الحديث عن محبة سيد الخلق صلى الله علية وسلم ، وكيف تكون محبته أمرا عظيما وشأنا جسيما . وهو باب الإجلال والتكريم من المولى الكريم لمن أراد لهم أن يعزهم .. لمن أراد لهم أن يعظمهم ، لمن أراد لهم ان يتحفهم ، لمن أراد لهم أن يصطفيهم . قال صلى الله عليه وسلم بهذا الشأن ومقيما هذا البنيان لسيدنا عمر بن الخطاب لما قال له : يا رسول الله ، لأنت أحب إلى من أهلى ومالى وولدى والناس أجمعين إلا نفسى التى بين جنبى . فقال له رسول الله : ليس بعد يا عمر يعنى لم يتم إيمانك يا عمر .. ليس بعد ياعمر ..، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وولده والناس أجمعين ونفسه التى بين جنبيه .. ونفسه التى بين جنبيه . ونفسه التى بين جنبيه . فخرج ابن الخطاب بعد أن أصغى الى هذا الخطاب من سيد الأحباب .. أصغى إصغاء أصحاب القلوب إذا انصتوا واستمعوا .. وكان رجل ملك زمام نفسه وقد أخضعها لربه فجال فى فكره هذا الكلام المحقق على وصف من التحقيق للحبيب صلى الله عليه وسلم .. وراجع نفسه وقال : يا نفسى ، ماذا تكونين أمام رسول الله ؟ثم رفع رأسه صادقاً فى مقاله ، فى بيانه وقال : يا رسول الله ، لأنت الآن أحب إلى من أهلى وولدى ومالى والناس اجمعين ومن نفسى التى بين جنبى . فقال له : الآن يا عمر .. وفى رواية : الآن يا عمر تم إيمانك . وقبل أن يكون شأن محبتك لى قد غلب على محبتك لنفسك فلا يزال كمال إيمانك فى خلل ولا يزال فى نقص ولا يزال فى ظلمة لا يسدها إلا تغليب محبتى على محبتك لنفسك . سيدنا عمر هذا الذى جاهد ، هذا الذى أعز الله به الإسلام ، هذا الذى هاجر ، هذا الذى تعب من أجل هذا الدين ، هذا الذى ترك ماله وترك وطنه وخرج غريباً من أجل هذا الدين ، هذا الذى مضى عليه يوم من الأيام خرج فيه يتسكع فى شوارع المدينة فلا يجد ما يطعم .. كل ذلك كان حسناً ، وكل ذلك كان مرتبة له ورفعة .. ولكن هذا كله لم يقم سيدنا عمر مقام الكمال فى الإيمان .. جهاده ، عبادته ، طاعته ، خدمته .. لم تبلغه مبلغ الكمال فى الإيمان حتى تحقق بأن غلب محبة رسول الله على محبة نفسه . فما أسباب محبة رسول الله فى قلوبنا ؟ما أخبار محبة رسول الله فى بيوتنا ؟ ما أخبار تشوقاتنا الى هذه المحبة ؟ ما أخبار تلفتاتنا الى نيل مراتبنا بين الأحبه ؟أهل الصدق فى محبة رسول الله صلى الله علية وسلم بذلوا أموالهم ، وبذلوا أوقاتهم ، وبذلوا جهدهم ، وبذلوا أرواحهم رخيصة مقدمة أمام هذا المحبوب ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى يوم معركة أحد : من ينظر لسعد بن الربيع وهو من أكابر الأنصار رضى الله عنهم وأرضاهم - من يلتمس لى خبر سعد بن الربيع فقال سيدنا عبد الرحمن بن عوف : أنا أنظره لك يا رسول الله . قال : انظر خبره فإن وجدته فأقرءه منى السلام وقل له : رسول الله يقرؤك السلام ويقول لك : كيف تجدك يا سعد ؟ قال : فأخذت أتخطى القتلى والجرحى واحداً واحداً حتى بصرت بسعد بن الربيع وهو ملقى وقد أثخن بالجراح والدم يسيل من جسده وقد أقضب عينيه من شدة مابه وقد بدا عليه أثر النجع فالقيت عليه السلام فأجابنى بصوت منخفض ثم قلت له : يا سعد ، إن رسول الله يقرؤك السلام ويقول لك : كيف تجدك يا سعد ؟ قال : فكأنما بدت الحياة فى عروقه ففتح عينيه وقال : بأبى وأمى رسول الله وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته ، يا عبد الرحمن ، أقرئ رسول الله منى السلام وقل له : إن سعدا يجد رائحة الجنة من دون أحد . ثم قال : أبلغ قومى من ورائى السلام - يعنى الانصار - وقل لهم : يقول لكم سعد بن الربيع : لا يصلن أحد من الكفار الى رسول الله وفيكم عرق ينبض . هذه معانى المحبة .. الرجل قد سقط على الأرض ، ودماؤه قد قضبت البقعة وهو يتهيأ للموت لكن معانى المحبة التى نازلت قلبه ، والانشغال بصلته بالمحبوب جعلته وهو فى هذه الساعة ، ساعة الموت ، يمتلئ حرصاً على محبوب قلبه ، وقد بدا النشاط على بدنه عندما ذكر له من يحب . فما حال قلبك إذا ذكر لديك سيدنا محمد ؟ إذا سمع اسم سيدنا محمد ؟ إذا جرى خبر من أخبار سيدنا محمد ؟ إذا مدح سيدنا محمد ؟ إذا رأيت سنة من سنن سيدنا محمد تعمل ربما فى بيتك ، ربما فيمن يجالسك ؟ ربما فى ابنائك ؟ ولقد قال الصديق سيدنا أبو بكر لما قال له سيدنا عمر : كيف نقاتل مانعى الزكاه وحولنا من ارتد ، وأمامنا الروم والفرس يتحرشون بنا .. هلا سكنت قليلاً حتى تقوى دولتنا ثم ندور إليهم ؟! نظر إليه بعينين شذرتين فقال له : يا عمر ، أجبار فى الجاهلية ختال فى الإسلام ؟!! والله لو منعونى عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه . أما أن ينقص دين الله وأنا موجود فلا . من أين جاءت هذه القوة للرجل الذى كان فى حياته يغلب عليه اللطف ؟ تغلب عليه الرقة والشفقة واللين ؟ لكن لما جاء الأمر بمساس بشأن الأمانة التى تلقاها عن محبوبه لم يستطع أن يصبر .. لم يستطع أن يسكت .. لم يستطع أن يصمت ، وكانت ثمرة ذلك معنى من القوة برز حتى أرعب الكفار .. ولما جاء الخبر الى الروم بأن أصحاب محمد يقاتلون أقوامهم وأتباعهم من أجل المال والزكاة فقط نزلت الهيبة فى أولئك وقالوا : إن هؤلاء فى قوة ليس من المستحسن أن نقاتلهم اليوم عليها . ذلك من ثمرة الاتصال بمعانى المحبة .. لأن المحبة فى مظهرها خضوع للمحبوب وذلة معه ، وفى حقيقتها قوة تبرز فى المحب فى معاملته لما حوله
مواقع النشر (المفضلة)