السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حين يجب أن نقول..!
تنقصنا كثيراً ثقافة التعاطي مع الآخر، ورغم كل ما نحاول أن ننظر به لعلاقتنا بالآخر إلا أن الفجوة مازالت متسعة والآخر يكاد يصبح العدو إذا كانت آراؤه بعيدة عن ما نراه أو تحمل وجهة نظر مختلفة، ولست هنا بصدد الحديث عن البرامج الحوارية التصادمية في الفضائيات ولا أناقش فكرة "إذا لم تكن معي فأنت بالضرورة ضدي" ولكني أتحدث هنا عن بيوت عربية عادية ظلت قائمة منذ سنوات طويلة وستظل قائمة، إلا انها بيوت لا جسور فيها، كل فرد فيها عالم قائم بذاته، يفكر ويقرر ويدير شئونه كما يحب لا كما يتوافق مع الجميع في نفس المكان، بيوت هجرها الدفء العائلي ولم يحاول أحد ان يستعيده، قد يسكن هذه البيوت زوج وزوجة ارتبطا منذ عقود بعلاقة زوجية، أنجبا وكبر الأولاد وربما تزوجوا أيضاً ومازالت العلاقة بين الاثنين سطحية، لم تخبره يوماً بما تشعر به، لم تقل له انها سعيدة، أو تعيسة، انها معترضة، أو مقترحة، وبدوره لم يخبرها يوماً عن كونه راضياً، متذمراً، قابلاً، شاكراً، أو رافضاً، احتفظ كل منهما بمشاعره حبيسة في الطبقات السفلى تحت الجلد وحبس الكلمة في صدره، والغريب ان السبب في هذه الجفوة ليست كراهية الطرف الآخر ولا رفض وجوده، بل لعله العكس فالعشرة ولدت مشاعر مودة وسكن ورحمة، إلا انها بقيت مشاعر محبوسة لا تغادر الشفتين، لا تصل للآخر، المرأة حياء، والرجل عزة وكبرياء، فلا هي فهمت معنى الحياء ولا هو سعد بعزته وكبرياءه، والمضحك المبكى اننا مازلنا نربي أبناءنا على هذا الكتمان الغريب للمشاعر وكأننا نسلمهم راية الجوع والإحساس الدائم بالقهر والنقص ونحذرهم ألا يتجاوزوا حدود العلاقة الرسمية وألا يجدوا لرغباتهم ومخاوفهم ومشاعرهم متنفساً ابداً..
فمن علمنا هذا التكتم وهذا الحذر، ومن زرع الخوف من الكلام والتعبير والبوح في نفوسنا، من أي تراث استقينا هذا الصمت وتراثنا القديم يخبرنا كم كانت العلاقات تضج بالحيوية والحياة، حتى عرفنا منه كيف كانت مقاييس جمال المرأة وأساليب دلع البنات ودرجات تشبب الرجال وأنواع مكايدات النساء وعرفنا كيف كانت بيئتنا الصحراوية تتفجر حباً حتى (تحب ناقتها بعيره)!
لذا فإنه من المفارقات ان يتطور الزمان وتدخل التكنولوجيا الصعبة كل البيوت وتتربع في أبرز الأماكن في بيوتنا بينما أبسط وسائل التعبير تظل في تراجع، وأرق وأسهل أساليب الحضور والتعاطي والتواصل تصبح من أعقد الأمور..!!
ألم يقل رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه: "ان من البيان لسحرا" فلماذا نحبس هذا السحر في أنفسنا ونضن به على من يستحقه ويحتاجه، أي خجل أو كبرياء هذا الذي يمنع الماء من أن يجري ليروي الشرايين المتشققة عطشا، وأي رحمة ندعيها حين تكون الابتسامة عيباً، ونظرة التفهم والمشاركة ضعفاً، وكلمة الحب جريمة..
ماذا نقول لسنوات عمر تمضي كئيبة حزينة صامتة وكان يمكن لبضع كلمات أن تحييها؟
كيف نغفر لأنفسنا ظلماً أوقعنا أنفسنا فيه وألحقناه بغيرنا لمجرد أن الكلمة الرقيقة عاندت حلوقنا وأبت أن تغادرها ليسمعها من يريدها ويحتاجها ويترقبها..
أكاد أجزم أن نسبة كبيرة من المشاكل الاجتماعية المعروفة سواء أكانت بين الأزواج أو بين الآباء والأبناء أو بين الزملاء في العمل يمكن ان تحل بسهولة إذا ما تطوع شخص وكسر حاجز الصمت المشحون بالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة والتصرف اللطيف..
فلنجرب.. ماذا سنخسر؟
_______
منقــــــول
مواقع النشر (المفضلة)