السجان والحرمان
ما أقساه من عذاب اليم وما اشده وقعاً على نفس هذا السجين المسكين ، لقد وضعه السجان بيديه في غياهب سجنه المظلم ، كلاهما يتحمل بعض الوزر ، تمر الليالي تلو الليالي يضعف البدن وتقوى الأشواق ويشب الأمل ، وفي إحدى أيام الصيف الحارقة كان الامتحان .
إنه ماء بارد زلال لذيذ يسيل منه اللعاب وتهفو إليه القلوب وتطير منه الألباب ، يقدمه السجان في منعة ودلال يقترب فريباً وما إن يصل الكأس إلى شفتيه حتى يراق أمامه وبين قدميه، ما أقساه من عذاب إنه الحرمان والألم ، ليته ما قرب الماء إليه و مناه بما لا سبيل إليه ، ليته تركه بعطشه يجاهد نفسه ويغالي هواه حتى يرويه ربه ومولاه بفضله العظيم ، إنه سبحانه لا ينسى أحد من خلقه ...............
هاهو يبحث كالمجنون في غير هدى من سبيل للخلاص من هذا العذاب الأليم .
رشفات قليلة وليكن بعدها الموت لا يهم ، آه آه تسوقه قدماه إلى رفيق ولكن على غير دربه وهواه ، إنه كالمستجير من النار بالرمضاء ، ما أقبحه من رجل في سجن عفن ، إن هذا الرجل يرتشف الخمر ارتشافاً جهاراً ,نهاراً عياناً بياناً ، لا يردعه دين ولا قانون ولا حتى بقية من أخلاق منهارة في هذا السجن الكئيب المسكين .
هاهي رشفات قليلات باقيات في كأسه القذر ، يقف هذا السجين المسكين طويلاً أمامها متسائلاً :؟ إنها سهلة المنال فيها ارتواء ومتعة، نعم قد تتبعها حسرة و يردفها داء عضال ، لا يهم آه من النفس والدنيا والشيطان ، وتلك الرشفات التي تبدو في عين الرائي لذيذة تبعث الروح وتنعش النفس ، يسرع إليها غير مبال بعواقبها ، وما إن يصل إليها ماداً ذراعيه ، حتى تنهال عليه سياط من خلفه متتاليات مألمات ، إنه السجان في لباس الجلاد تمزق السياط جلده وتحرق جوفه وتزيد عطشه عطشاً ، وألمه ألماً ، وحرمانه حرماناً يستدير إلى هذا السجان مستجيراً ، يترقرق الدمع في عيني السجان شفقة لحال هذا المسكين ، يهمس إليه بصوت كسير حزين يعلوه الندم : ألم أقدم إليك الماء البارد في جنح الظلام لتنهل منه كما تريد وقتما تريد أنسيت أم تناسيت ، لم تشتهيه ولم تطلبه فقدمته طوعاً وحباً لك.، فوليت منه دباراً ، لماذا تبحث عنه بعيداً عني فيجيبه صوت متكسر أنهكه السجن والسجان ،وظلم هذا الزمان .
نعم رفضته وسأرفضه منك ومن غيرك ، إنه ليس لي فيه حق إن له ثمن لا أستطيعه، سأرفضه حتى لو فيه حياتي ، إنه أمانة وإن الله لا يهدي كيد الخائنين يحنو عليه ويربت على كتفيه ، أنت يا مسكين يا من وضعت نفسك في هذا السجن ، إن أبوابه الآن مفتوحة ، وحراسه نيام فلك أن تختار بين الجنة والنار ....... ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).
مواقع النشر (المفضلة)