بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد
فإن العاقل الذي يدرك أنه في مواجهة وحرب لا بد أن يعد العدة لتلك المواجهة، ولا بد أن يميز بين عدوه وصديقه، وإننا في هذه الدار قد كتب الله علينا جبهات مفتوحة، ومن أخطر هذه الجبهات وأنكاها وأشدها جبهة إبليس، لكثرة جنوده وتنوعها، فإن له جنودا من الإنس وجنودا من الجن، وإنه قد أقسم بعزة الله ليغوين أكثر البشر وقد تحققت يمينه في أكثرهم كما أخبر الله بذلك: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}
وقد قال الله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين}، فصدقت يمينه في إغواء أكثر البشر، ولهذا قال الله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}، وقال: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}، فأكثر الخلائق هم من جند إبليس،
آخر ما قاله النبي لعمر !
قال البيهقي : أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا ابن أبي قماش وهو محمد بن عيسى ، حدثنا موسى بن إسماعيل أبوعمران الجبلي ، حدثنا معن بن عيسى الفزاز ، عن الحارث بن عبدالملك بن عبدالله بن أناس الليثي ، عن القاسم بن يزيد بن عبدالله بن قسيط ، عن أبيه ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن الفضل بن عباس ، قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً ، وقد عصب رأسه فقال : خذ بيدي يا فضل . قال : فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال ناد في الناس يا فضل . فناديت الصلاة جامعة . قال فاجتمعوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال : أما بعد ، أيها الناس إنه قد دنا مني خلوف من بين أظهركم ، ولن تروني في هذا المقام فيكم ، وقد كنت أرى أن غيري غير مغن عني حتى أقومه فيكم ، ألا فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد ، ولا يقولن قائل : أخاف الشحناء من قبل رسول الله ، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي ، وإن أحبكم إلي من أخذ حقاً إن كان له علي أو حللني فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة . قال : فقام منهم رجل فقال : يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم . فقال : أما أنا فلا أكذب قائلاً ولا مستحلفه على يمين ، فيم كانت لك عندي ؟ قال أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم .قال : أعطه يا فضل . قال : وأمر به فجلس . قال : ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الأولى . ثم قال : يا أيها الناس من عنده من الغلول شئ فليرده فقام رجل فقال : يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله . قال : فلم غللتها ؟ قال : كنت إليها محتاجاً قال خذها منه يا فضل . ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الأولى وقال يا أيها الناس من أحس من نفسه شيئاً فليقم أدعو الله له . فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله إني لمنافق وإني لكذوب وإني لنئوم . فقال عمر بن الخطاب : ويحك أيها الرجل ! لقد سترك الله لو سترت على نفسك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه يابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ، اللهم ارزقه صدقاً وإيماناً وأذهب عنه النوم إذا شاء . ( ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر !! ) . وفي إسناده ومتنه غرابة شديدة .
والبداية والنهاية / ج: 5 ص : 251
ايها الناس : هذا رسولكم صلى الله عليه وسلم يستبرأ من المظالم و من حقوق الناس
يريد ان يلقى ربه عز و جل ليس عليه من الناس حمل
فانتبهوا لأنفسكم واعلموا أنكم مقدمون على الملك الديان الحكم العدل الذي لا يظلم عنده أحد، وأن حقوق العباد ذات شأن عظيم عنده جل جلاله، فلذلك تعافوا الحقوق فيما بينكم
في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه.)
يقول الله عزّ وجل: (إنَّك ميتٌ وإنَّهم ميِّتون* ثمَّ إنَّكم يومَ القيامةِ عند ربّكم تختصمون) "الزمر: 30،31"، والخصومة تكون فيما بين العباد من مظالم، فعن الزبير بن العوّام رضي الله عنه قال: لما أنزلت هذه الآية، قلت: أَيْ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواصِّ الذنوب؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: "نعم ليُكرِّرنَّ عليكم حتى يُؤدَّى إلى كلِّ ذي حقٍّ حقُّه"، قال الزبير: والله إنَّ الأمر شديد.
ومن الأحاديث المشهورة في ذلك حديث المفلس الذي قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: "إنَّ المفلِّس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة؛ وكان قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فينقص هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ قال: فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياتهم فطرحت عليه ثمّ طُرح في النّار".
وهذا المانع الخطير من موانع الانتفاع بالعمل الصالح يوم القيامة من أشدّ الموانع خطراً وأصعبها تحرزاً، فلا يسلم من تبعات العباد إلاّ من رحم الله عزّ وجل، وقليل ما هم.
والغرماء يوم القيامة لا يقبلون من عمل خصومهم إلاّ النظيف، والذي تجاوز مصفاة الإيمان والإخلاص والمتابعة، أمَّا العمل الملوَّث فلا يقبلونه لعدم نفعه، فإذا كان العمل النظيف أقلّ القليل كما سبق بيانه؛ لأنَّه ثمرة تصفيات كثيرة، وكلّ مصفاة تسقط منه جزءاً، إذا كان الأمر كذلك فإنَّ المغبون الخاسر من ضيَّع هذا القليل ووزَّعه يوم القيامة بين خصومه وغرمائه، وحال بين نفسه وبين الانتفاع بأعماله المقبولة عند الله عزّ وجل، وذلك بتفريطه في الدنيا في حقوق العباد أو الاعتداء عليهم في دين أو عقل أو نفس أو مال أو عرض.
وممَّا ينبغي التنبيه عليه: أنَّ أكثر الخصوم يوم القيامة هم من أقرب النّاس للنفس؛ كالوالدين، والأبناء، والزوجة، والزوج؛ ذلك لما بينهم من الحقوق والواجبات ووجود الاحتكاك الدائم بينهم والاجتماع معهم في كثير من الأوقات، فالحذر الحذر من ظلم الأبناء في دينهم وإهمال تربيتهم والنفقة عليهم... إلخ، والحذر الحذر من بخس الوالدين حقوقهم وعدم الإحسان إليهم، وكذلك الحال في بقية الأقارب والأباعد.
إن حقوق العباد لا بد فيها من المحاصّة والمقاصّة، سواءً كانت من الأعراض، أو الأموال، أو الأسرار، أو نحوها؟ فلا بد فيها من المحاصة عند الله تعالى.
فلأجل ذلك بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أهمية حقوق العباد، فثبت عنه-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لَتُؤَدَّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء
سارعوا رحمكم الله الى الاستبراء لدينكم و عرضكم
نسأل الله أن يجمع قلوبنا على طاعته، وأن يؤلِّف بين قلوب المسلمين، وأن يجمع كلمتهم، وأن يردهم إلى الحق ردًّا جميلا، وأن يريهم الحق حقًّا ويرزقهم اتباعه، والباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مواقع النشر (المفضلة)