... الدرس السادس ...
... رمضان شهر القيام ...
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد ...
(( يا أيها المزمل , قم الليل إلا قليلاً , نصفه أو انقص منه قليلاً , أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً )) , هكذا قال سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم , ولقد امتثل الحبيب عليه الصلاة والسلام أمر ربه فقام وأطال في القيام , وبكى وأطال في البكاء , وخشع وأطال في الخشوع .
ويقول عز وجل لرسوله و مصطفاه : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك , عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ) , مثل قيامك في ليالي الدنيا يكون قيامك المحمود يوم القيامة .
رمضان شهر الصيام والقيام , أحلى الليالي وأغلى الساعات يوم يقوم الصوام في جنح الظلام :
قُلتُ للّيل هل بجوفك سرُّ **** عامر بالحديثِ والأسرار
قال لم ألق في حياتي حديثاً **** كحديث الأحباب في الأسحار
ليل الصائمين قصير لأنه لذيذ , وليل العابثين طويل لأنه سقيم
فقصارهن مع الهموم طويلةٌ **** و طوالهن مع السرور قصارُ
وصف الله الصالحين من عباده فقال : ( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ) , فليلهم من أحسن الليل , ووصفهم في السحر فقال : ( و بالأسحار هم يستغفرون ) , وقال : ( والمستغفرين بالأسحار ) , فأسحارهم من أجمل الأسحار :
يا ليلة الجزع هلاّ عدت الثانية **** سقى زمانك هطّال من الديم
أمسيت في نشوة التوفيق يقلقني **** طلوع فجرٍ بدا من عالي العلم
كان المهاجرون والأنصار إذا أظلم عليهم الليل سمع لهم نشيج بالبكاء , وإذا أسفر الصباح فإذا هم الأسود إقداماً وشجاعة :
في الليل رهبانٌ وعند لقائهم **** لعدوِّهم من أشجع الشجعان
كانت بيوت المهاجرين والأنصار في ظلام الليل مدارس تلاوة وجامعات تربية , ومعاهد إيمان , فما لبيوت كثير من الناس اليوم أصبحت ثكنات للغناء و المجون و ملاجيء للسفه واللهو , اللهم عفوك يا كريم , فلما فقدنا قيام الليل قست قلوبنا , وجفت دموعنا وضعف إيماننا .
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )) .
مما يعين على قيام الليل تذكر ذاك القيام المهول : يوم يقوم الناس لرب العالمين , يوم يبعثر ما في القبور ويُحصَّل ما في الصدور .
ومما يعين على قيام الليل تذكر ظلمة القبر ووحشة القبر وهم القبر , فقيام الليل نور لظلمة القبر .
ومما يعين على قيام الليل تذكر الأجر والمثوبة وعفو الخطيئة والذنب , تفنن السلف في قيام الليل , فمنهم من أمضى الليل راكعاً , ومنهم من قطعه ساجداً , ومنهم من أهبه قائماً , منهم التالي الباكي , ومنهم الذاكر المتأمل , ومنهم الشاكر المعتبر .
لماذا أقفرت بيوتنا من قيام الليل , لماذا خوت من التلاوة , لماذا شكت منازلنا من قلة المجتهدين :
أيا دار سلمى كنت أول منزلٍ **** نزلنا به و الركب ضبحت بلابله
نزلنا فلم نشهد به رفقةً مضت **** فسال من الدمع المكتم عاجله
إذا أظلم الليل نامت قلوب الغافلين , وماتت أرواح اللاعبين , حينها تحيى القلوب المؤمنة , وتسهر العيون الخائفة .
نامت الأعين إلا مقلةٌ **** تذرف الدمع وترعى مضجعك
كيف ينام من يتذكر رقدة القبور , والحشر يوم النشور , وقاصمة الظهور , ما كنا نظن أن جيلاً من المسلمين يسهر على البلوت والشطرنج والغناء , وقلة الحياء , فرحماك يا رب :
كن كالصحابة في زهدٍ وفي ورعٍ **** القوم هم مالهم في الناس أشباهُ
عبّاد ليلٍ إذا جنّ الظلامُ بهم **** كم عابدٍ دمعه في الخدِّ أجراهُ
صح عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال لابن عمر : (( يا عبد الله لا تكن كفلانٍ كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل )) .
إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
و أفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد
... محبكم في الله ...
... نجد علي ...
مواقع النشر (المفضلة)