بسم الله الرحمن الرحيم
نجوىً في رحاب الظلمات
انكمشت على ذاتها كطفل خائف في ليلة عاصفة هوجاء.. نظرت إلى علاً بعينين تتراقصان بوهج من نور تسلل بخفة عبر ثقوب جدران أضافت إلى وحشة الليل وحشة، فكانت سداً يمنع حتى وصول ضوء القمر الباهت إليها...
كان السكون يلفّ المكان.. سكون لا يخرقه سوى صدى آهاتٍ مخنوقة لفتاةٍ أثقلها الوهن.. كانت تشدّ على صدرها بعنف..
و لكن، و لما لم يسعفها صمودها انهالت راكعةً على الأرض مع أنها.. ظلّت تنظر إلى علاً...
إلهي، أنا طفلتك الضعيفة تناجيك..
يا من يوجد في كل مكان..
يا من يلهف إليه كل إنسان..
يا من لا يحيطه وقت و لا زمان..
يا لطيف.. يا قدير..
الطف بي و ساعدني بمشيئتك...
و أخفضت رأسها، انكمشت على نفسها مجدداً، كان التعب قد شلّها شلاً، و لكنها أبت الاستسلام، فرفعت رأسها بصعوبة جعلتها ترجف كورقة في مهب الريح..
إلهي، يا عالماً بالأحوال كلها..
يا عالما بحال من تآكلتها الوحدة.. من أغرقها الفراغ بزوايا ظلمته..
و أصابها جنون الغربة..
و كساها الخوف..
و اكتنفها الضباب..
و صاغ منها الحزن أنشودة..
و خاط منها الرعب ثوباً..
و رنّمها الوجع لحناً..
فكان نومها مسهّد.. و ليلها الشديد سرمد...
زفرت زفرة طويلة ثم أكملت:
إلهي، يا من كان مرشد دربي..
إلهي، يا من كان مزيل كربي..
الخلاص إلهي..
الخلاص...
كانت تلفظ الكلمات الأخيرة و هي ترجف، ليس خوفاً إنما ألماً..لربما سمع نجواها قارض رافقها ليلها، فاقترب منها لما سكنت، ووقف تحتها ينظر إليها بحنوّ، لكنه أحسّ لوهلة بقطرة ساخنة سقطت عليه، فأغمض عيونه ولما فتحها، كانت الدنيا من حواليه قد ازدانت بلون أحمر قاتم..
لم يكن ما تشدّه بعنف إلى صدرها سوى جرح قد نحتته الحياة في قلبها نحت المحترفين.. جرحٌ ما كان في استطاعة أحدٍ أن يعالج غمده.. كان الجرح ينزف بروية، و كانت قطراته تختلط مع قطرات نزفٍ من نوع آخر.. نزف عينيها اللتين لم تبخلا عليها بمشاركتها الموقف..
و بعد تلك النجوى.. إذا بالنور يرنو إليها و يلفّها لفاً.. كأمٍ تحضن وليدها.. فغشي عينيها.. ثمّ هوت إلى الأرض.. بعد أن سكنت تلك السكينة الأبدية..
و حصلت على..
ذلك الخلاص الحقيقي
مواقع النشر (المفضلة)