الحسناوي شاعر حضارة الإسلام
الحسناوي أديب جمع بين الشعر والنثر تحت لواء الأدب الإسلامي، وساهم في تعميق المفهوم الإسلامي للأدب بشعره ونثره، وذلك في معاناة صادقة ومحاولات جادّة لإعلاء قيمة الأدب الإسلامي.. وقد جعل منهجه الأدبي تقويم الآداب وترشيدها من خلال التصور الإسلامي لقضايا الحياة والوجود.. فجاء أدبه نموذجاً أصيلاً من نماذج الأدب الإسلامي الحديث.
ولد الأستاذ محمد محمود الحسناوي عام 1938م في "جسر الشغور"، وهي مدينة من أعمال محافظة إدلب بسورية، تقع على منتصف الطريق بين حلب واللاذقية.
وبدأ تعليمه الابتدائي في مدرسة جسر الشغور، وأتم دراسته الإعدادية فيها عام 1955م. وتابع دراسته الثانوية في اللاذقية. وفي عام 1957م انتقل إلى دمشق الفيحاء، وأتم فيها دراسته الثانوية عام 1958م.. ونجح في مسابقة دار المعلمين، والتحق بكلية الآداب بجامعة دمشق ونال إجازة اللغة العربية عام 1961م، ودبلوم التربية العامة عام 1962.
وعمل مدرساً للغة العربية في المدارس الثانوية بمحافظة حلب طوال سبعة عشر عاماً، إلى أن اضطر إلى مغادرة القطر السوري لظروف تتعلق بأوضاع البلاد العامة، وكان في تلك الفترة قد حصل على الماجستير في الأدب العربي عام 1972م من كلية الآداب بالجامعة اللبنانية في موضوع "الفاصلة في القرآن".
كان الحسناوي واحداً من مجموعة الأدباء الشباب الذين جمعتهم (رابطة الوعي الإسلامي) وهي رابطة جمعت عدداً من الشبان في سورية في الخمسينيات من القرن الماضي، واهتمت بنشر نتاجهم الشعري والأدبي.. ومن هؤلاء الشباب: عبد الله الطنطاوي، محمد منلا غزيل، محمود كلزي، محمد الحسناوي، وساهموا في كثير من مجالات الشعر والأدب..
والحسناوي أديب له تجربة أصيلة في مجال الشعر والنقد والدراسات الأدبية.. فأدبه نفحة إسلامية نيّرة، واتجاه إنساني كريم، تميّز به عن كثير من الأدباء والمفكرين.. وساهم من خلاله في تعميق المفهوم الإسلامي للأدب بشعره ونثره.
بدأ الحسناوي حياته الأدبية بنظم الشعر وصدر له بعض الدواوين الشعرية ثم انتقل إلى كتابة القصة ثم الرواية بعد انقطاعه عن الشعر لفترة عشر سنوات تقريباً من 1980 ـ 1990م، ثم استأنف كتابة الشعر بعد أن توقف عن كتابة القصة. أما كتاباته النقدية، فكانت في مراحل كتابة الشعر الخصبة، وإن لم ينقطع عنها كل الانقطاع في المراحل كلها.
في مراحل حياته الأدبية الأولى تابع الحركة الأدبية المحلية والعربية، وكتب في المجلات الأدبية والإسلامية المعروفة مثل مجلة "الآداب" و"الأديب" اللبنانيتين، ومجلة "حضارة الإسلام" الدمشقية، ومجلة "البعث الإسلامي" الهندية.. وكان يتطلع إلى التجديد في الشكل والمضمون من خلال الإفادة من تراثنا العظيم ومعطيات الآداب الغربية والشرقية، ومن ذلك اهتمامه بحركة الشعر الحديث (شعر التفعيلة) ومؤسسه الأديب الإسلامي المسرحي علي أحمد باكثير.
وفي دراسته للفاصلة في القرآن الكريم فقد اكتشف آثاراً مهمة للموسيقى القرآنية على شعر الموشحات والشعر الحديث ـ من خلال باكثير- كما اكتشف مزايا يمكن أن تثري الشعر العربي الحديث، كما أثرت الشعر العربي القديم.
ولأديبنا الحسناوي نشاطه الواسع في حقل الأدب الإسلامي النثري فضلاً عن نشاطه الشعري، فنجد له البحث المقالي والدراسة الشعرية وتقويم المسرحية وتحليل القصة ودراسة الكتب، هذا عدا المناقشات والمقابلات.. ولهذا توغل في التراث القديم والنتاج المعاصر ليصدر في أدبه النثري عن هذا الرصيد الحافل من النظر والنقد، فضلاً عن الإبداع الأدبي.
واشترك الحسناوي في مسابقات أدبية، وفاز بجائزة مهرجان عكاظ الجامعي الأول للشعر بالجائزة الثانية عام 1960م وبالجائزة الأولى عام 1961م.
وقد اهتم عدد من الكتاب في سورية وخارجها بإنتاجه وقاموا بالكتابة عنه وعن دواوينه الشعرية في كثير من الصحف وعدد من الكتب، ومن هؤلاء الكتّاب: الدكتور عبد القادر القط، عبد الله الطنطاوي، محمد حسن بريغش، الدكتور محمد عادل الهاشمي، أحمد دوغان، محمد قرانيا.. الذي اعتبره في أحد كتاباته وجه حلب الأدبي.
صوّر في شعره لوحات من الجهاد القديم والجهاد المعاصر.. الجهاد القديم بين المسلمين الأوائل وأعداء الإسلام.. والجهاد المعاصر متمثلاً في موقف الأمة الإسلامية إزاء الجاهلية الحديثة، فالحسناوي صاحب عقيدة يؤمن بها دستوراً لحياته وفلسفة لوجوده ومبرراً لبقائه.. ولهذا جاء شعره عميق الفكرة صادق الإحساس مشرق الأسلوب.
ويثبت الحسناوي أصالة الحضارة الإسلامية والإنسان الحضاري من خلال النتاج الإنساني والتقني الذي زودت به حضارتنا البشرية بأصول الخير الذي ترفل فيه الآن، ويجلو الشاعر ذلك من خلال حوار يديره بين كتاب تراث أُلقي في دجلة إبّان فتنة التتار وبين قمر صناعي واصلاً بينهما الرحم، حتى لكأن القمر الصناعي وريث منجزات الحضارة الإسلامية، فيقول:
يا كتاباً على جناح الهواء
طائراً، طائراًلأعلى سماء
طائراً سابحاً بطرفٍ حديدٍ
وبأذن رهيفةِالأصداء
كيف تُنسى وأنتجُرمٌ خبيرٌ
يتقصّى مخابئ الجوزاء؟
أنت منّي،وإنسكنتَ الدراري
وأنا منك في قرارالماء
كيف تنسى مسراكَ نقطة نورٍ
(هيثميّ) في(الغرفة السوداء)
كيف تنسى (ابن ماجد) يمخر البحر
على هديِ نجمك الوضّاء
أنت من أمتي حفيدٌ زكيٌّ
سامقُ الفرع، وارفُ الأفياء
فيكَمن(جابرٍ) شمائلُ غُرٍّ
و(ابن سينا) ما شئتَ منسيماء
وللحسناوي شعر إنساني.. ففي قصيدة بعنوان "أبناء بلال" يعطينا نموذجاً حيّاً لتكريم الإسلام للإنسانية ومساواته بين الناس، وعدم التحيُّز لمال أو لون، لهذا كان بلال سيداً بعد أن حرّره الإسلام وأعطاه قيمته الإنسانية، ورفعه ليصبح سيداً للعظماء والصالحين، والشاعر يتصور زنوج أمريكا يهتفون باسمه رمزاً للكرامة والحرية بعد أن ذاقوا ظلم المدنية الحديثة، والقصيدة تعطينا صورتين: صورة الإنسان في ظل العقيدة، وصورته في ظل المدنيات المادية، ففي الصورة الأولى يقول:
جدّنا كان بلال
كان من لون الظلال
كان مجهول الخصال
بِجِبِلات الجمال
صادقاً عفّ المقال
في مزاح وجدال
مؤمناً يثني الجبال
إنتحدّاه الضلال
وفي الصورة الثانية، نظرة الحضارة الحديثة للإنسان، فهي نظرة المهانة والذّلة والاستعباد، يقول:
أين منّا جدّنا
والدواهي حولنا
من مُعيب لوننا
مستثير حقدنا
معرض عن دربنا
مستقل حقلنا
هادم مافوقنا
سارقما تحتنا
رد مع اقتباس
مشاركة: الحسناوي شاعر حضارة الإسلام
[/align]
مواقع النشر (المفضلة)