إيمان مهنا.. داعية الشرق والغرب

في صباح يوم الجمعة 17-12-2004 اقتحم مجهولون منزل الداعية الفلسطينية المسلمة إيمان مهنا، الكائن في ولاية لويزيانا الأمريكية، ووجهوا لها أكثر من 33 طعنة، نفذ عدد منها إلى جنينها الذي تحمله في الشهر السادس، وفارقت الحياة على إثر تلك الطعنات الغادرة.

وإيمان مهنا، داعية إلى الله بالخير، نشأت منذ نعومة أظفارها محبة لله عز وجل ولدينه العظيم، ارتدت الحجاب ولباس السترة في وقت لم يكن للحجاب ظهور وانتشار.

وكان لمولد إيمان جمال مهنا في بيت صغير محافظ في قطاع غزة ولديه من الدين الإسلامي ما يشبع رغبتها الدينية، كان له وقع جعلها في طليعة الداعيات في أي مكان تكون فيه، حيث نشأت وترعرعت بين أحضان أسرة محافظة، ورثت منها حقيقة الدين الإسلامي الصحيح وكيفية السير في دربه بثبات، حيث تعلمت الصلاة وارتدت الحجاب في التاسعة من عمرها.

تزوجت في العام 1995 من المهندس فخري ديبة المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنجبت منه ابنها الوحيد (أحمد).

حصلت إيمان على درجة البكالوريوس في أصول الدين من الجامعة الإسلامية بغزة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 1996، بعد دراسة استمرت العديد من السنوات لعدم انتظامها في الجامعة بعد الزواج والذهاب إلى أمريكا، وقد حصلت على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية في ولاية لويزيانا التي تعيش بها، وباشرت هناك الدعوة إلى الله.

داعية في المدرسة

مشت إيمان بمركبها الدعوي إلى الله تعالى منذ صغرها، فكان للسانها الرطب بذكر الله أثر واضح على زميلاتها في المدرسة، من حيث الالتزام بطاعة الله عز وجل واجتناب نواهيه، وكان يبرز ذلك من خلال تعاملها مع زميلاتها وتذكيرهن بالله عز وجل في كل حين، وبرز نشاطها المدرسي خلال المجلات والمشاريع الدعوية مع رفيقاتها.

يقول أبو عبد الله شقيق إيمان: "بدأت إيمان مشوارها الدعوي إلى الله تعالى في غزة، فقد درست مواد دينية في روضة المجمع الإسلامي لفترة من الوقت، كما كانت من أعضاء الكتلة الإسلامية في مجلس طالبات الجامعة الإسلامية".

وداعية في المسجد

ويضيف شقيق إيمان واصفا نشاطها الدعوي في غزة: "عملت إيمان في مجال الدعوة إلى الله في مسجد فلسطين القريب من بيتها، حيث تربت وعاشت طفولتها وحياتها الدعوية فيه، وعملت أيضا في المجمع الإسلامي، حيث كانت تقيم الندوات الدينية هناك، مما جعل حبها يتشعب في قلوب الناس الذين قابلوها أو التقوا معها، فعلاقاتها الاجتماعية الطيبة كانت واسعة، وشهد لها الكثيرون بحسن خلقها وبنشاطها المنقطع النظير في مجال الدعوة، حيث أحبها الكبير والصغير، وشكلت حولها حلقة من المحبين لله ولرسوله تزداد في كل يوم عن آخر".

وداعية في الجامعة


وكان لإيمان صديقات عرفن معنى الود والمحبة لله عز وجل وللناس، فهذه ماجدة عنان صديقة إيمان في دراستها تقول: "عرفتُ إيمان في الجامعة فتاة ملتزمة في مظهرها، عندها حس إيماني، ونور يشع من عينيها".

وتضيف عنان -التي تعمل الآن موظفة في الجامعة الإسلامية بغزة-: "تعلمت من إيمان ومن أسرتها المعاني الإسلامية الكاملة، وقد أحببت تلك الأسرة حتى إنني كنت لا أكاد أفارقها، إنها أسرة ارتبطت بكل من فيها بالله عز وجل، وكان هدفها الله في كل زمان ومكان".

صاحبة الأخلاق

ولم يكن الشهود على صدق دعوتها إلى الله من زميلاتها فقط، فهذا أستاذها الدكتور أحمد أبو حلبية، أستاذ أصول الدين في الجامعة الإسلامية، يقول في حديثه لـ"إسلام أون لاين.نت": "لم أعرف في يوم من الأيام فتاة ذات أخلاق مثلما عرفت إيمان، فقد كانت مثالا للفتيات المجدات والمجتهدات، وكانت مثلا للداعية الإسلامية بكل معنى، فقد تحلت بالصبر والخلق الكريم، والدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة".

ويضيف أبو حلبية: "إن إيمان استطاعت بفضل ما أتاها الله من مواهب، وبفضل دراستها في كلية أصول الدين أن تجمع معظم فتيات الجامعة حولها، وتجعلهن قدوة لغيرهن، وكان لها نشاطها البارز في العمل الدعوي بين النساء، ليس على مستوى الجامعة فحسب، بل في قطاع غزة برمته".

وتلازم مع إيمان عمل الخير بالإضافة إلى نشاطها الدعوي، فقد تبرعت بكل ما تملك في سبيل الله قبل ذهابها إلى أمريكا، كما تكفلت بجميع نفقات بناء مسجد "السيدتين حفصة وأسماء".

أسست الأكاديمية الإسلامية

وبعد أن وطئت قدما إيمان الأراضي الأمريكية، قررت أن تواصل طريقها الدعوي الذي بدأته في مسقط رأسها، فأسست (الأكاديمية الإسلامية) في ولاية لويزيانا في العام 2000، وكان جزء كبير منها على نفقتها الخاصة، بعد أن رأت ضرورة وجود مدرسة إسلامية ينضم إليها أبناء الجالية المسلمة هناك حفاظا عليهم من الضياع وتدمير الأخلاق إذا ما انتموا إلى مدرسة نصرانية.

ويقول شقيق إيمان: "إن شقيقتي استطاعت إنقاذ "فوزية" ابنة زوجها البالغة من العمر 14 عاما من الضياع، وذلك بعد أن تزوجت أمها من يهودي يدعى "ران" واعتنق أخواها الديانة اليهودية، ليس هذا فحسب، فقد استطاعت إقناع فوزية بالدخول في الإسلام واعتناق الديانة الإسلامية وارتداء الحجاب، وأصبحت فوزية تعتبر إيمان أما لها".

وأشار شقيقها إلى أن مدير الأكاديمية الإسلامية قد ذكر أن إيمان سعت قبل رحيلها بأيام إلى فصل الطلبة عن الطالبات في الأكاديمية، وقد لاقى ذلك إعجابا لا مثيل له من قبل الجالية الإسلامية، وكذلك من قبل إدارة الأكاديمية.

وقد كانت إيمان -بالإضافة إلى نشاطها الدعوي المشهود له داخل مسجد الأكاديمية- متطوعة لتدريس اللغة العربية في مدرسة تابعة لأحد المساجد في لويزيانا.

وعن وقع نبأ استشهادها على من حولها، يقول زوجها: "كل الجيران صعقوا بنبأ مقتلها كما صعقنا، على الرغم من كونهم كلهم أمريكيين، فحبهم لها كان منقطع النظير، كما أن علاقاتها بالجالية المسلمة وطيدة جدا، وقد ظهر ذلك من الحشود الضخمة التي شاركت في تشييع جنازتها والصلاة عليها، حيث لم يحدث لها مثيل في تاريخ الولايات المتحدة".