لقد كنت معجبا به أيما إعجاب وأعتقد أن هذا الإعجاب
هو شعور فطري لمن هم في مثل سني في تلك الفترة من المراهقة.
المهم هو أنه بعد عدة سنوات من عدم قيام أحد الأثرياء بتحقيق حلمي هذا، وجدت أنه
من المناسب أن أحمد الله أولا ثم أشكر هؤلاء الأثرياء لأنهم لم يقوموا بهذه الخطوة…
كنت دوما أرسم شكلا محددا لأدهم صبري، وتفاصيل حياته محفورة في ذهني..
حتى شكل ابتسامته وجلسته على الأريكة لتناول كوبا من الشاي أمام التلفزيون!
ولو قام أحد هؤلاء الأثرياء بإنتاج الفيلم لقتل كل هذه الأحلام…ولأصبح أدهم صبري
هو عبارة عن ممثل..ربما أصبح أدهم صبري عادل إمام أو فريد شوقي، أو حتى زكي جمعة
مع احترامي للأخ زكي جمعة!…(بالمناسبة..مين زكي جمعة؟؟؟؟)
إذن في عالم الكتب، بكلتا يداي أبني عالمي الخاص من الصور والمؤثرات الصوتية وكل ما يلزم ..
إن هذا لا يكلف مليارات الدولارات كما كلف فيلم سيد الخواتم …مجرد خمس دقائق
مستلقيا على فراشي، كنت أحصل على (أكثر الأفلام إثارة وخيالا)
في عقلي…(لا أنكر أن فيلم سيد الخواتم شدني حتى النخاع!)
شكرا للعقل والقراءة…وعذرا للتلفزيون سيد الأحلام الجميلة جدا والقصيرة جدا!
بقلم المهندس مهيب عبد أبو القمبز
مواقع النشر (المفضلة)