السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين صلى الله علية وسلم وعلى آله وصحبة أجمعين إلى يوم الدين
أما بعد
كثير ما نعاني من برود القلب والإيمان فيه لذلك أخي وأختي الكريمة أحضرت لكم اليوم ما يثلج الصدر ويشفي مرض القلوب بإذن الله تعالى نبدأ بأذن الله
( 1 ) تعظيم الحق جل جلاله
فإذا أردت أن تعرف عظم الذنب، فانظر إلى عظمة من أذنبت في حقه.
أكبر آفة وقع فيها أهل عصرنا ،وأكبر معصية ارتكبتها قلوب أمتنا: أن زالت هيبة الله من القلوب.
هذه هي المأساة..
إننا صرنا نخاف من البشر أكثر من خوفنا من الله، ونستحي من البشر أعظم من حيائنا من الله، ونرجو البشرأعظم من رجائنا في وجه الله، لذا لما هان الله علينا هُنّا عليه والجزاء من جنس العمل.
(2) أن تعرف الله. فإذا عرفته عظم في قلبك".
يعلق ابن القيم فيقول: "من أعظم الظلم والجهل: أن تطلب التوقير والتعظيم لك من الناس.. وقلبك خال من تعظيم الله وتوقيره!"
وعلينا أن ننتبه إلى هذه الفائدة الغالية:
فإنك توقر المخلوق ،وتجله أن يراك في حال، ثم لا توقر الله ،فلا تبالي أن يراك سبحانه وتعالى عليها.. أيحب أحدكم أن يراه الناس وهو يزني؟ إذن فكيف ترضى أن يراك الله على هذه الحالة؟ ألا تستحي منه؟
وصدق الله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [ النساء: 108، 109]
(3) توقير الله عز وجل
وتوقيره يكون :
(أ) ألا تذكر اسمه مع المحقرات :
قال بعض السلف :" ليعظم وقار الله في قلب أحدكم أن يذكره عند ما يستحي من ذكره" . . فانظر إلى مدى توقير السلف لربهم . . كانوا يستنزهون أن يوضع اسم الله بجوار ما يستقبح ذكره . . فيقرن اسمه به . . كأن يقول الرجل :" قبح الله الكلب والخنزير" . . فيوقرون الله أن يوضع اسمه مع هذه الحيوانات .
(ب) ألا تنسب الشر إليه :
إن من عقيدتنا أن الخير والشر من الله ، لكننا لا ننسب الشر إلى الله تأدباً. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لبيك وسعديك، الخير كله في يديك . . والشر ليس إليك" [مسلم].
(ج) من وقاره : ألا تعدل به شيئاً من خلقه لا في اللفظ ولا في الفعل :
فلا تقل : "ما شاء الله وشئت" ، وهذا لأنه عندما قالها رجل لرسول الله، قال صلى الله عليه وسلم : "أجعلتني لله ندا؟" [البخاري في "الأدب المفرد"، وابن ماجة، وصححه الألباني في "السلسلة"]
(د) من توقيره جل وعلا ألا تشرك معه شيئاً في الحب والتعظيم والإجلال :
قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [ البقرة : 165] . سماهم مشركين ،كما في الطاعة ؛ فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع الله !
(هـ) من توقيره جل وعلا ألا تجعل له الفضلة :
إن آفة أهل عصرنا – حتى الملتزمين منهم – أنهم يعطون الله الفضلة :
إذا بقي لدى الواحد منهم وقت ليقوم الليل فيه قام ،وإلا تركه ؛ يجعل لله الفضلة . .
إذا بقي عنده وقت للأذكار قالها، وإلا غفل عنها . . وهكذا . .
وقد قال تعالى : {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } [ البقرة : 267] .
(و) من التوقير : ألا تقدم حق المخلوق على حق الله :
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [ الحجرات : 1] . أي لا تقدموا أمراً بين يدي أمر الله ورسوله صلى الله علية وسلم ، ولا حباً بين يدي حب الله ورسوله ..
لا تجعل أمام الله أحداً، بل الأول هو الله . .
قرأت استطلاعاً للرأي -على طلبة إحدى الجامعات - عن المثل الأعلى والقدوة وأهم المحبوبات، فوجدوا أن الترتيب كما يلي :
1) الفنانين .
2) لاعبي الكرة .
3) المشاهير من الإعلاميين .
4) الله ورسوله .
فإذا كان الله في التفضيل هو الرابع ترتيباً، فأين يكون التوقير؟ أين يكون الحب والإجلال؟
(ز) من توقيره جل وعلا : أن تختار حده وجنبه وناحيته عن ناحية الناس وجنبهم :
قال تعالى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ النساء : 115]
(ر) من توقير الله : بذل البدن والقلب والروح في خدمته تعالى :
كان سلفنا رضوان الله عليهم ينتصبون في الخدمة ، فلا يرعون السمع إلا لكلام الله، ولا يسلمون القلب إلا لأوامر الله ، فإذا كانوا في الصلاة فلا تسل عن الخشوع والخضوع ، وإذا كانوا في الصيام فلا تقل عن الإخلاص والورع ،وكذلك في الذكر والصدقة..
أما حالنا فيندى له الجبين خجلاً ؛ فإذا كلمك أحد الناس ، انتبهت إليه بكل جوارحك ، وإذا وقفت بين يدي الله وقفت بجسدك فقط . فعقلك وقلبك في شغل عنه . وتأمل ذلك في صلاتك و صيامك .. وغيرها من العبادات .
(س) من توقير الله : ألا تقدم مراد نفسك على مراد ربك :
مالم توقر الله سقطت من عين الله ؛ فلا يجعل الله لك في قلوب الناس وقاراً ولا هيبة ،بل يُسقط وقارك وهيبتك من قلوبهم . . وإن وقروك مخافة شرك ، فذاك وقار بغض لا وقار حب وتعظيم .
(ش) من وقاره جل وعلا : الحياء من أن يطلع على قلبك ،فيرى منك ما يكره :
فإذا اطلع الله على ما في قلبك ، لا يجد إلا الغرور والعجب ، وحب الدنيا وحب المعاصي، واستثقال الطاعات .. أفلا تستحي من الله؟ . . أخرج هذا من قلبك حتى لا يراه الله فيه .
المصيبة أن يستحي العبد من الناس، ولا يستحي من الله .قال تعالى : { وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } [ الأحزاب :37]
(ل) من وقاره : أن تستحي منه في الخلوة أعظم مما تستحي من أكابر الناس
(م) ومن وقاره : أن يكون همك الأول طلب رضا الله .
أتمنى أن ينفعني وينفعكم الله بها اللهم آمين ولا تنسونا من صالح الدعاء
والحمد لله رب العالمين
مواقع النشر (المفضلة)