بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقسام النعمة
مقدمة
الله سبحانه المسؤول المرجو الإجابة أن يمتعكم بالإسلام والسنة والعافية فإن سعادة الدنيا والآخرة ونعيمهما وفوزهما مبني على هذه الأركان الثلاثة وما اجتمعن في عبد بوصف الكمال إلا وقد كملت نعمة الله عليه وإلا فنصيبه من نعمة الله بحسب نصيبه منها .
(( أقسام النعمة ))
النعمة نعمتان نعمة مطلقة ونعمة مقيدة
1ـ فالنعمة المطلقة هي المتصلة بسعادة الأبد وهي نعمة الإسلام والسنة وهي التي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نسأله في صلواتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول تعالى ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )
فهؤلاء الأصناف الأربعة هم أهل هذه النعمة المطلقة وأصحابها أيضا هم المعنيون بقول الله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) فأضاف الدين إليهم إذ هم المختصون بهذا الدين القيم دون سائر الأمم والدين تارة يضاف إلى العبد وتارة يضاف إلى الرب فيقال الإسلام دين الله الذي لا يقبل من أحد دينا سواه ولهذا يقال في الدعاء( اللهم انصر دينك الذي أنزلته من السماء) ونسب الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة مع إضافتها إليه لأنه هو وليها ومسديها إليهم وهم محل محض النعمة قابلين لها ولهذا يقال في الدعاء المأثور للمسلمين واجعلهم مثنين بها عليك قابليها وأتممها عليهم وأما الدين فلما كانوا هم القائمين به الفاعلين له بتوفيق ربهم نسبه إليهم فقال ( أكملت لكم دينكم ) وكان الإكمال في جانب الدين والتمام في جانب النعمة واللفظتان وإن تقاربتا وتواخيتا فبينهما فرق لطيف يظهر عند التأمل فإن الكمال أخص بالصفات والمعاني ويطلق على الأعيان والذوات ولكن باعتبار صفاتها وخواصها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد) وقال عمر بن عبد العزيز "إن للإيمان حدودا وفرائض وسننا وشرائع فمن استكملها فقد استكمل الإيمان" وأما التمام فيكون في الأعيان والمعاني ونعمة الله أعيان وأوصاف ومعان وأما دينه فهو شرعه المتضمن لأمره ونهيه ومحابه فكانت نسبة الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة أحسن كما كانت اضافة الدين إليهم والنعمة اليه أحسن والمقصود أن هذه النعمة هي النعمة المطلقة وهي التي اختصت بالمؤمنين وإذا قيل ليس لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو صحيح
ـ النعمة المقيدة ـ
2ـوالنعمة الثانية النعمة المقيدة كنعمة الصحة والغنى وعافية الجسد وتبسط الجاه وكثرة الولد والزوجة الحسنة وأمثال هذه فهذه النعمة مشتركة بين البر والفاجر والمؤمن والكافر وإذا قيل لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق فلا يصح اطلاق السلب والإيجاب إلا على وجه واحد وهو أن النعمة المقيدة لما كانت استدراجا للكافر ومآلها إلى العذاب والشقاء فكأنها لم تكن نعمة وإنما كانت بلية كما سماها الله تعالى في كتابه كذلك فقال تعالى ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا …) أي ليس كل من أكرمته في الدنيا ونعمته فيها فقد أنعمت عليه وإنما كان ذلك ابتلاء مني له واختبارا ولا كل من قدرت عليه رزقه فجعلته بقدر حاجته من غير فضيلة أكون قد أهنته بل أبتلي عبدي بالنعم كما أبتليه بالمصائب.
فإن قيل كيف يلتئم هذا المعنى ويتفق مع قوله (فأكرمه) فأثبت له الإكرام ثم أنكر عليه قوله ( ربي أكرمن ) وقال ( كلا ) أي ليس ذلك إكراما مني وإنما هو ابتلاء فكأنه أثبت له الإكرام ونفاه؟
قيل الإكرام المثبت غير الإكرام المنفي وهما من جنس النعمة المطلقة والمقيدة فليس هذا الإكرام المقيد بموجب لصاحبه أن يكون من أهل الإكرام المطلق وكذلك أيضا إذا قيل إن الله أنعم على الكافر نعمة مطلقة ولكنه رد نعمة الله وبدلها فهو بمنزلة من أعطي مالاً يعيش به فرماه في البحر كما قال تعالى (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ) وقال تعالى (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) فهدايته إياهم نعمة منه عليهم فبدلوا نعمة الله وآثرواعليها الضلال فهذا فصل النزاع في مسألة هل لله على الكافر نعمة أم لا؟ وأكثر اختلاف الناس من جهتين إحداهما اشتراك الألفاظ وإجمالها والثانية من جهة الاطلاق والتفصيل
فصل: في أن النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة وهذه النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة والفرح بها مما يحبه الله ويرضاه وهو لا يحب الفرحين قال الله تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته هي الاسلام والسنة وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما وكلما كان أرسخ فيهما كان قبله أشد فرحا حتى إن القلب إذا باشر روح السنة ليرقص فرحا أحزن ما يكون الناس وهو ممتلئ أمنا أخوف ما يكون الناس
من كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لابن القيم رحمه الله
مواقع النشر (المفضلة)