يا من أقعده الحرمان ، هذه رفاق التائبين عليك عبور
لا رسالة دمع ولا نفس آسف، وما أراك الا مهجور
هذا نذير الشيب ينذر بالرحلة تهيأ لها منذور
كم أعذار؟ كم كسل؟ كم غفلة ؟ ما أجدك يوم الحساب معذور
بيت وصلك خراب ، وبيت هجرك معمور
بدر عساك تجبر بالتوبة وتعود مجبور
سجدة واحدة واصل بها السحر وتنجو من الأهوال
" ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدوّ والآصال"
لله در أقوام قلوبهم معمورة بذكر الحبيب
ليس فيها لغيره حظ ولا نصيب
إن نطقوا فبذكره ، وإن تحرّكوا فبأمره
وإن فرحوا فبقربه ، وإن ترحوا فبعتبته
أقواتهم ذكر الحبيب
وأوقاتهم بالمناجاة تطيب
لا يصبرون عنه لحظة
ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة
[align=right]وأنشدوا :[/align]
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,nor mal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/21.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
حياتي منك في روح الوصال = وصبري عنك من طلب المحال
وكيف الصبر عنك وأي صبر = لعطشان عن الماء الزلال
اذا لعب الرجال بكل شيء = رأيت الحبّ يلعب بالرجال[/poem]
[align=justify]يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اذا بلغ العبد أربعين سنة ، ولم يغلب خيره على شرّه ، قبّله الشيطان بين عينيه ، وقال: فديت وجها لا يفلح أبدا ، فإن منّ الله عليه ، وتاب إليه ، واستنقذه من الضلالة ، واستخرجه من غمرات الجهالة ، يقول الشيطان لعنه الله : يا ويلاه ، قطع همره بالضلالة ، فأقرّ بالمعصية عيني ، ثم أخرجه الله من الجهالة بتوبته ورجوعه إلى ربه "
وذكر في بعض الأخبار أن رجلا كان من الفقهاء من أهل بغداد، وكان ممن يسار إليه في العلم والصلاح ، وكان شيخا كبيرا فاضلا ، وأراد الحج إلى بيت الله الحرام ، وزيارة قبر نبيّه عليه الصلاة والسلام ، فألّف من أصحابه جماعة من الذين كانوا يقرؤون عليه ، فارتبط معهم على أنهم يخرجون متوكلين على الله عز وجل.
فلما ساروا في بعض الطريق ، وإذا بدير نصراني ، وقد أعياهم الحرّ والعطش ، فقالوا : يا أستاذنا، نسير لهذا الدير ، فنستظل حتى يبرد النهار، ونرحل إن شاء الله تعالى ، فقال لهم : افعلوا ما شئتم ، فساروا إلى ذلك الدير ، ونزلوا عند جداره وقد أصابهم العياء والحر ، فنام الطلبة ، والشيخ لم ينم .
قال: فتركهم الشيخ نائمين ، وخرج يطلب ماء لوضوئه ، ولم يكن له همّ إلا ذلك ، فبينما هو يمشي في حومة الدير يطلب الماء ، فرفع رأسه ، فرأى جارية صغيرة السن، كأنها الشمس الضاحية ، فلما رآها الشيخ تمكّن ابليس من قلبه ، ونسي الوضوء والماء ، ولم يكن له هم إلا الجارية ، فأقبل يقرع الباب قرعا عنيفا ، فخرج إليه راهب وقال له : من أنت؟
قال له : أنا فلان العالم الفلاني ، وعرّفه بنفسه واسمه.
فقال له الراهب : ما تريد يا فقيه المسلمين؟
قال له : يا راهب ، هذه الصبية التي بدت من أعلى الدير، ما هي منك؟
قال الراهب : هي ابنتي، فما سؤالك عنها؟
قال له الشيخ : أريد أن تزوّجني إياها.
قال له الراهب : إن ذلك لا يجوز عندنا في ديننا ، ولو كان جائزا، لكنت أزوّجها منك بغير مشورتها ، ولكن قد جعلت لها على نفسها عهدا ، أن لا أزوّجها إلا من ترضى لنفسها ، ولكن أنا أدخل عليها وأعلمها بخبرك ، فإن هي رضيتك لنفسها ، زوّجتك منها.
قال له الشيخ : حبا وكرامة.
قال: فذهب الراهب إلى ابنته ، فأعلمها بالقصة ، والشيخ يسمع.
فقالت: يا أبت، كيف تزوّجني منه ، وأنا على دين النصرانية ، وهو على دين الإسلام ، إنّ ذلك لا يتم له إلا أن يدخل في دين النصرانية.
قال : فعند ذلك ، قال لها الراهب : أرأيت إن دخل في دينك ، تتزوجينه؟
قالت : نعم .
والشيخ العالم في هذا كله يتضاعف به الأمر، وإبليس يزيّنها في عينيه ، وأصحابه رقود، ليس عندهم علم بما حلّ به.
قال : فعند ذلك ، أقبل عليها الشيخ وقال لها : قد نبذت دين الإسلام ، ودخلت في دينك.
قالت له الجارية: هذا زواج قدري ، ولكن لا بد من حق الزوجية ودفع المهر، وأين الحق، وأراك رجلا فقيرا ، ولكن أقبل منك في حقي أن ترعى هذه الخنازير عاما كاملا، ويكون ذلك صداقي.
قال لها : نعم ، لك ذلك ، ولكن أشترط عليك أن لا تجبي وجهك عني ، لأنظر إليك غدوة وعشيا.
قالت: نعم.
فأخذ عصاه التي كان يخطب عليها ، وأقبل بها على الخنازير، يزجرها لتمشي للمرعى.
وجرى هذا كله وأصحابه نيام ، فلما استيقظوا من نومهم طلبوا الشيخ فلم يجدوه ، فسألوا عنه الراهب ، فأعلمهم بالقصة.
قال: فمنهم من خرّ مغشيا عليه ، ومنهم من بكى وناح ، ومنهم من تأسف على ما حلّ به.
ثم قالوا للراهب : وأين هو؟
قال لهم : يرعى الخنازير.
قال: فمضينا إليه، فوجدناه متكئا على عصاه التي كان يخطب عليها وهو يزجر بها الخنازير، وقلنا له : يا سيّدنا ، ما هذا البلاء الذي حلّ بك.
وجعلنا نذكّره فضل القرآن والإسلام ، وفضل محمد صلى الله عليه وسلم ، وقرأنا عليه القرآن والحديث.
فقال لنا : إليكم عني ، فأنا أعلم بما تذكرونني به منكم ، ولكن قد نزل بي البلاء من عند رب العالمين.
قال : فكلما عالجناه ليسير معنا ، ما قدرنا عليه ، فمضينا إلى مكة وتركناه ، وفي قلوبنا منه حسرة.
وقضينا حجنا ورجعنا نريد بغداد ، فلما صرنا إلى ذلك الموضع ، فقلنا : تعالوا ننظر ما فعل الشيخ ، لعله ندم وتاب إلى الله عز وجلّ ، ورجع عما كان فيه.
قال: فذهبنا إليه، فوجدناه على حالته ، وهو يزجر الخنازير، فسلمنا عليه وذكّرناه ، وقرأنا عليه القرآن ، فما ردّ علينا شيئا ، فانصرفنا عنه وفي قلوبنا منه حسرة عظيمة.
قال: فلما صرنا على بعد من الدير ، وإذا نحن بسواد قد أقبل علينا من ناحية الدير ، وهو يصيح علينا، فوقنا له، فاذا هو صاحبنا الشيخ قد لحق بنا.
وقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، وأنا قد تبت إلى الله ، ورجعت عما كنت فيه ، وماكنت فيه ، وما كان ذلك إلا من ذنب كان بيني وبين ربي عاقبني به ، فكان من البلاء ما رأيتم .
قال: فسررنا بذلك غاية السرور ، وجئنا إلى بغداد ، وأقبل الشيخ على العبادة والاجتهاد أكثر مما كان عليه قبل ذلك ، فبينما نحن في دار الشيخ نقرأ عليه ، وإذا نحن بامرأة قد قرعت الباب ، فخرجنا إليها وقلنا لها : ما حاجتك أيتها المرأة.
قالت: أريد الشيخ وقولوا : ان فلانة بنت فلان الراهب قد جاءت لتسلم على يديك ، فأذن لها بالدخول ، فدخلت ، وقالت : يا سيدي جئت لأسلم على يديك.
فقال لها الشيخ : وما كانت القصة.
قالت له : لما وليت عني ، غلبتني عيناي ، فنمت ، فرأيت فيما يرى النائم علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، وهو يقول : لا دين إلا دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال لي ذلك ثلاث مرّات ، ثم قال لي بعد ذلك : ما كان الله ليبتلي بك وليا من أوليائه. وها أنا ذا قد جئت إليك ، وأنا بين يديك ، وأقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله .
ففرح الشيخ بذلك، حيث منّ الله عليها بدين الإسلام على يديه ، فتزوجها على كلمة الله وسنة رسوله.
قال: فسألناه عن ذلك الذنب الذي كان بينه وبين الله.
قال: كنت يوما ماشيا في بعض الأزقة ، وإذا برجل نصراني قد لصق بي ، فقلت له : ابعد عني عليك لعنة الله. فقال : ولم ؟ قلت له : أنا خير منك.
فالتفت النصراني ، وقال : ما يدريك أنك خير مني ، وهل تدري ما عند الله تعالى حتى تقول هذا الكلام ؟
وقد بلغني بعد ذلك أن هذا الرجل النصراني قد أسلم وحسن إسلامه ، ولزم العبادة ، فعاقبني الله تعالى من أجل ذلك ما رأيتم.
نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.[/align]
مواقع النشر (المفضلة)