بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أبي صرمة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ضار ضار الله به . ومن شاق شق الله عليه رواه الترمذي وابن ماجه .
هذا الحديث دل على أصلين من أصول الشريعة :
أحدهما : أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر ، وهذا من حكمة الله التي يحمد عليها ، فكما أن من عمل ما يحبه الله أحبه الله ، ومن عمل ما يبغضه أبغضه الله ، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه ، كذلك من ضار مسلما ضره الله ، ومن مكر به مكر الله به ، ومن شق عليه شق الله عليه ، إلى غير ذلك من الأمثلة الداخلة في هذا الأصل .
الأصل الثاني : منع الضرر والمضارة ، وأنه لا ضرر ولا ضرار وهذا يشمل أنواع الضرر كله .
والضرر يرجع إلى أحد أمرين : إما تفويت مصلحة ، أو حصول مضرة بوجه من الوجوه ، فالضرر غير المستحق لا يحل إيصاله وعمله مع الناس ، بل يجب على الإنسان أن يمنع ضرره وأذاه عنهم من جميع الوجوه .
فيدخل في ذلك : التدليس والغش في المعاملات وكتم العيوب فيها ، والمكر والخداع والنجش ، وتلقي الركبان ، وبيع المسلم على بيع أخيه ، والشراء على شرائه . ومثله الإجارات ، وجميع المعاملات والخطبة على خطبة أخيه ، وخطبة الوظائف التي فيها أهل لها قائم بها . فكل هذا من المضارة المنهي عنها .
وكل معاملة من هذا النوع ، فإن الله لا يبارك فيها ، لأنه من ضار مسلما ضاره الله ، ومن ضاره الله ، ترحل عنه الخير ، وتوجه إليه الشر وذلك بما كسبت يداه .
ويدخل في ذلك : مضارة الشريك لشريكه ، والجار لجاره ، بقول أو فعل حتى إنه لا يحل له أن يحدث بملكه ما يضر بجاره ، فضلا عن مباشرة الإضرار به .
ويدخل في ذلك : مضارة الغريم لغريمه ، وسعيه في المعاملات التي تضر بغريمه ، حتى إنه لا يحل له أن يتصدق ويترك ما وجب عليه من الدين إلا بإذن غريمه ، أو يرهن موجوداته أحد غرمائه دون الباقين ، أو يقف ، أو يعتق ما يضر بغريمه ، أو ينفق أكثر من اللازم بغير إذنه .
وكذلك الضرار في الوصايا : كما قال تعالى : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ بأن يخص أحد ورثته بأكثر مما له ، أو ينقص الوارث ، أو يوصي لغير وارثه بقصد الإضرار بالورثة .
وكذلك لا يحل إضرار الزوج بزوجته من وجوه كثيرة : إما أن يعضلها ظلما لتفتدي منه ، أو يراجعها لقصد الإضرار ، أو يميل إلى إحدى زوجتيه ميلا يضر بالأخرى ، ويجعلها كالمعلقة .
ومن ذلك : الحيف في الأحكام والشهادات والقسمة وغيرها على أحد الشخصين لنفع الآخر . فكل هذا داخل في المضارة ، وفاعله مستحق للعقوبة ، وأن يضار الله به .
وأشد من ذلك : الوقيعة في الناس عند الولاة والأمراء ، ليغريهم بعقوبته أو أخذ ماله ، أو منعه من حق هو له ، فإن من عمل هذا العمل فإنه باغ ، فليتوقع العقوبة العاجلة والآجلة .
ومن هذا : نهى النبي صلى الله عليه وسلم ( أن يورد ممرض على مصح لما في ذلك من الضرر .
وكذلك نهى الجذمى ونحوهم عن مخالطة الناس ، وهذا وغيره داخل في قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ونهى عن ترويع المسلم ، ولو على وجه المزح .
ومن هذا السخرية بالخلق ، والاستهزاء بهم ، والوقيعة في أعراضهم ، والتحريش بينهم . فكله داخل في المضارة والمشاقة الموجب للعقوبة .
وكما يدل الحديث بمنطوقه : أن من ضار وشاق ضره الله وشق عليه ، فإن مفهومه يدل على : أن من أزال الضرر والمشقة عن المسلم فإن الله يجلب له الخير ، ويدفع عنه الضرر والمشاق ، جزاء وفاقا ، سواء كان متعلقا بنفسه أو بغيره .
مواقع النشر (المفضلة)